[20] سورة الناس
سهام علي
قال النبي: «{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء» (رواه أحمد والترمذي والنسائي عن عبد الله بن حبيب).
- التصنيفات: تزكية النفس - الحث على الطاعات - الأذكار -
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ . مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:1-6].
عن عائشة قالت: « {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} »(البخاري، الصحيح، رقم:[5017]).
قال النبي: «{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء» (، السنن، برقم:[3575]).
وقال النبي: «يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ قل {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، يا عقبة اقرأهما كلما نمت وقمت ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما» (رواه أحمد، المسند، رقم:[17392]، والنسائي، السنن، رقم:[5436]).).
تفسير السورة
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}: وهو الله عز وجل، وهو رب الناس وغيرهم، رب الناس، ورب الملائكة، ورب الجن، ورب السموات، ورب الأرض، ورب الشمس، ورب القمر، ورب كل شيء، لكن للمناسبة خص الناس.
{مَلِكِ النَّاسِ}: أي الملك الذي له السلطة العليا في الناس، والتصرف الكامل هو الله عز وجل.
{إِلَهِ النَّاسِ}: أي مألوههم ومعبودهم، فالمعبود حقًّا الذي تألهه القلوب وتحبه وتعظمه هو الله عز وجل.
هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل: الربوبية والملك والإلهية فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيد. فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات.
ومن اللطائف التي ذكرت بخصوص ربط أسماء الله تعالى وصفاته بالناس في قوله {بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَهِ النَّاسِ} لتبين رباط القرب والمحبة من الله لعباده مما يجعل الاستعاذة به وليس بسواه هي الأمر الصائب فهو القريب والحبيب والسميع المجيب والقادرعلى أن يعيذ ويجير ويحفظ ويحمي، وأن الاستعاذة والاستعانة بسواه هي عين الباطل وعين الشرك المخرج من الدين والعياذ بالله.
{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}: وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهداً في الخيال، والمعصوم من عصمه الله.
وهناك نوع من الوسوسة مختلف تماماً؛ وهو الوسوسة بالتقصير مثل الوسوسة في الوضوء؛ الوسوسة لإعادة الصلاة؛ الوسوسة أنه لا أمل في النجاة من النار بسبب تقصيره في حقوق الخالق والمخلوقين، فهذا النوع من الوسوسة يؤدي إلى القنوط من رحمة الله والعياذ بالله؛ وعليه أن يدفعه بالذكر والاسنعاذة؛ ذلك كفيل بقهر الشيطان، فإن استمرت الوساوس فهذا معناه أنه حلة مرضية في حاجة إلى طبيب لأن الله قد جعل لكل داء دواء، ودواء الوسوسة المعتادة هو الذكر، وما يخرج عن ذلك فله دواؤه الذي يسره الله.
وقد ثبت في الصحيح أنه «ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه»، قالوا: "وأنت يا رسول الله؟"، قال: «نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير»، وثبت في الصحيح عن أنس في قصة زيارة صفية بنت حيي للنبي وهو معتكف وخروجه معها ليلاً ليردها إلى منزلها، فلقيه رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي أسرعا فقال رسول الله: «على رسلكما إنها صفية بنت حيي»، فقالا: "سبحان الله يا رسول الله"، فقال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً»، أو قال: «شراً»(مسلم، الصحيح، بقرم:[2814]).
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: "حدثنا محمد بن بحر حدثنا عدي بن أبي عمارة حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله: «إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخناس»" (غريب).
وقال الإمام أحمد: "حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عاصم سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله قال: "عثر بالنبي حماره فقلت: "تعس الشيطان"، فقال النبي: «لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت: تعس الشيطان تعاظم، وقال: بقوتي صرعته، وإذا قلت: باسم الله تصاغر حتى يصير مثل الذباب وغلب» (تفرد به أحمد، إسناده جيد قوي) وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب وإن لم يذكر الله تعاظم.
{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}: تفسير للذي يوسوس في صدور الناس، الذي يتسلط على قلوبهم وعقولهم.
{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}: من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [سورة الأنعام:112].
وكما قال الإمام أحمد: "حدثنا وكيع حدثنا المسعودي حدثنا أبو عمر الدمشقي حدثنا عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر قال: "أتيت رسول الله وهو في المسجد فجلست فقال: «يا أبا ذر هل صليت؟»، قلت: "لا"، قال: «قم فصل»، قال: "فقمت فصليت ثم جلست"، فقال: «يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن»، قال: "فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين؟"، قال: «نعم»".
أي أن الوساوس تكون من الجن، وتكون من بني آدم، أما وسوسة الجن فظاهرة لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأما وسوسة بني آدم فما أكثر الذين يأتون إلى الإنسان يوحون إليه بالشر، ويزينونه في قلبه حتى يأخذ هذا الكلام بلبه وينصرف إليه وإن من بني آدم من برع في فن الغواية حتى قيل إن شياطين الجن ينصرف بمجرد الاستعاذة وذكر الله.
أما شياطين الإنس فإنها تحاصر هدفها بكل الحيل ووسائل الإقناع المختلفة حتى تزل القدم.
قال الإمام أحمد: "حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن ذر بن عبد الله الهمداني عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: "جاء رجل إلى النبي فقال: "يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به"، قال: فقال النبي: «الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة» (رواه أبو داود والنسائي من حديث منصور زاد النسائي، والأعمش كلاهما عن ذر).
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.
فينبغي له أن يستعين و يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: تعالى: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.