البدعة بريد الكفر
في آخر أيام الصيف على شاطئ البحار المنسية اجتمعت مع صحبةٍ لي عرفتهم عندما كنت صبياً، وراحت النقاشات تأخذ مجراها حيث من غير الطبيعي أن نتأمل صمت البحر ويكتنفنا أيضًا صمتنا إلى أن لاذ صمتنا بالفرار وبدأت النقاشات الصبيانية تتموج في جلستنا ولحسن حظنا كان معنا شيخ كبير قد غلب على أمره وجاء ليسامرنا وسأل سائل لماذا هناك من يقول أن البدعة بريد الكفر ولماذا هناك من يحاربها أساسًا؟
في آخر أيام الصيف على شاطئ البحار المنسية اجتمعت مع صحبةٍ لي عرفتهم عندما كنت صبياً، وراحت النقاشات تأخذ مجراها حيث من غير الطبيعي أن نتأمل صمت البحر ويكتنفنا أيضًا صمتنا إلى أن لاذ صمتنا بالفرار وبدأت النقاشات الصبيانية تتموج في جلستنا ولحسن حظنا كان معنا شيخ كبير قد غلب على أمره وجاء ليسامرنا وسأل سائل لماذا هناك من يقول أن البدعة بريد الكفر ولماذا هناك من يحاربها أساسًا؟
قال الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستيعنه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم أما بعد،
وحين بدأ الشيخ بالكلام أحسست أن رمال البحر أنصتت والصدف المبعثر على الرصيف الضبابي راحت تتناقل حديثه بينها ثم بين الأمواج وبين الخلجان وبين نفحات الليل الغريب ثم قال مبتسماً:
فلنعرف البدعه بداية بشكل لغوي: هي كل جديد لم يكن من قبل فمثلاً هذا اللباس الذي تلبسه هنا على الشاطئ لم يكن من قبل فهو بدعه ولكنه بدعه محمودة والقنبلة التي قتلت هيروشيما لم تكن من قبل ولكنها بدعه مذمومة وقد قسم العلماء الأفاضل الابتداع في الدنيا إلى خمس أقسام ويرجى الانتباه أنها في أمور الدنيا فقط.
أما لو عرفنا البدعه تعريفاً شرعيًا هي من عمل عملاً ليس عليه أمر المسلمين الأوائل بمعنى أمور تعبدية باعتقاد الفاعل أنها تقرب إلى الله وليست من فعل النبي ولا صحبه الكرام، فليس في الدين بدعة حسنة أو مستحبة وإنما كل بدعة ضلالة، كما قال نبينا: « » (صحيح ابن حبان [26]).
ثم صمت صمتًا ظننا منه أنه قد أطبق الليل على صوته ثم عاد وأشرق الكلام من فيه وقال: يا بني إن من أعظم الأمور بعد الشرك البدع والسبب أنها تبدأ صغيرة كالمصافحة بعد كل فرض ثم لا تلبس أن تخرج صاحبها عن الدين، فكيف اليوم النصارى تعبد المسيح؟ بدؤوا بالغلو في عيسى عليه السلام ثم تقديسة ثم جعله إله، لهذا حذرنا ربنا من الغلو إذ قال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:77].
وحذرنا نبينا من الغلو إذ قال: وعن بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» (صحيح الجامع [2680]).ثم من هذا الذي يضيف في الدين ويجعل نفسه مشرعاً ونداً لله ونبينا قال: كل بدعة ضلالة، ألا تعلم أن أول شرك في الدنيا بدأ في قوم نوح حيث مات أناس صالحين أسمائهم ود وسواع ويغوث ويعوق فوسوس لهم الشيطان وقال: ابنوا لهم تمثال حتى نحيي ذكراهم ويتذكر الناس العبادة وهكذا حتى وصل إلى جيل لا يعرف لماذا الآباء والأجداد بنوا هذا التماثيل فوسوس لهم أن ادعوهم قرباً إلى الله وهكذا تنتهي البدعة بصاحبها إلى الجحيم.
فقال الشاب يا سيدي ولكن ألم يقل الخضر لموسى هناك ملك يأخذ كل سفينة غصباً ثم استثنى وقال: إلا المعطوبة فعبارة كل قيلت وهذه كقول النبي كل بدعه ضلالة.
نظر الشيخ في الشاب نظرة المشفق ورفع رأسه إلى السماء وكأنه يقرأ الإجابة من أفواه النجوم ثم قال: يا بني في قصة موسى مع الخضر هناك قرينة صرفت الكل عن الكلية أما هل هناك قرينة تصرف كل بدعة ضلالة عن الكلية؟
فقال الشاب: طيب يا شيخ ألم يفعل سيدنا بلال فعل لم يفعله النبي بأن يتوضأ ويصلي ركعتين؟
فأجاب الشيخ: نعم، ولكن النبي أجازه عليها وقبلها منه فأين الرسول الآن حتى يقبل ما نضيف على الدين؟ ثم أريد أن أسالك هل من أضاف شيء على الدين هل سأل نفسه سؤال هل الله يحب هذا الفعل أم لا؟
ثم إن هناك أفعال أراد أصحابها إضافتها على الدين فردها رسولنا حيث جاءه ثلاث شباب قال الأول: أقوم ولا أرقد وقال الثاني: أعتزل النساء وقال الثالث: أصوم ولا أفطر فقال رسول الله: « » إذًا هذه إضافة على الدين رفضها النبي وثم ألم تسأل نفسك لماذا الآية الكريمة نزلت من أواخر الآيات التي قال فيها ربنا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3] ثم لاتتعب نفسك يابني ولا تشطط واتبع سبيل الرشاد، هما كلمتين خفيفتين « » كن أعمى في اتباع نبيك كي تصل لى جنة الخلد ولاتتبع الذين فرقوا دينهم وكانو شيعًا.
أبو حفص عماد الدين فضلون
- التصنيف: