شذرات من فقه الصوم ورمضان - شذرات من فقه الصوم ورمضان (1)

منذ 2016-05-24

جواهر من فقه الصوم

بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان وذكريات الطاعة والصيام من الأيام الجميلة في مخيلة كل مسلم، فهي أيام نور وبركة وسكينة وإطعام وإفضال، وهي محطة سنوية هامة في حياة كل مؤمن، فيها يغفر الذنب وتقبل التوبة وتمحى الحوبة، ولما كانت العبادات في أمس الحاجة لفقه يوضح معالمها ويعصمها من الجنوح إلى شراك البدعة، رأيت أن أجمع جواهر من فقه الصوم نحن في أمس الحاجة إليها، وقصدت من ذلك تذكير العالم وتعليم الجاهل، هذا وأسأل الله التوفيق والقبول والسداد والرشاد إنه على كل شيء قدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنتهم.

- قال الذهبي في (الكبائر، ص:[64]): "وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض (أي بلا عذر يبيح ذلك) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال".

- لا يشترط في هذا الأكل المفطر أن يكون نافعًا أو كثيرًا، بل لو ابتلع شيئا لا ينتفع به (خرزة مثلًا) أو ابتلع شيئا قليلًا، فإنه يكون قد أفطر وأفسد صيامه. كما يشترط في جميع مفسدات الصيام أن يفعلها الصائم مختارًا، فإن فعلها مكرهًا بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه.

- مَنْ أَرْهَقَهُ جُوعٌ مُفْرِطٌ، أَوْ عَطَشٌ شَدِيدٌ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ ويأكل بقدر ما تندفع به ضرورته ويمسك بقية اليوم وَيَقْضِي. وَأَلْحَقُوا بِإِرْهَاقِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ خَوْفَ الضَّعْفِ عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ الْمُتَوَقَّعِ أَوْ الْمُتَيَقَّنِ كَأَنْ كَانَ مُحِيطًا: فَالْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ الْقِتَالَ بِسَبَبِ وُجُودِهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ، وَيَخَافُ الضَّعْفَ عَنْ الْقِتَالِ بِالصَّوْمِ، وَلَيْسَ مُسَافِرًا، لَهُ الْفِطْرُ قَبْلَ الْحَرْبِ.

- لا يجوز للمكلّف الإفطار في رمضان من أجل الامتحان، لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية، بل يجب عليه الصوم وجعل المذاكرة في الليل إذا شق عليه فعلها في النهار.

وأما القضاء، فإن كان إفطارك في أثناء اليوم بعد أن شرعت في صيامه، فعليك القضاء، وإن كنت لم تصومي من الأصل فلا قضاء عليك، وتكفيك التوبة النصوح إن شاء الله تعالى، وعليك الإكثار من الأعمال الصالحة من صيام التطوع غيره، فإن ذلك يسدد النقص الحاصل في الفريضة.

سُئِلَ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر؟

فأجاب:

"الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر، ويكون به الإنسان فاسقًا، ويجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمدًا بلا عذر: فالراجح: أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه لا يستفيد به شيئًا، إذ إنه لن يقبل منه، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن عملَ عملا ليسَ عليهِ أمرُنا فهو ردٌّ» (صحيح مسلم: [1718])، ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل، وتعدي حدود الله تعالى ظلم، والظالم لا يقبل منه، قال الله تعالى: «وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» [البقرة من الآية:229]؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها -أي: فعلها قبل دخول الوقت- لم تقبل منه، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذورًا" (مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين: (19 س، رقم: [45].

- الواجب على من عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها قبل دخول رمضان التالي، فإن أخرها كان مرتكبًا محرمًا، وهل يجب عليه كفارة (إطعام مسكين عن كل يوم) بسبب هذا التأخير؟ فيه خلاف بين العلماء، والأقرب أنه لا يجب، ولو أخرجها احتياطًا كان ذلك حسنًا.

- من حالات الصوم في السفر أن يكون الفطر أرفق به، فهنا نقول: إن الفطر أفضل، وإذا شق عليه بعض الشيء صار الصوم في حقه مكروهًا؛ لأن ارتكاب المشقة مع وجود الرخصة يشعر بالعدول عن رخصة الله عز وجل.

والترخيص بالفطر للمسافر أفضل مطلقًا؛ لحديث حمزة بن عمر الأسلمي أنه قال: يا رسول الله: أجد مني قوة على الصوم، فهل علي جناح؟ فقال: «هي رُخصةٌ من اللهِ، فمن أخذ بها فحسَنٌ، ومن أحبَّ أن يصومَ فلا جُناحَ عليه» (صحيح مسلم: [1121]).

قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ: إنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفِطْرِ، مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ، وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ بَعْضِهَا، أَوْ ادِّعَاءِ النَّسْخِ، مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ. وَاَلَّذِينَ سَوَّوْا بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ الْفِطْرِ، اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ رضي الله تعالى عنه قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ -وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ- فَقَالَ: «إنْ شِئْت فَصُمْ، وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ» (متفق عليه، صحيح البخاري: [1943]، صحيح مسلم: [1121]).

ومسافة القصر عند جمهور العلماء، هي أربعة بُرُد، وتعادل 80 كيلو تقريبًا. وذهب بعض العلماء على أنه لا اعتبار بالمسافة، وإنما العبرة بما يسميه الناس سفرًا.

- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» (متفق عليه، صحيح البخاري: [1952]، صحيح مسلم: [1147]).، والولي هو القريب، فإن لم يتيسر له الصوم ولا لغيره من أقاربه أطعم من تركتها أو من ماله مسكينًا عن كل يوم، ومقداره نصف صاع من قوت البلد، وإن جمع الجميع ودفعه إلى فقير واحد أجزأ ذلك.

- الصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق لهم حكم واحد، وهو وجوب الإمساك ولا يجب عليهم القضاء.

وأما الحائض إذا طهرت والمسافر إذا أقام والمريض إذا شفي فحكمهم واحد أيضًا، فلا يجب عليهم الإمساك ولا يستفيدون بإمساكهم شيئًا، ويجب عليهم القضاء.

والفرق بين المجموعة الأولى والثانية: أن المجموعة الأولى وجد فيهم شرط التكليف، وهو البلوغ والإسلام والعقل. وإذا ثبت تكليفهم وجب عليهم الإمساك، ولا يلزمهم القضاء لأنهم أمسكوا حين وجب عليهم الإمساك، أما قبل ذلك فلم يكونوا مكلفين بالصيام.

وأما المجموعة الثانية فإنهم مخاطبون بالصيام لذا كان واجبًا في حقهم، لكن وُجد عندهم عُذرٌ يبيح لهم الفطر، وهو الحيض والسفر والمرض فخفف الله عنهم وأباح لهم الفطر، فزالت حرمة اليوم في حقهم، فإذا زالت أعذارهم أثناء النهار لم يستفيدوا شيئا من إمساكهم، ولزمهم القضاء بعد رمضان.

والقول الآخر أن من أكل أول النهار فليأكل آخره.. قال ابن قدامة في (المغني):

"فَأَمَّا مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُسَافِرِ، وَالصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَالْكَافِرِ، وَالْمَرِيضِ، إذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، فَطَهُرَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَأَقَامَ الْمُسَافِرُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ، وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ، وَصَحَّ الْمَرِيضُ الْمُفْطِرُ، فَفِيهِمْ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.. وَالثَّانِيَةُ، لا يَلْزَمُهُمْ الإِمْسَاكُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ".

- اتفق العلماء على أن من أفطر في نهار رمضان بالجماع أن عليه الكفارة. واختلفوا فيمن أفطر بغير الجماع كالأكل والشرب، فذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك رحمهما الله إلى أن عليه الكفارة أيضًا، وذهب الإمامان الشافعي وأحمد رحمهما الله إلى أنه لا كفارة عليه.

ولكن هذا فيمن أفطر بغير الجماع ثم لم يجامع في ذلك اليوم، أما من أفطر بغير الجماع ثم جامع في ذلك اليوم فذهب جمهور العلماء (منهم أبو حنيفة ومالك وأحمد رحمهم الله) إلى أنه تجب عليه الكفارة. وهذا القول هو الذي لا ينبغي أن يفتى بغيره، ويدل على صحته أمور:

1- أن من أفطر في رمضان بدون عذر سواء أفطر بالأكل أو الشرب أو غير ذلك، وجب عليه الإمساك، فإذا جامع فقد جامع في يوم يلزمه إمساكه، فتجب عليه الكفارة، كما أن المحرم بالحج إذا أفسد إحرامه لزمه المضي فيه، ويمسك عن محظورات الإحرام، فإذا أتى شيئًا منها كان عليه ما عليه في الإحرام الصحيح.

2- أن هذا عاصي بفطره أولًا، ثم عصى مرة أخرى بالجماع، فصار عاصيًا مرتين، فكانت الكفارة عليه أوكد.

3- أنه لو لم تجب الكفارة على مثل هذا صار ذريعة إلى ألا يكفر أحد، فإنه لا يشاء أحد أن يجامع في رمضان إلا أمكنه أن يأكل، ثم يجامع، بل ذلك أعون له على مقصوده.

فكيف يكون جماعه قبل الغداء فيه الكفارة، وإذا تغدى هو وامرأته ثم جامعها لا كفارة عليه! فهذا شنيع في الشريعة لا تأتي بمثله، فإنه استقر في العقول والأديان أنه كلما عظم الذنب كانت العقوبة أبلغ (مجموع فتاوى ابن تيمية: [25/260-263]).

 

 

جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
[email protected]

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 1
  • 0
  • 10,090
 
المقال التالي
(2)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً