العلماء والفتاوى الشاذة
منذ 2010-07-03
لن تزيد الفتاوى الشاذة الصادرة في الآونة الأخيرة الناس في بلادنا ارتقاءً حضارياً ولا رفعة بين الأمم، كما لن تخرجنا من حالة التيه الاقتصادي والتردي السلوكي والتشرذم الفئوي، ولن تكون قادرة على إحياء الأمة الإسلامية، ولا الإسهام في البعث الدعوي والنهضوي.
لن تزيد الفتاوى الشاذة الصادرة في الآونة الأخيرة الناس في بلادنا ارتقاءً حضارياً ولا رفعة بين الأمم، كما لن تخرجنا من حالة التيه الاقتصادي والتردي السلوكي والتشرذم الفئوي، ولن تكون قادرة على إحياء الأمة الإسلامية، ولا الإسهام في البعث الدعوي والنهضوي.
حزمة من الفتاوى والأقاويل غير المؤصلة تبرهن على ضرورة النظر في
التعاطي المتسرع مع القضايا الشرعية محل التأثير المجتمعي الهائل،
والسعي نحو وجود آلية تكبح جماح شهية البعض في إطلاق ما يطرأ على
أذهانهم من "انطباعات" عن مسائل معينة في الفقه دونما النظر إلى
التأصيل العلمي المطلوب لها، والمكانة العلمية المؤهِلة لصاحب الفتوى،
والمناخ الذي تبث فيه الفتوى، والقطاعات المجتمعية الواسعة التي تتأثر
بها، والأثر الذي تتركه في نفوس المتلقين، علاوة على الفضاءات التي
تناقش فيها الفتاوى من بعد، والغوغائية التي تتلبس بها النقاشات
الناجمة عنها.
نحن أمام حالة جديدة غير متأنية -على أقل تقدير وتحفظ في كلامنا
حولها- في إصدار الفتاوى دون الرجوع إلى المجامع الفقهية، وتداول
الرأي فيها في قضايا عامة بالغة الأثر والتأثير، ثم أمام جيش من
العاطلين عن الكتابة فيما يعني الأمة الإسلامية عموماً وهذه البلاد
خصوصاً من مشكلات طاحنة وقضايا مهمة، وغارقين لأذنيهم في مهمة تحويل
الاهتمام الشعبي والجماهيري باتجاه سفاسف الأمور وتوافهها، أو باتجاه
ما يسمم علاقة المسلم بعلماء دينه ومن ثم يسهم في كسر الاحترام الذي
يكنه لهم وهدم رمزية بعضهم بما قد يفضي إلى التشكيك في الأصول من هذا
الدين ذاته لدى المتلقي غير الحصيف والمدقق والخاضع لروزنامة التأثير
الإعلامية المتشعبة العابثة في غالبها بشريعة دينه الغراء.
ثم نحن أمام ذهول عن دور الفتوى ومدى أثرها وتأثيرها ومسؤوليتها
من جانب بعض المتصدين لها دون علم وروية، بما يمزج خليطاً من التشويه
للإسلام ذاته في نفوس أصحابه، أو على الأقل ينزل من قيمة العلم وأهله
لدى المتلقين، وهذا كله نذير شؤم وتردي.
وفي الأخير، في مواجهة مغرضين، جل همهم أن يحولوا أنظار الناس
باتجاه ثلة من أدعياء العلم و"الباحثين" و"المفكرين" و"الكتاب"
(ادعاءً) لاستقاء التوجيه والإرشاد منهم بعيداً عن حيز العلم الحقيقي
وعلمائه الربانيين الراسخين.
والمطلوب حيال كل هذا، مباشرة دور طليعي للعلماء الربانيين
لإزالة اللبس وإعادة الفتوى الشرعية إلى الجادة بعيداً عن عبثية
الأدعياء والمغرضين، وفاء لوظيفتهم إزاء دينهم والتي حددها شيخ
الإسلام ابن تيمية بقوله: "ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين
وتأويل الجاهلين؛ فيحق الله الحق ويبطل الباطل". [مجموع الفتاوى
11/435].
لسنا بحاجة إلى هذا وحسب، بل إن ما يستجد من أحداث جسام تمس عمود
الأمة الفقري، وتزلزل كيانها، وما ينتظر العلماء من استحقاقات تتعلق
بالأقصى وغيره والأقليات والظلم الواقع على كثير من شعوب العالم
الإسلامي، وما ينزل بالأمة من نوازل قاصمات يستدعي أكثر من تحرير
الفتوى من العبثية والفوضوية، إلى دور ريادي يرتقي إلى تطلع المهضومين
من المسلمين في حقوقهم وحياتهم حول العالم.
2/7/1431 هـ
المصدر: موقع المسلم
- التصنيف: