هكذا تكون محبة القرآن الكريم

منذ 2016-05-29

قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ، يَتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويَتدارسونَهُ بينَهُم، إلَّا حفَّتهمُ الملائِكَةُ، ونزَلت عليهمُ السَّكينةُ، وغشيتهمُ الرَّحمةُ، وذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عندَهُ، ومن أبطأَ بِهِ عملُهُ لم يُسرِعْ بِهِ نسبُهُ».

لماذا القرآن الكريم؟

1- لأن الناس أخطؤوا في التعامل مع القرآن الكريم.
2- لأنه كلام الله تعالى الخالق الذي نحبه ونتعبد له.
3- لأنه الشفيع يوم القيامة.
4- لأنه المنهج والدستور ومن سار عليه رشد.
5- لأن به حياة القلوب والأرواح، ولأنه الحل لمشكلاتنا.
6- لخطورة المؤامرات التي تدار على القرآن الكريم.
7- لأنه معجزة التغيير والإصلاح وعمارة الكون.

فهل نحن بحاجة إلى القرآن الكريم؟

- نعم نحن بحاجة لأن من كان مع القرآن الكريم فهو من أهل الله وخاصته.
- هو شفاء ورحمة ونور للمؤمنين وهدى.
- عند العرض وعند الشمس وعند المحشر نحن بحاجة للقرآن.
- حضور الملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام لسماعه والرقي به يوم القيامة.
- لأنه مقياس الخيرية، ونحن نحبه للأجر والمثوبة من الله تعالى على حبه وقراءته.

حالهم مع القرآن الكريم:

ولا شك أن الكرام الأوائل كان لهم حال عجيب مع القرآن من حيث القراءة والتدبر والعمل والتطبيق والحفظ والختمات الكثيرة الجميلة؛ ولكن حتى لا يطول المقام أكثر من ذلك ووصولًا إلى الحب الحقيقي وعلاماته للقرآن الكريم.

فإني أختصر لك -أخي القارئ- نماذج لهؤلاء العظام، والذين على رأسهم وهو سيدهم وسيدنا: إنه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله تعالى، ها هو يبكي وهو يقرأه ويسمعه من ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وها هو يقوم ليلة كاملة بآية منه يتفكر ويتدبر فيها ويعيش معانيها -فليست العبرة بالكم ولكن العبرة بالكيف- ولا يكن همك آخر الجزء الذي تقرؤه بقدر ما يكون همك الفهم والتدبر ثم التطبيق والعمل.

وهذا خليفتنا الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، يسمع أنصاريًا يقرأ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور:7]، فيغشى عليه ويعوده الناس يظنونه مريضًا..

وذاك أبو الدحداح رضي الله تعالى عنه يقرأ: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92]، فيجد أن بستانه حبيب إلى قلبه فيتصدق به كله لله.

وذاك الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى توبته تعلقت بآية من القرآن الكريم: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

وهذا أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى يقول لأخته وهو على فراش الموت وقد اشتد بكاؤها: "لا تبكي فلقد ختمت القرآن ها هنا ثمانية عشر ألف مرة"، وحارثة بن النعمان رضي الله تعالى عنه يقرأ القرآن في الجنة.

غير أن واقع الأمة مع القرآن مُرٌّ مَرِير، وكأني بهؤلاء الهاجرين للقرآن ينادى عليهم:

إن كنت تزعم حبي فَلِمَ هجرت كتابي؟ *** أما تأملت ما فيه من لذيذ خطابي

فلقد هجر بعض الناس القرآن هجرًا للقراءة والحفظ والتدبر والاحتكام، والاستشفاء، فكيف تكون المحبة الحقيقية للقرآن؟

علامات المحبة الحقيقية للقرآن:

أولًا: قراءته والتلذذ به والمجالسة فيه؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17]، وقال الله سبحانه آمرًا: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل من الآية:4]، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: «وما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ، يَتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويَتدارسونَهُ بينَهُم، إلَّا حفَّتهمُ الملائِكَةُ، ونزَلت عليهمُ السَّكينةُ، وغشيتهمُ الرَّحمةُ، وذَكَرَهُمُ اللَّهُ فيمن عندَهُ، ومن أبطأَ بِهِ عملُهُ لم يُسرِعْ بِهِ نسبُهُ» (صحيح ابن ماجه: [185])، وكان جبريل عليه الصلاة والسلام ينزل ليدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم.

ثانيًا: حفظه وتعلمه وتعليمه؛ وليس أدل على فضل هذه العلامة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه» (صحيح البخاري: [5027])، فأفضل الناس والمحبون الحقيقيون للقرآن هم أكثر الناس علمًا بالقرآن وأكثرهم تعليمًا لغيرهم له.

ولذا فالمطلوب من حملته تعاهده وقراءته ومراجعته كثيرًا حتى لا ينفلت منهم. ويكفيهم شرفًا أنهم أهل الله وخاصته.

ثالثًا: تدبر آياته، والفرح بلقائه، والسرور لسماعه، والإنصات عنده؛ وتلك كلها حقوق عملية وواقعية، قال الله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، يقول سيد قطب رحمه الله تعالى: "سيظل هناك حاجز سميك بين قلوبنا والقرآن طالما نتلوه أو نسمعه كأنه تراتيل أو ترانيم تعبدية".

ويقول سلم الخواص رحمه الله تعالى: "قلت لنفسي يومًا: يا نفس اقرئي القرآن كأنك سمعتيه من الله حين تكلمينه، فجاءت الحلاوة".

رابعًا: تحسين الصوت بقراءته؛ زيّنوا أصواتكم، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم قارئي القرآن؛ حيث قال: «زيِّنوا أصواتَكم بالقرآنِ» (السلسلة الضعيفة: [5326])، وقال أيضًا: «ليسَ مِنَّا مَن لَم يتغنَّ بالقُرآنِ» (صحيح البخاري: [7527]).

وهذا أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم لصوته الحسَن: «يا أبا موسى، لقد أوتيتَ مِزمارًا مِن مزاميرِ آلِ داودَ» (صحيح البخاري: [5048])، وذلك لحسن صوته عند قراءة القرآن الكريم.

خامسًا: العمل بما فيه وتطبيقه والتخلق بأخلاقه؛ لا شك أن من أهم حقوق القرآن الكريم أن نعمل بآياته وأحكامه، ولذلك كان رسولنا صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن الكريم كما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها فأجابت بذلك.

أما الذي لا يعمل بالقرآن فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم تثلغ رأسه، يعني تشق بالحجر لأنه لا يعمل بما في القرآن الكريم، وهذا الحق للأفراد والحكومات والمجتمعات؛ فأي وطن أو بلد يقول أنا مسلم ودستورنا القرآن ولا يعمل به فهو كاذب، ولكن على من يكذب؟! فالله الله في التخلق بأخلاق القرآن في كل شأن من شئون الحياة.

قال رجل لأبي جعفر القارئ: "هنيئًا لك ما أتاك الله من القرآن"، قال: "هذا إن أحللت حلاله، وحرمت حرامه".

ولذا فإنا نحلم بيوم يدخل القرآن فيه إلى حياتنا ليصلحها في علاقة الزوج بزوجته والعكس، وعلاقة الآباء بالأبناء والعكس، وعلاقة الحاكم بالمحكومين والعكس كذلك.

سادسًا: الدفاع عن القرآن الكريم ضد مطاعن العلمانيين والملحدين والمستشرقين، التي يبثونها حول آياته وأحكامه وحدوده، وذلك شأن أهل التخصص.

سابعًا: تعليم أبنائنا له وزراعة حبه في القلوب، وذلك بالآتي:

- إلى الأم: اسمعي القرآن الكريم وأنتِ حامل، واسمعيه وأنتِ ترضعين ولدك أو ابنتك.
- اجعل لولدك مصحفًا خاصًا به.
- اقرأ أمامه القرآن الكريم وصلِّ به، وتلكم قدوة وأسوة عملية.
- حكاية قصص القرآن الكريم للأبناء.
- السماع لقراءته من ولدك ومكافأته على ذلك.
- تشجيعه على العلم بما فيه وبما يستفيده منه وإثابته.

وهكذا تكون محبة القرآن الكريم.

 

عادل عبد الله هندي

  • 16
  • 0
  • 19,438

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً