مجمع البحوث الإسلامية والموبقات السبع في حق غزة - رد الجبهة على الفتوى الشائهة بحق الجدار العازل

منذ 2010-07-05

أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».


أخرج الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .

إن غزة وكل ما يتصل بها هي معلم من معالم الدين، يرفع الله بها أقواما، ويضع بها آخرين.

غزة أرض الشرف، وموطن العزة، ومعلم الفخار، ومستقر المقاومة والإباء. غزة هاشم الجد الثاني لخير الخلق صلى الله عليه وسلم، ومولد الإمام الشافعي، ودار ابن حجر العسقلاني غزة المحاصرة يأتيها الرجال والنساء من فجاج الأرض -وللأسف من غير العرب والمسلمين- يأتونها متألمين لها، ومتفجعين عليها ومتوجعين، يعلنون لأجلها الإضراب عن الطعام، مستصرخين لها، فيخرج من مجمع البحوث الإسلامية في يوم الخميس الرابع عشر من المحرم لهذا العام الحادي والثلاثين من ديسمبر فتوى غير موفقة ولا مُنَزَّهةٍ تقول إن بناء الجدار الفولاذي على حدود مصر مع غزة حلال!!! وذلك بدلا من أن يلزموا الصمت الذي وإن كان في غير صالحهم إلا أنه كان خيرا لهم مما وقعوا فيه من أمر هم يعلمون قيمته وأثره عند الله وفي ميزان الخَلْقِ والأخلاق.
 

كيف لا وهذا الحصار كما يعلمون قد جمع من الموبقات السبع ما بين الثلاثة إلى الخمسة من تلك الموبقات، فحصارها ليس جريمة واحدة بل هو جرائم تؤدي إلى غيرها مما هو أشد مما يستدعي نزول مقت الله بالفاعلين والساكتين، وذلك لما يلي:

أولا:
إن هذا الجدار الفولاذي هو تأكيد لسياسة الكافرين "سايكس بيكو" تلك السياسة التي رمت وترمي إلى أن أرض المسلمين ليست أرضا واحدة، وينبغي أن لا تكون كذلك على ما تهدف سياسة المستعمرين، وينبغي كذلك على وفق رغباتهم أن لا تكون الأرض لله الذي قال: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] وقال: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:52] فجاء هذا الصنيع من ذلك المجمع ليقول بلسان الحال "صدق سايكس بيكو وكذب الله" {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]

وهذا هو المعلم الأول من معالم السبع الموبقات قد تحقق في سياسة الجدار الفولاذي العازل، الإشراك بالله ،وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة:51].


أما المعلم الثاني من معالم السبع الموبقات في تلك الجريمة جريمة حصار غزة بهذا الجدار فهو في هذا القتل المتحقق للمحاصرين بهذا الجدار وبغيره بغير حق مع تحقق إرادة العمد فيه، والمُعين على القتل شريك القاتل، كما أن المعين على الغدر شريك الغادر، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيِّبُ الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة»فجاءت هذه الفتوى الشائهة تضم إلى تلك الثلاث رابعة، وهي: أن تكون فلسطينيا حرا، خرج عن إرادة الكبار ولو كانوا ظالمين.


أما المعلم الثالث من معالم الموبقات الذي تتحقق به جريمة الجدار الفولاذي العازل فهو في قوله صلى الله عليه وسلم: «والتولي يوم الزحف» وقد تحققت تلك الجريمة في هذا الصنيع الذي ينطق بلسان أهله أنهم لم يتولوا فقط يوم الزحف بل إنهم جرَّموا الزحف، وخانوا عهدهم مع الله فيه.
 
جاء في قرارات مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الثاني المنعقد بالقاهرة يوم الخميس 12من المحرم 1385هـ الموافق 13من مايو 1965م ما يلي: "يرى المؤتمر أن قضية فلسطين هي قضية المسلمين جميعا، لارتباطها الوثيق بدينهم، وتاريخهم، وتراثهم، وأنه لن يهدأ للمسلمين بال حتى تعود الأرض المقدسة إلى أهلها، وأن في وجود إسرائيل في فلسطين خطرا يهدد المسجد الأقصى؛ وطريق الحرمين الشريفين؛ والسبيل إلى قبر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، مما يجعل تحرير فلسطين وأمنها لازما لأمن الديار المقدسة؛ ولأداء الشعائر الدينية لجميع المسلمين في المشارق والمغارب. ولذلك كان الدفاع عن فلسطين؛ والعمل على تحريرها فرضا على كل مسلم، وكان القعود عنه إثم كبير".
 

صدر عن مجمع البحوث الإسلامية، ونشر بمجلة الأزهر في الجزء الأول للسنة السابعة والثلاثين في المحرم سنة 1385هـ مايو 1965م ص 123 وما بعدها.

ثم جاء في قرارات المجمع الخامس-مجمع البحوث الإسلامية- المنعقد بالقاهرة في 27 من ذي الحجة 1389هـ 6مارس 1970م ونشر بمجلة الأزهر الجزء الثاني للسنة الثانية والأربعين صفر 1390هـ الموافق إبريل م1970 ص 170 ما يلي: " 7- يقرر المؤتمر أن العمل الفدائي ضرب من أهم ضروب الجهاد المشروعة، بل المفروضة، ولذلك فإن تجهيز الفدائيين بالسلاح؛ والمال، وكل ما يحتاجون إليه هو من الواجبات الشرعية، وأن دفع الزكاة في هذا السبيل هو من مصارف الزكاة الشرعية، تبرأ به ذمة المزكي أمام الله سبحانه وتعالى"
"14- وأن المؤتمر كذلك يقرر أن المعركة القائمة اليوم معركة مصيرية، معركة بقاء أو فناء للشعوب العربية والأمة الإسلامية، فالعروبة هي وعاء الإسلام، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا ذلت العرب ذلَّ الإسلام» ، وأنه بناء على ذلك يجب على جميع العرب والمسلمين أن يشتركوا فيها اشتراكا فعليا، وأن المؤتمر يدعو بهذا إلى واجب شرعي، وواجب وطني، ومصلحة مشتركة، درءا لخطر زاحف لن يكتفي بما امتد إليه عدوانه"أ.هـ.

إن هذه القرارات المنقولة عن مجمع البحوث قديما فوق أنها قرارات مجمعية على الحقيقة، لم ينسخها ناسخ من شرع الله، أو يبطلها إجماع على مثل درجتها، والقرار الجماعي في شرع الله من العلماء يمثل مصدرا من مصادر الشرع، الخروج عليه هو خروج على معالم الدين على ما قضى به ربنا في كتابه الكريم في قوله جل جلاله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء: 115] فإن هذه القرارات القديمة تسجل على أصحاب هذه الفتوى الشائهة الجديدة كذلك أن قضية الجهاد والقتال للمغتصبين اليهود لا تزال قائمة بنفس المجمع، وأن الخروج عنها والتخذيل لها جريمة تتحقق بها تهمة التولي يوم الزحف.


أما عن الجريمة الرابعة المتحققة في قضية حصار غزة فهي في ذلك السباب الذي صدر عن أحد أعضاء مجلس الشعب المصري يوم الخميس بحق هؤلاء المجاهدين من أهل غزة بألفاظ خبيثة تعاقب عليها كل الشرائع والقوانين الأرضية والسماوية لولا أن هذا النائب يتمتع بما يتمتع به أمثاله، وهي ألفاظ ردَّ الله مثلها على قائلها من قبل في قاعدة خُلقية قرآنية دامغة برّأ بها الله تعالى أعراض المظلومين خاصة إذا كانوا من المجاهدين وكان ظالموهم من أصحاب السلطة الجائرين، وذلك في قوله جل جلاله: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور:26] يعني بذلك على ما ذهب إليه المفسرون من أن المراد بالخبيثات أي الكلمات الخبيثات، فإن هذه الكلمات لا؛ ولن تفارق قائليها من الخبيثين، وأن الخبيثين من القاذفين هم الذين لهم وحدهم الكلمات الخبيثات.


وإن كانت الجريمة الخامسة وهي "أكل مال اليتيم" ليست ببعيدة عن تلك الجريمة بعد أن جمعت الأموال لإعادة التعمير لغزة ثم حيل بينها وبين أصحابها.

لقد غاب عن مُصَدِّرِ هذه المقولة الخبيثة بحق حصار غزة أن غزة منذ النكبة العربية عام 1948م كانت تقع تحت سلطات مصر ومسئوليتها تعامل معاملة وحدة من وحدات محافظاتها، وأن مصر-على ما قال الكاتب النابه الأستاذ إبراهيم عيسى- هي التي تسببت في ضياعها مع الضفة الغربية والمسجد الأقصى صبيحة الخامس من يونيه، وأنه بدلا من أن تكون غزة محل رعاية مصرية يفرضها الشرع والقوانين والأخلاق فإنها اختارت التخلي عنها بعد إضاعتها، واليوم تتجه نحو ثم التخلص منها بعد التخلي عنها. [الدستور العدد 248 في 12 من ديسمبر 2009م].
 

إن غزة هي قبس الحرية، وهي أرض النار الذي صُبَّ عليها من اليهود وأتباعهم فلم يزدهم هذا البلاء إلا قوة و ثباتا، وبدلا من أن تناصر مصر جيرانها إن لم يكونوا أشقاءها على بلائهم الذي لا نظير له والذي صار معلما من معالم الفخار للإنسانية، والذي انتفعت به مصر وغيرها من أرض العروبة إذا بنظامها السياسي يسارع في مرضاة عدو الله وعدوهم ليدمغ نفسه بنفسه بقول الله فيه: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:52] وما كنا نحب لهذا النظام ولا لشيوخه أن يقع في تلك الوهدة القاصمة، وإن أفضل ما نصرخ به عليهم هو قول الله جل جلاله: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة:61] وهؤلاء الشيوخ أعلم بتلك الآيات وبما بعدها وبما في غيرها من مثل قوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85].

 
وإننا بهذا لسنا مغفلين حق الدولة وكل بلد في السهر على حدودها والعمل على أمنها، لكن أن يكون هذا مع عدوها لا مع أهلها، كما انه لا يغيب عنا كذلك أن حدود مصر المفتوحة مع عدو الله وعونا هي أحق بالتدابر الأمنية من غيرها ممن هم في حكم الدافعين عن حدود مصر وحدود غيرها بثباتهم وبطولاتهم.

فلك الله يا غزة يا بلد الرجولة والثبات، ولك الله يا فلسطين كلها، ووالله الذي لا إله سواه لن يخذلكم الله، ولن يُسلمكم إلى المخادعين والمتلاعبين بدين الله وبأقدار وحقوق الشعوب، ولن يضيعكم من كان على الدوام مدافعا عن الذين آمنوا، فاصبروا حتى يأتي وعد الله، فقد قال وقوله الحق: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51-52] وقال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:179].
 

فعزاؤنا لكم يا أهل غزة وسلوانا معكم بعد هذا أن الفتوى الشائهة التي صدرت اليوم عن هذا المجمع لم يجدوا لها من يدافع عنها غير تلميذ حسن حنفي، المستخف دوما بكرامة ومنزلة كبار العلماء والذي لا يزال بهذا المجمع مروجا لجريمة استئجار الأرحام، فنسي نفسه، ونسي حتى حقيقة المجمع وعدد أعضائه الذين حين ذهب يُعَرِّض على قناة الجزيرة باتحاد العلماء قائلا: "اتحاد العلماء والأربعين" ناسيا أن هذا هو عدد مجمعه هو لا عدد أعضاء اتحاد العلماء العاملين، فما أراد أن يرمي به اتحاد العلماء بنحو ما رمى به زميله النائب من قبل قد ردَّه الله على مجمعه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}[الزخرف:76] وصدق الله العظيم: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18].

صدر عن جبهة علماء الأزهر 15 من المحرم 1431هـ الموافق 1 يناير 2010م.


 

  • 1
  • 0
  • 5,502

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً