مفسدون و مصلحون و صامتون
أبو الهيثم محمد درويش
- التصنيفات: التفسير -
ثلاث طوائف :
طائفة رسبت في الاختبار و اعتدت وظلمت و طغت و أفسدت .
و طائفة أنكرت عليهم و ذكروهم بعذاب الله و أمروهم بتقوى الله .
وثالثة أنكرت على من وعظ و أمر بالمعروف و نهى عن المنكر و اكتفت بأن الصنف الأول صنف معذب لا محالة و لن تنفع فيه نصيحة .
و النتيجة :
عذب الله الصنف الأول .
و أنجى الثاني .
و لم يذكر مصير الثالث كما لم يذكروه في الدنيا .
تأمل و انظر أين أنت من تلك الأصناف :
قال تعالى :
{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)} [الأعراف] .
قال السعدي في تفسيره : { وَاسْأَلْهُمْ } أي: اسأل بني إسرائيل { عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ } أي: على ساحله في حال تعديهم وعقاب اللّه إياهم.
{ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ } وكان اللّه تعالى قد أمرهم أن يعظموه ويحترموه ولا يصيدوا فيه صيدا، فابتلاهم اللّه وامتحنهم، فكانت الحيتان تأتيهم { يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا } أي: كثيرة طافية على وجه البحر.
{ وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ } أي: إذا ذهب يوم السبت { لا تَأْتِيهِمْ } أي: تذهب في البحر فلا يرون منها شيئا { كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } ففسقهم هو الذي أوجب أن يبتليهم اللّه، وأن تكون لهم هذه المحنة، وإلا فلو لم يفسقوا، لعافاهم اللّه، ولما عرضهم للبلاء والشر، فتحيلوا على الصيد، فكانوا يحفرون لها حفرا، وينصبون لها الشباك، فإذا جاء يوم السبت ووقعت في تلك الحفر والشباك، لم يأخذوها في ذلك اليوم، فإذا جاء يوم الأحد أخذوها، وكثر فيهم ذلك، وانقسموا ثلاث فرق:
معظمهم اعتدوا وتجرؤوا، وأعلنوا بذلك.
وفرقة أعلنت بنهيهم والإنكار عليهم.
وفرقة اكتفت بإنكار أولئك عليهم، ونهيهم لهم، وقالوا لهم: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } كأنهم يقولون: لا فائدة في وعظ من اقتحم محارم اللّه، ولم يصغ للنصيح، بل استمر على اعتدائه وطغيانه، فإنه لا بد أن يعاقبهم اللّه، إما بهلاك أو عذاب شديد.
فقال الواعظون: نعظهم وننهاهم { مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ } أي: لنعذر فيهم.
{ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي: يتركون ما هم فيه من المعصية، فلا نيأس من هدايتهم، فربما نجع فيهم الوعظ، وأثر فيهم اللوم.
وهذا المقصود الأعظم من إنكار المنكر ليكون معذرة، وإقامة حجة على المأمور المنهي، ولعل اللّه أن يهديه، فيعمل بمقتضى ذلك الأمر، والنهي.
{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } أي: تركوا ما ذكروا به، واستمروا على غيهم واعتدائهم.
{ أَنْجَيْنَا } من العذاب { الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ } وهكذا سنة اللّه في عباده، أن العقوبة إذا نزلت نجا منها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
{ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا } وهم الذين اعتدوا في السبت { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } أي: شديد { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
وأما الفرقة الأخرى التي قالت للناهين: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } فاختلف المفسرون في نجاتهم وهلاكهم، والظاهر أنهم كانوا من الناجين، لأن اللّه خص الهلاك بالظالمين، وهو لم يذكر أنهم ظالمون.
فدل على أن العقوبة خاصة بالمعتدين في السبت، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، فاكتفوا بإنكار أولئك، ولأنهم أنكروا عليهم بقولهم: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا } فأبدوا من غضبهم عليهم، ما يقتضي أنهم كارهون أشد الكراهة لفعلهم، وأن اللّه سيعاقبهم أشد العقوبة.
{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [(166) الأعراف] .
{ فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ } أي: قسوا فلم يلينوا، ولا اتعظوا، { قُلْنَا لَهُمْ } قولا قدريا: { كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } فانقلبوا بإذن اللّه قردة، وأبعدهم اللّه من رحمته، ثم ذكر ضرب الذلة والصغار على من بقي منهم .
أبو الهيثم