من المجاهد في سبيل الله الآن؟ ومن العلماء الحقيقيون في هذا الزمن؟
عبد المنعم منيب
يضيع الحق والتقييم والتطوير بيننا لأن الأمور عندنا غير محددة بدقة ونضفى قداسات على أشياء لم يقدسها لا الصحابة ولا علماء السلف الصالح.
- التصنيفات: الواقع المعاصر - فقه الجهاد -
لدي نقطة نظام فقهية وهي رغم أنها من بديهيات الفقه عند أهل السنة إلا أنها تكاد تكون غائبة تماما عن أذهان كثير من المخلصين في واقعنا المعاصر وهي أنه لايمكن الجزم بأن هذا الشخص أو ذاك هو مجاهد أو شهيد وذلك لأدلة حديثية كثيرة صحيحة ومشهورة وسأذكر منها ثلاث فقط للتوضيح وأعمها وأهمها الأول.
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ قال: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «
ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي، فَقَالَ: « » (رواه الترمذي).
وهذا يبين أنه لا يمكننا الجزم بربانية عالم أو مجاهد أو متصدق فهذه أمور يفعلها كل منهم لله وهي بينه وبين الله فالله أعلم بمدى صدقيته فلا نجزم له بشئ من هذا بل نقول نحسبه كذا وفي نفس الوقت ومن باب أولى لا يمكننا أن نعفيه من التقيييم والتقويم لمجرد أنه مجاهد أو عالم أو جواد فهذا أمر حسابه عند الله أما نحن في أحكام الدنيا فنحكم على ظاهر الأعمال ولا حصانة لأحد ولا أحد فوق التقوبم غير الأنبياء والملائكة.
أما الحديثان الآخران..
فأحدهما بشأن الصحابى الذى قتل بأحد الغزوات فقال أصحابه مات شهيدا هنيئا له الجنة فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن الشملة لتشتعل عليه نارا؛ ففتشوا متاعه فوجدوه قد غل شملة من الغنائم.
والحديث الثالث هو مقتل أحد الأوس أو الخزرج في غزوة مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال له قومه وهو ينازع الموت هنيئا لك الجنة لقد مت شهيدا فقال لهم: أي جنة لقد قاتلت عن أحساب قومى وتبين لهم أنه مازال على وثنيته ولم يسلم بعد..
وهناك أحاديث عديدة أخرى بقصص تبين أن العمل لا يعلم حقيقته إلا الله ولا ينبغى أن نجزم لأحد بجهاد أو شهادة أو إخلاص .. الخ
ويتعلق بهذه النقطة أمر واقعى شاهدته بنفسى في واقع الأخوة الإسلاميين وهو أن الكثير من الأشخاص يحاولون حيازة مكانة اجتماعية أو علمية أو احتلال منصب توجيه إزاء غيرهم بمثل هذه الدعاوى مثل: هذا الأخ جاهد في أفغانستان أو الصومال أو الشيشان أو كذا
ويا حبذا لو قال أحدهم هذا كان مدربا في معسكر المجاهدين الفلاني وهذا كله ليس مؤهلا لما يريدون احتلاله من مكانة كقيادة سياسية أو علمية أو استراتيجية لأن هذا يشبه ما إذا قلت هذا زيد يصلى الفجر في جماعة كل يوم فيجب أن يدرس لنا علم السياسة أو الاقتصاد أو الاستراتيجية..الخ فهذا كلام لا محل له لأن قيامك بعبادة ما لا يؤهلك لتدريس علم ما إلا إذا كنت درست هذا العلم أصلا بالطرق المعروفة للدراسة.
وذات مرة أنا شخصيا احتديت على شخص كان يفخم نفسه هو وكثير ممن حوله بدعوى أنه جاهد في أفغانستان وكان مدربا بأحد المعسكرات وكان يناقش أمورا عامة مهمة وكلية ولها أبعاد في السياسة والاستراتيجية الشاملة ويطرح فيها أفكارا تتسم بقمة الحمق والسفاهة والجهل وكان يرفع صوته فوق كل الموجودين معتبرا أنه لا يصح سوى أطروحاته الجاهلة والسفيهة ولقد نهرته وبعد ذلك قلت لبعض مرافقيه هو فاكر نفسه يعرف ايه؟؟ فهو كان مدرب سلاح بمعسكر أي يعادل شاويش بالجيش بينما ما نناقشه هذا لا يرتقي لفهمه سوى شخص برتبة عقيد على الأقل بشرط يكون أنهى دراسات القادة والأركان بكلية حرب عليا... أي يكون عقيد أركان حرب في أقل تقدير.
ومن هنا فنحن يضيع الحق والتقييم والتطوير بيننا لأن الأمور عندنا غير محددة بدقة ونضفى قداسات على أشياء لم يقدسها لا الصحابة ولا علماء السلف الصالح.
ومن مثل هذا المقولة التي أضلوا بها كثيرين وهي "لا يفتى قاعد لمجاهد" وهى فوق أنها لم يقل بها أحد من أئمة السلف فهى غير ذات معنى علميا وموضوعيا لأن مناط الفتوى هو العلم وليس القعود ولا الجهاد فإنه لا يفتى إلا عالم، فالقعود لا يؤهلك للفتوى ولا الجهاد يؤهلك للفتوى إنما المؤهل الوحيد للفتوى هو العلم وضابط قبولها لدى الجمهور المتلقى هو الثقة بأمانة العالم الدينية بجانب الوثوق بأنه عالم..
وأمر آخر مرتبط بنفس الموضوع وهو الخبرة، فمما قابلته أيضا كثيرا في صفوف الحركات الاسلامية هو محاولة أشخاص لتسويق أنفسهم كقادة أو كموجهين فكريين أو سياسيين أو حركيين بدعوى أنهم يحوزون خبرات واسعة ويبرهنون على هذه الخبرة بأنهم اعتقلوا سنوات عديدة أو أنهم التحقوا بالجماعة الفلانية منذ سنوات طويلة، وهذا الأمر موجود على مستوى الجماعات نفسها فالجماعة الأقدم تدعى حق القيادة والهيمنة على بقية الجماعات أو الأفراد بدعوى أنها ذات الخبرة والتجارب الأوسع والأقدم، وهذا كله دعوى في غير محلها.
ولذلك كنت أعدت نشر مقولة فردريك الأكبر (وهو قائد استراتيجي بارز في تاريخ أوروبا الحديث) التي قال فيها: "عندى بغلان خاضا معى أربعين معركة وبعد هذا كله مازالا بغلين كما هما"، فالعبرة ليست بمرورك بالتجارب ولا العبرة بمرور الوقت، إنما العبرة بمدى استفادتك من هذه التجارب وذلك الوقت، فمن لا يعي أو من ليس لديه قابلية للتعلم أولا يسعى للتعلم أولا قدرة له على التعلم كل هذه الأصناف لن يغيرها مرور الزمن ولا مرورها بالتجارب، ولذلك قال بعض علماء السلف قديما وتختلف الاستفادة بالعلوم باختلاف القرائح والفهوم.
وهذا الأمر ينضوى تحت العنوان العريض لدينا وهو أننا لاندقق في المعايير التي نرتكز عليها في تقييم الأمور والأشخاص ونترك هذه المعايير فوضى لشعارات كاذبة أو غير صحيحة كي تحل هذه الشعارات محل المعايير التي ينبغي أن تكون علمية وموضوعية ودقيقة فتقودنا لمزيد من التخبط والتيه في واقع خطير لا يحتمل مغامرات الأغراروالسذج ولا الانتهازيين ولا المتحزبين الذين لا يهمهم إلا مجد حزبهم وفقط حتى ولو كان مجدا وهميا في أغلبه.