في جريمة سب الله ورسوله بمجلة أكتوبر

منذ 2010-07-27

مع ثبوت تلك الجريمة على مستوى الشهادة التي جاء بها البلاغ المنسوب إلى أحد عشر صحفيا من العاملين بمجلة (أكتوبر) والذي تقدموا به إلى النائب العام بحق تطاول رئيس تحريرها (مجدي الدقاق) ..


مع ثبوت تلك الجريمة على مستوى الشهادة التي جاء بها البلاغ المنسوب إلى أحد عشر صحفيا من العاملين بمجلة (أكتوبر) والذي تقدموا به إلى النائب العام بحق تطاول رئيس تحريرها (مجدي الدقاق) على الذات الإلهية تطاولا لم يسمع به من ساقط من قبل، حيث زعم أن الله جل جلاله جزائري متعصب لنادي الجزائر، كما وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه الإرهابي، ثم أضاف إلى ذلك كله تحدِّيه للأوضاع العامة والقواعد الأخلاقية بأفعاله الشائهة التي جاء عليها البلاغ رقم 12814/ 2010 وقوله في حق نفسه بعد ذلك مفاخرا (إنه كافر)، [يراجع موقع المصريون ونافذة مصر وغيرهما يوم 8/7].
نقول ومع هذا والتزاما وأخذا بواجب الاحتياط الذي يوجبه الشارع الحكيم في مثل تلك الجرائم نقول: أنه إذا ثبتت تلك الجريمة قضائيا فإن هذه تعد ردة وليست كفرا.


فإن لم تثبت بعد تلك الشهادات رسميا أو حدث عنها من المرتد ارتدادا فغاية أمر عدم الحكم بثبوتها شرعا أن ذلك يمنع فقط قتل هذا المرتد مع بقاء بقية أحكام الردة في حقه على ما سنبين - إن شاء الله - فإن هذه التهمة على ذلك المستوى من الشهادات تهمة لا تسقط على بقية المستويات دينا وعرفا واعتبارا، ذلك أنه لا يصح وفقا للأعراف المستقيمة أن يُكَذَّبَ أحد عشر شاهدا لطلب سلامة الواحد المتهم، وقد أخرج أبو داود والحاكم والطبراني بأسانيد صحيحه واللفظ للحاكم عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه «إن الله تعالى لن يجمع أمة محمد على ضلالة » وفي زيادة ضعفها الألباني: « ومن شذ شذ في النار » ..

وعلى كل حال فإن تلك الجريمة - على ما جاء عليها البلاغ - تعد ردة وليست كفرا على الحقيقة.

وذلك أن الكفر هو موقف تحددت به ملامح صاحبه، واستقرت عليه وله حقوق، واستوجبت على ذلك أحكاما على وفق ما يحدد الكافر لنفسه من خيارات من حيث المحاربة للأمة، أو المعاهدة لها، أو طلب الأمان الذي يظهر به احترامه لها، أو الدخول فيما دخل فيه الناس من الطاعة التي تستقر بها الحدود والحقوق، ويأمن بها الناس على أرواحهم وأموالهم وهو في كل ذلك صاحب حقوق واضحة المعالم مصونة في ثبوتها.


أما المرتد فلا موقف له ثابت ينسب إليه، ولا خلق عنده يتميز به غير استجماع الخسائس التي تجعله في كل خسيسة نفسا تتعلق بها حتى يصير بالكثرة المتكاثرة منها كالمزبلة لما ألقي فيها، ويمحق في نفسه كل شعور حي كما تمحق في المزبلة معنى النظافة، ومعنى الحس بها. فدين هذا الخسيس هو أهون شيء عليه، يريد أن يكون معه حاكما عليه وليس محكوما به، ولاعبا به لا موقرا له، وليس هناك من هوان شرٌّ من أن يكون الحاكم محكوما، والمقدس مهانا، والدين ملعبة، وحينئذ يكون السكوت على صاحب تلك المزابل إيذانا بانفراط كل العقود، وضياع كل حق، وإهدار كل قيمة من قيم الحياة، ما لم يؤخذ كل خائن بخيانته، ويعامل كل وضيع على وفق ما اختار لنفسه ورضي لها.

على أنه ينبغي أن لا يعتذر لمثله بأن هذا موقف فكري منه، فالمواقف الفكرية غير المواقف الخلقية، وهناك فارق كبير أيضا بين الفكر وهو عمل ذهني قال فيه الأستاذ العقاد إنه فريضة إسلامية، وبين المجاهرة والإعلان عما يُرى الذي هو عمل مادي يرعى فيه حقوق للغير مع حق صاحبه، فيحكم بهذا الإعلان على صاحبه أولا، ولأمر ما قال صلى الله عليه وسلم: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟» [صحيح الجامع:5316].


إن أول الحكمة هي ضبط الأدوات في الإنسان، و الأسلوب من أشرف تلك الأدوات أو أخسها، وباختياره تتحدد المواقف التي تتنزل عليها الأحكام، والذي اختار الخيانة لدينه سبيلا والإعلان عنها خلقا كان بهذا الاختيار هو المسؤول عما ينزل به بعد ما عرف ثم فعل، فهو أولا كان خائنا لأشرف أمانة، ثم راضيا بكل ما يترتب على ذلك الاختيار منه من آثار، فمجاهرته بالتطاول والسباب هو بمثابة إعلان حرب منه على القواعد التي عومل بها من قبل خيانته، والأخلاق التي خادع فيها، ثم العقود التي تعامل وعومل بها من قبل إعلانه عن ردته، وبذلك فإن خيانته لما دون دينه أوكد وأثبت، لذلك كان الخائن للإسلام بعد أن دخل فيه مختارا وانتفع به هو في الحقيقة خائن لكل دين، لأنه بخروجه عن الإسلام بعد أن دخل فيه من قبل ردته مختارا قد خرج عن كل دين، فلا تصح منه العقود، ولا يعتد له بقول، ولا اعتبار له، لأنه بردته صار فاقدا للأهلية فقدا تاما، أما التارك لغير الإسلام إلى الإسلام إذا كان ذلك باختيار كامل منه فهو في الحقيقة قد استكمل لدينه الذي كان عليه من قبل بقية معالم الصلاح إن كان الذي كان عليه صحيحا، أو مصححا لما كان فيه من معالم انحراف إن كان الذي كان عليه قبل الإسلام غير صحيح، وقد استكمل لمعالم الأخلاق السامية معه بقية حقوقها، حيث إنه لا يحل له بعد أن صار مسلما أن يسب غير ما صار إليه من دين صحيح، أو يظلم بأي مبرر غير المسلمين { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام:108]، { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت:46] أو أن يتجاوز الحدود عند وقوع اعتداء عليه { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190].


ذلك أن الإسلام سياج يفرض الفضائل ويدفع عن نفسه الرذائل { فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } [يونس:32] فالذي آمن بالإسلام دينا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا فإنه قد آمن على وجه اليقين بكل رسول ونبي، فمن سبَّ واحدا من الأنبياء أو الرسل المجمع على نبوتهم أو رسالتهم فكأنما سب نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم.


لقد كان بوسع هذا الصحفي - على وفق ما نسب إليه - أن يستبطن عن الأمة كفره وردته أو أن يجعل ردته هذه والإعلان عنها بعيدا عن مؤسسات الدولة التي تتعامل مع العالم ومع شعبها أنها دولة عربية دينها الرسمي هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول من مصادر التشريع، رعاية لحق حزبه الذي رفعه، وكان به مع الناس كالمرأة حمايتها على الزوج، وكالقاصر تبعته على الوصي، وكذلك رعاية لحق عمله الذي يرتزق فيه من أموال تلك الأمة التي استخف أخيرا بمعالم شرفها، أما وأنه قد جاء منه الاعتداء على أقدس مقدسات الأمة التي اعتلى فيها مناصبه باسم القواعد التي أتى عليها على وفق ما نشر عنه، فلم يراع لحزبه حقا مع شدة حاجة حزبه اليوم -فيما يبدو - إلى المصانعة، ولا حق عمله، فكان بأسلوبه الذي ثبت به ردته غبيا، سلط نفسه على نفسه، و استحق بذلك على الأمة كلها حقوقا شرعية فرضها عليها وعليه سوء صنيعه واختياره.


أولا: فإن الردة بهذا المستوى الذي جاء عليه هذا البلاغ قد ثبتت شرعا ثبوتا لا تقبل ردًا، حيث اتفق الفقهاء على الاكتفاء بشاهدين في ثبوت جريمة الردة، ولم يخالف في ذلك إلا الحسن، فإنه اشترط لثبوتها أربعة من الشهود [المغني:8557].
ثانيا: وعلى ذلك فإن تلك الجريمة من حيث الشكل قد ثبت وقوعها ديانة وشرعا.
ثالثا: فإن أنكر هذا الصحفي ما صدر عنه بعد استيفاء الاتهام مطالبا ثبوته شكلا - وليته يفعل - فإن إنكاره بعد ذلك لا يعدو أن يكون منه على أيسر الأحكام الفقهية توبة ورجوعا، وذلك عند الحنفية فقط، فيمتنع على ذلك القتل فقط في حقه، وعند الجمهور فإنه يحكم عليه بمقتضى تلك الشهادة، ولا ينفعه إنكاره، بل يلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلما، مع وجوب استتابته على ما ذهب إليه الإمام مالك والشافعي وأحمد.


وقد قال الحنفية: توبة المرتد تكون بأن يتبرأ عن الأديان سوى الإسلام، ولو أتى بالشهادتين على وجه العادة أو بدون التبري لم ينفعه ما لم يرجع عما قال، إذ لا يرتفع بالشهادتين كفره. قالوا: إن شهد الشاهدان على مسلم بالردة وهو منكر لا يُتَعرَّض له لا لتكذيب الشهود، بل لأن إنكاره توبة ورجوع، فيمتنع القتل فقط وتثبت بقية أحكام الردة في حقه.
رابعا: وإذا نطق هذا المرتد بالشهادتين بعد ما أثبتته شهادة الشهود على الوجه الذي جاء عليه البلاغ إلى النائب العام فإن توبته تكون صحيحة عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة، لقوله صلى الله عليه وسلم « أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله» قالوا: وحيث إن الشهادة يثبت بها إسلام الكافر الأصلي فكذا المرتد، فإذا ادعى المرتد الإسلام ورفض النطق بالشهادتين لا تصح توبته [الإقناع 4/ 303].


كما أن الحنابلة صرحوا بأن المرتد إن مات على ردته وأقام وارثه بيِّنة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه [الإنصاف 10/ 337]، ويؤخذ من ذلك أنه تحصل توبة المرتد بصلاته.
وذهب الشافعية والحنابلة في أحد القولين إلى أنه لا بد من إسلام المرتد بذكر الشهادتين أولا، فإن كان كفره لإنكار شيء آخر فيلزمه مع الشهادتين الإقرار بما أنكر. وذهب المالكية إلى أن من شتم نبيا مجمعا على نبوته بقرآن أو نحوه فإنه يقتل ولا تقبل توبته، قالوا: لأن كفره يشبه كفر الزنديق، على أنه - أي المرتد بسبب سبه لأحد من الأنبياء - يقتل بعد توبته حدًّا لا كفرا، لأن قتله حينئذ يكون لأجل ازدرائه لا لأجل كفره [الخرشي على خليل:8/70].


وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا ارتد مسلم فقد أهدر دمه، لكن قتله للإمام أو نائبه، وأن الجناية عليه هدر، لأنه لا عصمة له [المبسوط للسرخسي، والبدائع للكاساني، والمغني لابن قدامة، والموسوعة الفقهية الصادرة عن دولة الكويت:22/190].


لذلك فإننا نأمل:
1- من حزب هذا الصحفي المرتد أن يعيننا على بقاء حياديتنا السياسية منه ومن غيره من بقية الأحزاب المصرية، وذلك بأن يسارع هذا الحزب بتحديد موقفه من هذا الصحفي المارق ومن نظرائه وأمثاله، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

2- ومن حكومة هذا الحزب أن تقوم بحق الله الواجب عليها نحو دينها، أولا هذا الدين الذي هو مدخل ثبات الحقوق و بقاء الحدود ووفرة الحرمات، ونحذرها من أن تسلك في مثل تلك القضايا سبيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

3- ومن القضاء وأهل القانون أن يقيموا لله حقه في تلك الجريمة وأخواتها، وفاءً للعهد، وقياما بالحق، وغيرة على الثوابت، وإبراءً للذمة، فإن مما أجمع عليه المسلمون أن "من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، ومن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر" [منهاج السنة:5/130].

4- وإلى أهل هذا الصحفي وذويه أن يحددوا موقفهم منه حتى لا تدخل مدخله، ولا يصيبهم ما أصابه.

5- وإلى عامة الأمة وغياراها من مسلمين ونصارى: لا تترددوا في صفع هذا المرتد الوقح وصحيفته وذلك بمخاصمة جريدته ومقاطعتها على جميع المستويات حتى ترجع تلك المجلة التي توقح برآسته لها على الأمة والملة إلى مخازنهم خاسئة ذليلة حتى يطهر مجلس إدارتها وأسرة تحرير تلك المجلة نفسها من بقاء هذا المرتد في مكانه فيهم ثم يعتذرون للأمة عما كان منه بحقها قبل عزله، فإن ما نُسب إليه هو أقبح بكثير مما كان من الدنمارك في حق نبينا صلى الله عليه وسلم، فأَرُوا الله ونبيه ودينكم من أنفسكم خيرا.
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:44].


صدر عن جبهة علماء الأزهر عصر السبت 28 من رجب الفرد 1431هـ الموافق 10 يوليو 2010م
 
المصدر: جبهة علماء الأزهر
  • 1
  • 0
  • 3,804

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً