في استقبال الشهر الكريم
جزيلَ نعمةِ الله على خلقِه، ومزيدَ فضلِ المُنعِم على عباده، إذ بيّنَ لهم طريقةً بها يعبدونَه، ويشكرونَه، ويتقرَّبون إليه، مع التَّيسير، ورفع الحرج والمشقّة!
اعلَمْ:
1- أن صيامَ رمضان؛ من أركان الإسلام، والأركان هي أعمدة الدّين التي بُنيَ عليها باقي أقوال الدّين وأعماله الظّاهرة والباطنة، الواجبات والسُّنن، فمن لم يُقِم أركان تديُّنِه لله كما ينبغي؛ فقد ترك السّبيل الوحيدة لتثبيتِ سائرِ البناء، فليَخْشَ على بنائه من الضّعف، وربّما التهدّم!
2- أنّ أعظم شيءٍ يتقرَّب العبدُ به إلى الله: أداءُ الفرائض، لأن أداء الفرائض أحبّ الأعمال إلى الله، كما قال الله عزّ وجلَّ: «البخاري [6502]).
» (صحيحفالله عزَّ وجلَّ لا يحبُّ شيئًا أكثرَ من فعلِ الفرائضِ، وأعظَمُ الفرائضِ هي الأركانُ، والصَّومُ ركنٌ منها.
3- أنّ الصّيام؛ ركنٌ لا شبيهَ له في الأركان، قال الله: «صحيح البخاري [1904]، صحيح مسلم [1151]).
» (فهذا يوجبُ اختصاصَ الصّيامِ بفضلٍ زائدٍ، كان هذا الفضل ما كان.
4- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
» (صحيح البخاري [38]، صحيح مسلم [760]).فحريٌّ بكَ أن تسلِّمَ رمضانَك وأنت ترجو أن يقبلَه الله، رجاء أن يغفر لك ذنبك المتقدّم كله!
5- وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنّ الذنوب التي بينَ رمضان ورمضان آخرَ؛ تُكَفَّر بصيام هذين الرمضانَين، إذا اجتُنبت الذنوب الكبائر. (في صحيح مسلم).
وهذه فرصة ثانية، خلاف السابقة، فحريٌّ بك أن تضعَ (نقطة ارتكاز!)، بصيامٍ ترجو أن يقبله الله منك، فإن غُفرَ لك ما بينَه وبين رمضان السّابق، وإلا فاجعَلْه مبدأ خطّة غفران ما بينه وبين رمضان القادمِ.
أو: اجعل رجاءك في الرمضانين السابق واللاحق معًا، فإنَّ فضل الله عظيم!
6- واعلم!
أنّ الفرائضَ التي أوجبَها الله؛ نعمةٌ عظيمةٌ على عباده المؤمنين، وعلى سائر البشَر، لو كانوا يعقلون!
فما زلتُ أتأمّل منذ زمنٍ:
جزيلَ نعمةِ الله على خلقِه، ومزيدَ فضلِ المُنعِم على عباده، إذ بيّنَ لهم طريقةً بها يعبدونَه، ويشكرونَه، ويتقرَّبون إليه، مع التَّيسير، ورفع الحرج والمشقّة!
فإذا امتثلوا بالذي علّمَهم هو إيّاه، ودلّهم هو عليه -عزَّ اسمُه الشّريفُ-؛ فإنه يزكّيهم، ثمّ يجزيهم فوق ما يستحقّون، وأكثرَ مما يأملون، ويريدون، بل ما لا يستأهلون!
حتى يقولَ آخرُ من يدخلُ الجنّة لربّه: « »، حينَ يعلم المسكينُ أنّ جزاءه من الجنّة: ضعفُ ما في هذه الدنيا من النّعيم! (صحيح مسلم [187]).
- وما هذا كلّه، إلّا بفضل الله وحده عليهم، فهو الذي علّمَهم كيف يهتدون، وكيف يتهيّئون للنّعيم الدّائم، ولولا أنّه كلّفنا وعلّمنا كيف نعبدُه، وكيف خلاصُنا في القيامة؛ لحِصْنا وتحيّرنا، وعلى أعقابنا دُرنا!
- ولذلك امتنَّ الله علينا في غيرما آيةٍ من الكتاب بإرسال الرَّسولِ، وتفصيل الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام.
قال الله: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران:164].
وقال الله: «
» (صحيح مسلم [2577]).- وليست التّكاليفُ إلا أعظمَ ما في الكتاب والحكمة، وليست الهدايةُ إلا بمحمّد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي جاء بها.
وأعظمُ التكاليف؛ الفرائض، وأعظم الفرائض؛ الأركان، وهذا رمضان أحدها.
ولولا إنعام الله عليك بأن فرضَ عليكَ ما به تنالُ كرامتَه وثوابَه؛ لههلكْتَ في تيهِ الضّلالِ والجهلِ بطريق رضوانِه!
قُل:
1- (لا حول ولا قوة إلا بالله)، أي: تبرَّأ من حولِك وقوَّتِك، وأكثر مِن (لا حول ولا قوة إلا بالله)!
وتضرَّع إلى الله، واعلم أنّك لن تتحرّك بالطّاعة إلا بفضلِه، وأنّه إن أراد حجزَك عن الطّاعة؛ لم ينفَعْك التهيُّؤُ ولا غيرُه، فالحولُ والقوَّةُ والطَّولُ والقدرةُ كلُّها بيدِ الله وحده.
فبيَدِه أن يقيمَك في الطّائعين وإن لم تتّخِذْ سبب الاستعداد..
وبيدِه أن يحجزَك عن طاعتِه إذا كرِهَ انبعاثَك؛ وإن اتّخذتَ كلَّ سببٍ!
2- (الحمد لله)، أي: احمد الله، وأثنِ عليه، فأكثر من (الحمد لله)، ثم اشكره بحملِ نفسك على صيامٍ يرضيه، ويجبرُ نقصَك.
3- (أستغفر الله)، فيما بقيَ لك من ساعاتٍ قبل اختبار رمضان، تهيئةً واستعدادًا، ورجاءً أن يجبُرَ اللهُ تقصيرَك في إعدادِ محلِّ استقبال الهداية في رمضان وغيره؛ (القلب).
رمضان: شهرٌ معظَّمٌ، كما قال عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
».هو شهرٌ معظَّمٌ؛ فعظِّمه!
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
- التصنيف: