إيران واللعبة الجهنمية
الوقائع والأحداث تثبت أن إيران تتبادل الصفقات مع الغرب، تهدئة في المنطقة أو حروب، مقابل امتيازات ووعود من الغرب ومن أمريكا، فقد صرح (أوباما) أخيرا بأنه سيفاوض إيران بلا شروط، وإذا أوقفت البرنامج النووي فسيعطيها امتيازات كبيرة!
هل نحن مسكونون بنظرية المؤامرة؟ كلا، بل إني شخصيا ممن كتب حول هذا
الموضوع منتقدا الذين يضخمون من نظرية المؤامرة...
ولكن الوقائع والأحداث تثبت أن إيران تتبادل الصفقات مع الغرب، تهدئة
في المنطقة أو حروب، مقابل امتيازات ووعود من الغرب ومن أمريكا، فقد
صرح (أوباما) أخيرا بأنه سيفاوض إيران بلا شروط، وإذا أوقفت البرنامج
النووي فسيعطيها امتيازات كبيرة!
منذ حرب الخليج الأولى والشعوب في المنطقة العربية في انقسام وحيرة
وفتنة، أين الصواب وأين الخطأ، أين الحق وأين الباطل...
ثم جاءت حرب الخليج الثانية وازداد الشرخ والانقسام، حتى على مستوى
النخبة، ثم جاء سقوط بغداد، ثم حرب تموز في لبنان...
وكل هذه الأحداث كان لإيران دور فيها كبر أم صغر، فلقد برعت في
الاستفادة من أخطاء جيرانها، وعرفت كيف تخاطب الغرب بل كيف تعامله،
وأمسكت بخيوط قوية في المنطقة تشدها وترخيها حسب ما تمليه عليها
مصلحتها من تقاسم النفوذ مع أمريكا وإسرائيل.
يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقا (بريجينسكي): "إن وجود
إيران قوية، حتى وإن كانت مدفوعة دينيا هو من مصلحة الولايات
المتحدة..".[1]
إيران تقول لأمريكا: أنا الذي أستطيع إحداث زلازل سياسية في المنطقة،
أو أدعو إلى الاستقرار، وهي بتوجهها العقدي حيث يستجيب لها الأقليات
المزروعة هنا وهناك وكذلك المغفلين من أهل السنة، تستطيع الحصول على
الامتيازات المطلوبة.
لقد بدأت حملتها على مصر قبل أحداث غزة، فهل كان هذا من أجل فلسطين،
لا أعتقد ذلك، بل لأنها تريد أن تكون اللاعب الأوحد في المنطقة، ونحن
هنا لسنا في معرض الاتهام لأحد، ولكن ما الذي يمنع ايران والنظام
السوري أن يخربوا المنطقة ويقلبوا الطاولة كما يصرحون، لأجل أغراض
خاصة بهم، ما الذي يمنع سورية أن تتآمر على حماس في سبيل مصلحتها، وقد
فعلت هذا عندما كان (البعث) في السلطة قبيل (1967) يقول شوقي ملاسي:
"وفوجئت بمالك الأمين وهو أمين سر منظمة البعث في سورية المؤيد لصلاح
جديد، وهو يتحدث بفرحة شديدة بأنهم قد نجحوا في إيقاع عبد الناصر في
الفخ، وأنهم جروه إلى معركة خاسرة ستقضي على زعامته للعالم العربي،
لتكون الزعامة للبعث"، ويتابع هذا الكاتب أنه سمع من إبراهيم ماخوس
(كان وزيرا للخارجية) يقول: "إننا أعلنا سقوط الجولان قبل أن تسقط،
لكسب عطف الرأي العام الدولي..".[2]
سألني بعض الأخوة أن أكتب حول (ما بعد غزة)، وأقول لهم: ليست القضية
قضية عبر ودروس ننساها، إننا بحاجة لتأمل عميق لما جرى ويجري ومعرفة
الحقائق، نحن لا نحتاج في كل مرة أن تهدم البيوت ويقتل الأطفال حتى
نستنتج العبرة، إن الذي حدث في غزة إذا كان قد آلم البعداء والغرباء
في كل الكرة الأرضية أفلا يؤلم المسلم القريب والقريب جدا من
غزة...
المقاومة مشروعة ضد عدو محتل مجرم هذا من البديهيات، ولكن هل نستطيع
أن نقف وقفة تأمل لما يجري، ولا أحد يدافع عن الأنظمة العربية التي لا
تريد تحرير فلسطين ولا غيرها، هذا شيء معلوم أيضا، ولكن نريد أن نعلم
ماذا يجري في المنطقة، من الذي يستفيد على حساب الدم
الفلسطيني...
كتبت في بداية أحداث غزة (ولم ينشر): ماذا لو خرج علينا الأخ خالد مشعل وقال لم أكن أتوقع كل ما حدث وأن تطول مدة الصراع، كما فعل (حسن) من قبل ولو نشر هذا الكلام يومها لحميت أنوف، والاتهامات جاهزة دون عقل أو دين يردع.
القضية أكبر من العتاب أو النقد، إنها قضية المنطقة كلها، من الذي
يحرك الخيوط ويتآمر على أهل السنة!
وإذا كانت قضية فلسطين هي القضية الأولى، ولكن ما بال القضية السورية
والقضية العراقية وقضية العالم العربي والنهضة والحرية والتنمية
والعلم! هل تحل قضية فلسطين لوحدها دون هذه القضايا؟
الأمة متشابكة، والمشكلة مترابطة، لا شك أن شعب غزة أظهر من
البطولة والصبر والمصابرة الشيء الكثير والذي يدل على قوة الايمان،
ويستحق هذا الشعب كل الدعم وجميع أنواع الدعم...
إنها مرحلة من مراحل المقاومة، ولكن نتمنى أن يكون القرار مستقلا،
فالتفاؤل يأتي من التماسك الذاتي ومن نقاء القلب وسلامة الصدر
والاعتزاز بالمبادئ.
إن الشعوب العربية التي خرجت إلى الشارع وتبرعت بالذي
تستطيع...
فهذا دليل على وجود الخيرية ويجب أن تستثمر هذه الايجابية، وكذلك
التأييد العالمي المنقطع النظير والغير المسبوق، فالشعوب الأوروبية لم
تعد تكتفي بأداء حكوماتها أو صحفها، بل رأت المجازر عيانا، وقد خسرت
إسرائيل إعلاميا، ومن الملاحظ -وهو شيء مؤسف- أن الدول العربية خرجت
من دائرة التأثير وأصبح التأثير للدول الإقليمية، ونحن إن كنا نأمل أن
يكون موقف تركيا في صالح المسلمين وصالح المنطقة وأن يكون سدا في وجه
الأطماع الإيرانية إلا أن عدم التوجه (الإيديلوجي) للحكم في تركيا لا
يعطيه القوة والتأثير حتى يلعب دورا كبيرا في المنطقة...
كما أنه من المؤسف بعد أحداث غزة هذا الانقسام الفلسطيني الحاد،
نعم هناك خلاف الكل يعرفه، ولكن أن يصل إلى هذه الدرجة، فهذا ليس في
صالح الشعب الفلسطيني.
- التصنيف:
أحمد حسن محمد
منذ