في زمن التوك توك!

منذ 2016-06-21

الجانب الإيجابي أنك ستكتسب مهارات جديدة وقدرات على المناورة وملكات غير عادية، أزعم أنك ستكون في النهاية سائقاً مختلفًا تتفوق على كثير من سائقي العالم الذين لم يتعرضوا لتلك التجربة المثيرة: تجربة القيادة في طرقات مصر وفي زمن التوك توك!

هل تذكر ذلك الزمن الجميل الذي كانت فيه الطرقات تخلو من التوك توك؟!

تلك الأيام الخوالي حين كانت القيادة على طرقات السفر أكثر أمنً ا وأقل مخاطرة حين كانت أعظم التحديات التي تواجهك كسائق على طريق سفر تتمثل في سائقي الشاحنات السهرانين لأيام والذين يحرص كثير منهم على تعاطي الترامادول وغيره من المكيفات التي تجعله يظن نفسه يقود سيارة رياضية صغيرة يخوض بها رالي أو سباق وليست شاحنة عملاقة على طريق يكتظ بأرواح الناس.

أيضاً كانت هناك تلك المطبات المفاجأة التي قرر الأهالي بناءها (ولفظ بناء لفظ مقصود ليناسب حجمها الهائل) وذلك حين وقعت حادثة أمام قريتهم فتفتقت أذهانهم عن الحل المنطقي الوحيد الذي سيقيهم الحوادث في المستقبل
نعمل مطب، ليس مهما أن تكون مواصفاته قياسية أو تكون له مواصفات أصلاً وليس مهماً ألا توجد لافتات تحذيرية ليهدىء السائق المسكين سرعته قبل أن يفاجأ بالمطب يحتضنه ويؤرجحه ويهدهده كرضيع يقذفه والده في الهواء ممازحاً، كل ذلك ليس مهما في نظر بناة المطبات.

المهم أن يحصنوا قريتهم من الحوادث وليكن ما يكون، وكنا نتعايش مع كل ذلك ونتعامل معه بواقعية ونعد العدة له ولم نعد نفاجأ بطيران السيارة فجأة ثم هبوطها على الجانب الآخر من المطب بسلام أو بغير سلام حسب النصيب
نعم كانت هذه هي الكلمة الدقيقة التي تصف حال القيادة عبر طرق مصر السريعة: نصيب.

كان ذلك حتى جاء زمن التوك توك!
ذلك الاختراع الهندي العجيب الذي قرر المصريون اختياره وحده وترك كل تقدم الهند في مجال الإلكترونيات وصناعة الحاسب الآلي بكل فروعها واعتلوا بهذا التقدم هرم المستثمرين والمديرين والمهندسين بوادي السيليكون الأمريكي؛ المقر الأهم لأكبر شركات الإلكترونيات في العالم.

قرر المصريون أو كثير منهم أن هذا الاختراع هو أعظم ما قدمته الهند للبشرية ومن ثم كان عليهم اقتناصه واستغلاله وتعميمه كما لم يعمموا شيئًا مثله وليتفوقوا في استخدام هذا الاختراع على كثير من الدول الآسيوية النامية التي ربما سبقتهم إليه.

لم يهتم المصريون أن كثيراً من الدول تعتبر التوكتوك مركبة غير مطابقة لمواصفات الأمان وذلك لعدم اتزانه وعدم صلابة هيكله الخارجي وعدم وجود أبواب أو أحزمة أمان. وبالتالي ترفض كثير من الأنظمة المرورية إلى اليوم صرف لوحات ترخيص للتوكتوك لاعتقادها في عدم صلاحيته للسير في طرقات المدن، بالرغم من كل ذلك لم يمتنع المصريون عن الإقبال عليه بشراهة منقطعة النظير لدرجة جعلت كثيرًا من أصحاب الحرف و"الصنايعية" يهجرون حرفهم ويتركون صنعتهم في سبيل اقتناء هذا الاختراع المذهل: التوك توك.

حتى وقت قريب كان ذلك الإقبال قاصرًا على القرى والمراكز الصغيرة وكان المرء منا يحمل هم المشوار الذي سيضطر فيه لأن يخوض طرقات تلك المراكز لما سيواجهه جراء احتكاكه بهذا السيل المنهمر من العربات التي تشبه الفئران في حدة حركاته ومفاجآتها التي لا تنتهي، وحتى هذا الحين كان الأمر محتملاً ويمكن التعامل معه بأن تركن سيارتك مثلاً وترضخ لسطوة التوكتوك على شوارع تلك المراكز والقرى أو ألا تذهب أصلا بسيارتك وإلا فلا تلومن إلا نفسك.

اليوم صار الأمر مختلفاً، لقد قرر سائقو التكاتك أنهم ليسوا أقل من الشاحنات وسيارات النقل والميكروباصات والسيارات الملاكي والأجرة والدراجات البخارية. لقد قرروا أنه قد حان الوقت ليكون لهم مكانهم الموقر على الطرق السريعة. وفجأة تفجر السيل الهادر وبدأت التكاتك في غزو الطرقات وصاروا وكأنهم من كل حدب فيها ينسلون ومن كل صوب ينهمرون، المشكلة أنهم اتخذوا ذلك القرار جنبًا إلى جنب مع ما اتخذوه من قواعد أخرى قرروا أنها أصول غير خاضعة للنقاش منها:
- التوك توك دائماً على حق.
- الأولوية دائمًا للتوك توك إن قرر المرور فعليك انتظاره.
- للتوك توك الحق في أن ينحرف يمنة أو يسرة متى شاء ودون إشارة أو سابق إنذار وعليك أن توقع حركته المقبلة والاستعداد لها.
- التوك توك بطيء نظرا لقلة سعة محركه فلا تخاطر بتجاوز أي سيارة لأنك ستجده فجأة في وجهك، أما إذا ما وقع المحظور وحدثت الحادثة التي كان التوك توك طرفًا فيها فتذكر القاعدة الأولى: التوك توك دائما على حق، ولا تنس أنت غالباً بجوار قريته في تخوم عزوته وهو على حق فربنا يستر على اللي هيحصل بعد ما حدث لسيارتك في الواقع لقد صارت القيادة في زمن التوكتوك مختلفة.

صارت أكثر إثارة وشغفاً وصار كل مشوار عبارة عن تحدٍ ينبغي أن تنتصر فيه وانتصارك يكون فقط بأن تنجو وتعود سالمًا إلى بيتك وأهلك.

الجانب الإيجابي أنك ستكتسب مهارات جديدة وقدرات على المناورة وملكات غير عادية، أزعم أنك ستكون في النهاية سائقاً مختلفًا تتفوق على كثير من سائقي العالم الذين لم يتعرضوا لتلك التجربة المثيرة: تجربة القيادة في طرقات مصر وفي زمن التوك توك!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 1
  • 5,548

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً