أُكذوبة مصرقبطية
تتكاثر بعض الأقوال حول أن مصر أصلها قبطي، ويَقصد القائلون بذلك أن مصر مسيحية، ويكتب البعض مؤلفات بعنوان "مصر في العصر القبطي"، وتلك الأقوال، وهذه الإدعاءات بعيدة كل البُعد عن الحقيقة التاريخية تمامًا، ولا تتفق مع المنطق جملةً وتفصيلًا، فليس هناك في التاريخ ما يُسمّى بـ"عصر قبطي"، إلّا إذا أطلقنا ذلك على التاريخ المصري كله منذ بدايته إلى أن تقوم الساعة.
تتكاثر بعض الأقوال حول أن مصر أصلها قبطي، ويَقصد القائلون بذلك أن مصر مسيحية، ويكتب البعض مؤلفات بعنوان "مصر في العصر القبطي"، وتلك الأقوال، وهذه الإدعاءات بعيدة كل البُعد عن الحقيقة التاريخية تمامًا، ولا تتفق مع المنطق جملةً وتفصيلًا، فليس هناك في التاريخ ما يُسمّى بـ"عصر قبطي"، إلّا إذا أطلقنا ذلك على التاريخ المصري كله منذ بدايته إلى أن تقوم الساعة.
فكلمة "قبطي" تعني مصري، والقبط والأقباط المقصود بها المصريين جميعًا، وتعود جذور كلمة "قبطي" -على أكثر الأقوال شيوعًا- إلى كلمة "آجبه" أي أرض الفيضان، وهي بذلك تعود إلى أصول مصرية، أو تعبير "حـ.ت كا – بتاح" وتعني " مقر قرين الإله بتاح"، وهو إله مدينة منف في مُعتقد بعض المصريين القدماء، وهو الاسم الذي كانت تُعرف به المدينة، ولمّا كان التقليد قد جرى عند المصريين دومًا بإطلاق أو تعميم الاسم على البلد كلها.
فقد حدث ذلك فيما بعد، وقد جرى هذا أيضًا على عاصمة مصر زمن الإمبراطورية المصرية القديمة؛ حيث يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت: "وكانت طيبة التي يبلغ محيطها ستة آلاف ومائة وعشرين ستادًا تُسمّى منذ القِدم مصر"، كما هو واقع في زماننا؛ حيث يُطلِق المصريون على القاهرة "مصر"، فالمصري في أقصى الصعيد يُعلن أنه سوف يقصد "مصر" لأداء مهمة بعينها، وهو يعني القاهرة، وكذلك يفعل أبناء مدن مصر وقُراها.
ولمّا كان تغيير الحروف بحروف أخرى أو إسقاط بعضها أمرًا واردًا مع اختلاف طبيعة النطق في اللهجات المختلفة وتباينها من شعب إلى آخر، أو حتى من وقت لآخر في البلد الواحد، فقد تحولت "الحاء" إلى "هاء" وأُسقط حرف "التاء" لتصبح الكلمة "هكاتباه"، ثم صُحّفت هذه الصيغة في اليونانية لتصبح "الهاء" همزة، والـ"كا" "جيما"، مضافًا إليها النهاية اليونانية، لتأتي على هذا النحو "آيجبتوس" Aegyptus، ولترتبط بها مجموعة من الروايات الأسطورية، كان من بينها أن اسم منف الذي حملته هذه المدينة، هو في الأصل لابنة الملك الذي بناها، وهي الفتاة التي تدله بحبها إله النيل، وأنجب منها "آيجبتوس" الذي اشتُهر بالفضيلة، فأطلق الناس اسمه على "مصر".
وقد ذكر شاعر الإغريق "هوميروس" في ملحمته الشهيرة "الأوديسة" نهر النيل باسم "آيجبتوس"، وذلك عندما قصّ علينا رحلة "منلاوس" وما فعلته الرياح به، فقد قال على لسانه: "في نهر آيجبتوس مكثت سفني"، وعلى النحو نفسه، انتقلت هذه الصيغة اليونانية إلى اللغات الأوروبية الحديثة، مع إسقاط آخر حرفين في الاسم وهما US، والإبقاء على جذر الكلمة، لنراها في الإنجليزية Egypt، وفي الفرنسية Egypte وهكذا في بقية اللغات الأوروبية، كما عُرفت في العربية مع التصحيف بـ"قبط" بعد حذف Ae اليونانية، والإبقاء على جذر الكلمة الرئيس "gypt".
وبذلك قد أضحت كلمة "قبط" تعني مصر، كما تعني أيضًا أهلها، وهي في هذه الأخيرة تُستخدم في صيغة الجمع، فـ"القبط" هم المصريون، ومفردها "قبطي" أي مصري، وقد تأتي بالجمع أحيانًا على "أقباط" أي مصريين.
نستنتج من ذلك، أن القبطية ليست دينًا، فمن الخطأ البيّن القول بـ"الديانة القبطية" إلّا إذا انصرف الذهن إلى الآلهة المصرية القديمة، و"القبطية" بالتالي لا تعني "المسيحية"، وليست بديلًا عنها.
ومن ثَمّ فإن كلمة "الأقباط" تعني المصريين جميعًا، فالقول بـ"مصر القبطية" يُقصد به "مصر المصرية"، وغير ذلك لا يستقيم مع التاريخ ولا مع المنطق.
المراجع:
· رأفت عبد الحميد، الفكر المصري في العصر المسيحي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2011.
· يوحنا النقيوسي، تاريخ مصر، ترجمة وتحقيق/عمر صابر عبد الجليل، الجيزة، دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 2003.
- التصنيف: