إنكار المنكر ولو بقلبك فقط.

منذ 2016-05-22

حتى أنهم ربما لم يشاركوا في هذه المعاصي ولكنهم أحبوها وهنا يكمن الخطر..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الفريضة المنسية..إنكار المنكر ولو بقلبك فقط.

ما أن أذن المؤذن معلنا دخول وقت الصلاة حتى قام العم سعيد من نومه فلبس حذائه وجلس على كرسيه وتناول إبريق الماء... وقال بسم الله... فأكمل وضوئه وخرج من منزله متجها إلى المسجد وبينما هو في الطريق سمع صوت موسيقى مألوفا عليه ذكره بأيام شبابه فأخذه الفضول إلى هذه الموسيقى وتحدثه نفسه أنه ما زال وقت الصلاة مبكرا فما أن وصل إلى هذا الصوت حتى وجد شبابا غافلون يتراقصون على صوت موسيقى صاخب وتلاعب بهم الشيطان فأصبحوا يرقصون كالمجانين.

هذا كله والعم سعيد واقف متسمر أعجبه فعلهم مخفيا ابتسامة انبهارا بما يصنعون، وقد ارتاح قلبه لهذه المعصية ولم ينكرها أقلاه بقلبه مذكرة له بأيام صباه... وبينما هو مسترسل في هذا اللهو ناسيا صلاته إلا وقد أقيمت الصلاة!!!

فانتبه من غفلته وعاد مسرعا إلى المسجد.

وفي الجانب الآخر خرج العم صالح إلى المسجد وكان الطريق إلى المسجد يمر على هؤلاء الشباب الغافلون فمر عليهم وامتعض وجهه من فعلتهم وتمنى لو يستطيع إيقافهم أو نصحهم، إلا انه خاف على نفسه منهم ومن شرهم فلم يتبقى أمامه إلا أن يكره هذا الفعل بقلبه ويكمل مسيره إلى المسجد لإتمام الصلاة.

بالرغم من أن العم سعيد والعم صالح لم يشاركا في هذه المعصية ولم يتكلما ولم ينكرا على أصحابها إلا أن أحدهما أصاب والأخر أخطأ، فالعم سعيد أعجب كثيراً بهذه المعصية وتذكر أيام شبابه وساقه الحنين إليها سوقاً من طريقه الذي قصده إلى المسجد فلم ينكرها لا بلسانه ولا بيده والأدهى أنه أحبها بقلبه!!!

وهذا ما يقع فيه كثير من الناس حبهم للمعاصي والذنوب بتزين الشيطان لهم هذه القاذورات، والأدهى من ذلك أن فريضة إنكار المنكر تكاد أن تنعدم عند الناس إلا ما رحم الله من الدعاة والمصلحين وغيرهم من أهل الخير والاحسان.

حتى أنهم ربما لم يشاركوا في هذه المعاصي ولكنهم أحبوها وهنا يكمن الخطر.

ومما يخيف ويبعث على دق ناقوس الخطر هو أن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا عُمِلَت الخطيئةُ في الأرض، كان من شَهدَها، فكرهها كمن غاب عنها، ومَنْ غابَ عنها، فرَضِيها، كان كمن شهدها» (سنن أبي داود [4345]، وهو حديث قويٌّ).

قال ابن رجب رحمه الله معلقا على هذا الحديث: "فمن شَهِدَ الخطيئةَ، فكرهها بقلبه، كان كمن لم يشهدها إذا عَجَز عن إنكارها بلسانه ويده، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها؛ لأنَّ الرِّضا بالخطايا من أقبح المحرَّمات، ويفوت به إنكارُ الخطيئة بالقلب، وهو فرضٌ على كلِّ مسلم، لا يسقطُ عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال". انتهى

ومما يدل على أهمية إنكار المنكر بالقلب في الحديث الذي رواه أبي سَعيدٍ الخُدريِّ قال: سَمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «مَنْ رَأَى مِنكُم مُنْكَراً فَليُغيِّرهُ بيدِهِ، فإنْ لَمْ يَستَطِعْ فبِلسَانِهِ، فإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقلْبِهِ، وذلك أَضْعَفُ الإيمانِ»  (رواه مسلم).

وسمع ابن مسعود رجلاً يقول: هَلَكَ مَنْ لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، فقال ابنُ مسعود: "هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر، يشير إلى أنَّ معرفة المعروفِ والمنكرِ بالقلب فرضٌ لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هَلَكَ" (أخرجه: نعيم بن حماد في (الفتن): [405]، وابن أبي شيبة في (المصنف): [37581]، والطبراني في (الكبير): [8564]، وأبو نعيم في (حلية الأولياء): [1/135]) .

فدلت هذه الأحاديث والآثار أهمية أنكار المنكر للمسلم الغيور على دينه وأنه دائما في حالة انكار للمنكر بدرجاته الثلاث (اليد، واللسان، والقلب) بحسب الاستطاعة ومراعاة أحوال المدعوين وهكذا.

فماذا دهى قلوبنا؟ أصبحنا نحب المنكر ولا ننكره بل تسر قلوبنا به إلا ما رحم الله تعالى فتدخل منزلك وتشاهد ابنائك ينظرون للمنكر في جهاز التلفاز ولا تنكر عليهم وتجد المدير يرى المنكر في مؤسسته ولا ينكر عليهم بل ربما يؤمرهم بذلك.

وتجد المعلمة لا تنصح طالباتها بالحجاب وقد تكشفت نحورهن وشعورهن ووجوههن والامر كأنه لا يعنيها بشيء!!

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِىِّ بَعَثَهُ اللهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ، يَأخُذُونَ بِسُنَّتِهِ ويَقْتَدُونَ بِأمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِم خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» (عياض بن موسى بن عياض، إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم، المحقق: الدكتور يحْيَى إِسْمَاعِيل، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، مصر- الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م - ج:1، ص: [290-291]) .

فالشاهد من الحديث انه لا يكون حبة خردل من الإيمان من لم ينكر بقلبه بل انتفى عنه معنى الايمان!

لذلك علينا ان نراجع قلوبنا وألا نرضخ للمنكر مهما عظم وكبر وفحش ولا نهابه بل ننكره حتى نثبت لله سبحانه وتعالى أننا لا نرضى هذا فيكون لك معذرةٌ، وهذا كما أخبر الله تعالى عن الذين أنكروا على المعتدين في السَّبت أنَّهم قالوا لمن قال لهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الأعراف:164

ولنزل ما في قلوبنا من حب هذه المعاصي والذنوب ولنتذكر أنه سبحانه يخرج من النار من كان في قلبه مقدار حبة خردل من إيمان.

ولتعلم اخي المسلم واختي المسلمة أن الإسلام اعتنى بالقلوب وما فيها أشد الاعتناء وأمر بإصلاحها بل لا يقبل منها إلا القلب السليم الذي سلم من حب المنكرات وكرهها وأحب طاعة الله وانصاع لأوامره برضى.

إذا علينا بإصلاح قلوبنا وألا نجعلها مرتعا للذنوب والمعاصي وحبها فربما يحل عليك الموت وأنت في غفلة والأعمال بخواتيمها، فربما تحدث لسانك بما في قلبك من المنكرات!! وكم سمعنا بأن فلان مات ولسانه يدندن بالغناء والعياذ بالله. وعلى النقيض من ذلك سمعنا من مات ولسانه يلهج بذكر الله وشهادة التوحيد ويا لها من نهاية سعيدة يتمناها كل مسلم.

فأصلح قلبك يصلح الله لك سائر أعمالك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

خالد حامد

 

  • 9
  • -1
  • 6,751

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً