سلسلة غنائم الصائمين (2) روح الأعمال

منذ 2016-06-05

والإخلاص أمره في ديننا عظيم، إذ هو شرط لصحة العمل وقبوله، والأدلة على ذلك كثيرة..

ومما يدل على أهمية الإخلاص أنه من أعمال القلوب التي هي الأصل، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع، ومكملة، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد"، ودليل هذا ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». ويؤكد ذلك أيضا حديث عمر رضي الله عنه الصحيح المشهور المرفوع إلى رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».

الارتباط بين الصوم والإخلاص؟

ومن دلائل الارتباط الوثيق بين الصوم والإخلاص الحديث الآخر المتفق على صحته الذي يقول فيه المصطفى ْصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

ومعنى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيمَانًا» أي تَصْدِيقًا بِأَنَّ الصيام حَقّ قد افترضه الله على عباده، وَمَعْنَى قوله «اِحْتِسَابًا» أي أن الصائمَ يريد بصومه وجه اللَّه تَعَالَى وَحْده لا يَقْصِد رُؤْيَة أحد من الخلق، وَلا غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِف الإخْلاص، فيكون بَاعِثُهُ طلب الثواب منه تعالى لا الْخَوْفُ مِنْ النَّاسِ وَلا الاسْتِحْيَاءُ مِنْهُمْ وَلا قَصْدُ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ.

شرط لصحة العمل وقبوله؟

والإخلاص أمره في ديننا عظيم، إذ هو شرط لصحة العمل وقبوله، والأدلة على ذلك كثيرة ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه النسائي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ بإسناد جيد أنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَالَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا شَيْءَ لَهُ»، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا شَيْءَ لَهُ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ».

ديوان: لِمَ؟ وديوان: كيف؟

قال بعض السلف: "ما من فعلة وإن صغرت، إلا ينشر لها ديوانان: "لم"، و "كيف". أي: لِمَ فعلت؟، وكيف فعلت؟

فالأول: سؤال عن علة الفعل وباعثه وداعيه، هل هو حظ عاجل من حظوظ العامل، وغرض من أغراض الدنيا في محبة المدح من الناس، أو خوف ذمهم، أو استجلاب محبوب عاجل، أو دفع مكروه عاجل، أم الباعث على الفعل القيام بحق العبودية، وطلب التودد والتقرب إلى الرب سبحانه وتعالى، وابتغاء الوسيلة إليه.

و السؤال الثاني: سؤال عن متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك التعبد أي هل كان ذلك العمل مما شرعته لك على لسان رسولي أم كان عملا لم أشرعه ولم أرضه

فالأول سؤال عن الإخلاص والثاني عن المتابعة فإن الله سبحانه لا يقبل عملا إلا بهما". أ.هـ

المصدر: tafkeeer.com

خالد بن منصور الدريس

أستاذ مشارك قسم الحديث في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض. ومدير موقع تعليم التفكير من منظور إسلامي

  • 0
  • 0
  • 2,939

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً