فئتان من الناس في رمضان
محمد علي يوسف
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
على طرفي نقيض تجد فئتين من الناس في رمضان!
يظهر تناقض هاتين الفئتين واضحا جليا في هذه الأيام المباركات
فئة تظن أن هذه أيام تعبد وحسب وإذا بك تفاجأ بهم أشد ما يكونون تكاسلا وتنطعا وتقصيرا في أداء واجباتهم وأعمالهم بحجة العبادة والتفرغ لتلاوة القرآن والذكر
كثيرا ما نجد بعضا من هؤلاء في خضم وقت العمل وخدمة الناس وقد تركوا كل ذلك وانعزلوا في ركن من أركان المصلحة أو المؤسسة التي يعملون بها ممسكين بمصاحفهم لا يأبهون بحاجة العمل ولا يلتفتون لحوائج الناس الذين يتقاضون رواتبهم نظير خدمتهم إياهم وليس نظير ترتيلهم وجلسات ذكرهم
على النقيض ستفاجأ بأعضاء الفئة الأخرى وقد انشغلوا بهمومهم الجسيمة ومشغولياتهم العظيمة - أو هكذا صوروا تلك الانشغالات وتصوروها - وإذا بك تنظر إلى حالهم في رمضان وكأن شيئا لم يتغير وكأن موسم تعبد ومثوبة لم يلحق بهم بل أحيانا تجد العكس حيث تزداد الغفلة والبعد في ظل آلة إلهائية هائلة لا تنفك عن الأخذ بتلابيب المشاهدين للانشغال بمشاكل نجوم المسلسلات وردود أفعال أبطال برامج المقالب السمجة
وفي إطار هذا التناقض الهائل يندر أن تجد التوسط والقصد ويكاد يكون التوازن كالزئبق الأحمر تبحث عنه فتجده حين تجد الإبرة في كومة القش
هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاد ما يزيد عن تسعة عشر غزوة و قيل تسع و عشرون هذا بخلاف ما يقارب السبعين سرية التي أرسلها على مدار السنوات العشر التي هي فقط مدة العهد المدني
أي أن المجموع كما أورده العلماء ومنهم الحافظ ابن حجر يقارب المائة غزوة وسرية في عشر سنوات فقط حتى وفاته صلى الله عليه وسلم
لو حسبت المتوسط فستجده في حدود عشر غزوات وسرايا كل عام
يعني تقريبا لا يمر شهر بدون حدث جلل
بل من الممكن أن تجد غزوتين لا تفصل بينهما إلا أيام قليلة كما حدث في غزوتي أحد وحمراء الأسد أو في الخندق و بني قريظة
هذا بخلاف تآمر المنافقين و تربص اليهود و مشاكل المجتمع الوليد و الأمة الناشئة
مع ذلك لو تأملت ستجد في ظل تلك الحياة الحافلة الحاشدة أن جُل المسائل الشرعية و الأغلبية الساحقة من الأمور الفقهية و أحاديث الأحكام قيلت و تعلمها الصحابة رضوان الله عليهم في تلك الأيام الممتلئة بالأحداث الجسام
وفي تلك الأيام الحافلة أيضا كانت البطولات التعبدية والتنفل والتنسك وكانت الليالي التي حفلت بقيام الخاشعين وتهجد الباكين الراكعين الساجدين
لم تثنهم كل تلك المشاغل والهموم ولم تمنعهم تلك العظائم من التعلم والتعبد ومن السؤال والتدبر
كانوا كأسوتهم وقدوتهم نموذجا للتوازن والقصد
كيف لا؟ وقد تعلموا منه ذلك المبدأ الجامع
" « » "
هكذا بيّن إمكانية الجمع بين الأعمال وهكذا كان في شهر القرآن أكرم الناس وأجودهم وارتبطت مدارسته للقرآن بجوده وإنفاقه وهكذا أيضا لم يترك الاعتكاف إلا عاما واحدا وقضاه بعدها في شوال وليثبت لكل متنطع أن الأمر ممكن..
فما بال أقوام لا يتصورون في حياتهم إلا أن تمتلىء فقط بما يشغلهم وبما يمليه عليهم غيرهم
ما بال أقوام يصرون أن يكونوا مفعولا بهم توجههم الأحداث ولا يوجهونها وتسيطر عليهم الرياح وتذهب بهم يمنة ويسرة
عموما إن كانوا يرون أنهم يستحيل عليهم الجمع بين النوازل وبين الأصول و يصعب عليهم الموازنة بين الواجب الأصلي والواجب الوقتي فهذا شأنهم
والأعجب هو لماذا يفرضون عجزهم على غيرهم ويريدون للجميع أن يسيروا في ركبهم؟
ركب المتنطعين أو المتغافلين..