تذوق المعاني - [7] مالك يوم الدين

منذ 2016-06-14

هو يوم الحساب والجزاء الذى سيحاسب المرء فيه على دينه، عمل به أم ضيعه، فالعاقل من دان نفسه أى حاسب نفسه قال صلى الله عليه وسلم «الكَيِّسُ مَن دان نفسَه، وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ» (سنن الترمذي [2459]).

{الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}

عودة أخرى لصفة جمال، تطمئن بها النفس بعد أن انخلع القلب مهابة لاستحضار عظمة ربوبية الله المتمثلة فى تحكمه فى هذا الكون، ومطلق قدرته فى خلق ما يشاء وإفناء ما يشاء.

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

{مَالِكِ}: المالك هو المتصرف وحده لا سواه، رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقْبِض اللَّه الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة وَيَطْوِي السَّمَاء بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُول أَنَا الْمَلِك أَيْنَ مُلُوك الْأَرْض» وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْنَع اِسْم عِنْد اللَّه رَجُل تَسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك -زَادَ مُسْلِم- لَا مَالِك إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ»، قَالَ سُفْيَان: "مِثْل: شَاهَانْ شَاه"، وَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل: "سَأَلْت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَنْ أَخْنَع؛ فَقَالَ: أَوْضَع".

وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَغْيَظ رَجُل عَلَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَأَخْبَثه رَجُل [كَانَ] يُسَمَّى مَلِك الْأَمْلَاك، لَا مَلِك إِلَّا اللَّه سُبْحَانه»،  قَالَ اِبْن الْحَصَّار: "وَكَذَلِكَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} و{مَالِك الْمُلْك} [آل عمران من الآية:26]، لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَف فِي أَنَّ هَذَا مُحَرَّم عَلَى جَمِيع الْمَخْلُوقِينَ كَتَحْرِيمِ مَلِك الْأَمْلَاك سَوَاء، وَأَمَّا الْوَصْف بِمَالِك وَمَلِك وَهِيَ: فَيَجُوز أَنْ يُوصَف بِهِمَا مَنْ اِتَّصَفَ.

فمالك يوم الدين هو المتصرف فى هذا اليوم دون تدخل أحد.

ففى الدنيا يَهب الله الملك لبعض الناس وهذا أمر ظاهري لأن الملك فى الحقيقة هو لله وحده وينزعه وقت ما يشاء.

قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26].

فالملك فى الدنيا للبشر إنما هو استخلاف، وهو نابع من أمر الله، يمتحن به الملوك ليحاسبهم، ويمتحن فيه الناس هل كان خضوعهم لله الحق أم لغيره.

ويوم القيامة يملك الله السلطان على كل مالك ملّكه فى الدنيا، وهنا يُطمئن اللهُ عبادَه الذين عانوا طغيان ملوك الدنيا أنه يوم القيامة لا مالك إلا هو.

{يَوْمِ الدِّينِ}

هو يوم الحساب والجزاء الذى سيحاسب المرء فيه على دينه، عمل به أم ضيعه، فالعاقل من دان نفسه أى حاسب نفسه قال صلى الله عليه وسلم «الكَيِّسُ مَن دان نفسَه، وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ» (سنن الترمذي [2459] وحسنه).

فيوم القيامة؛ كما أنه يوم العدل فالله جعله رحمة للعالمين حتى لا تتحول الدنيا إلى غابة دون انتظار حساب، لأن المؤمن كلما حاول الشيطان العبث به وتسليطه على إخوانه من بنى البشر تذكر هذا اليوم فكف أذاه عنهم وعن  كل المخلوقات، وهذه هي علاقة الرحمة بيوم الدين، فلولا هذا اليوم لأطلق البشر لأنفسهم العنان لتحصيل مصالحهم العاجلة ما دام ليس هناك آجلة؛ بل هناك آجلة يوم يتخلى فيه كل بني آدم عن أوهامه في منازعته لله فى الملك كما كان يتخيل فى الدنيا ويعرف الأمر على حقيقته وهو أن الملك لله وحده.

ويوم القيامة يوم غير معلوم المقدار لأنه مختلف عن حسابات الدنيا، لكنه أطول بكثير لأن الله ذكر له مقدارين قال تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]، كذلك قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4].

فلا مقارنة بينه وبين أيام الدنيا حتى لا يستهين المجرمون به كما قال اليهود، فعلى لسانهم قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:80].

ومعنى مالك يوم الدين يحمل قضية من أخطر قضايا العقيدة، إذ أن حياة الفرد كلها تسير تبعًا لذلك، فهو يمارس حياته كلها على أنه محاسب على كل عمل، وعليه فيجب أن يكون الشرع مرجعيته لأن مصيره سيتحدد على هذا الأساس. قال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ . فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:6-8].

والبون الشاسع بين العقاب فى الدنيا والعقاب فى الآخرة؛ أن الظالمين الذين أفلتوا من العقاب فى الدنيا أفلتوا من عقاب مؤقت ليقعوا فى عقاب أبدي، وأفلتوا من عقاب البشر وقدراتهم المحدودة إلى عقاب الله مطلق القدرة.

ومن عدل الله أن الخلود فى النار هذا يكتب لصنف من البشر بلغوا من الإجرام ما يستحقون به هذا الخلود، ولو أنهم عاشوا أبد الأبدين لظلوا يعثون فى الأرض فسادًا بلا توقف، والنماذج على ذلك كثيرة قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنّهم لكاذبون} [الأنعام من الآية:28]، 

والله تعالى منزه عن الظلم قال تعالى: {مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت:46].

Editorial notes: شارك في التنسيق: رانيا قنديل

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

  • 4
  • 1
  • 5,560
المقال السابق
[6] الحمد لله رب العالمين
المقال التالي
[8] إياك نعبد وإياك نستعين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً