خواطر حول آيات من كتاب الله تعالى - [03] حول قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } [البقرة: 163]
تأمَّلتُ في قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163]، فرأيتُ أنَّ هذه الجملة المباركة تكرَّرَت في عدد من الآيات القرآنية، وقد جاءت بصيغة ضمير الغائب، وليس فيها تَصريح بلفظ الجلالة، فما هو سرُّ هذا التعبير؟
تأمَّلتُ في قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163]، فرأيتُ أنَّ هذه الجملة المباركة تكرَّرَت في عدد من الآيات القرآنية، وقد جاءت بصيغة ضمير الغائب، وليس فيها تَصريح بلفظ الجلالة، فما هو سرُّ هذا التعبير؟
والجواب على ذلك، أنها:
1- تذكِّر بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وحسن أفعاله، وتشير إلى جماله وجلاله، وبديع صنعه في صفحات هذا الكون الفسيح؛ فكأنه يذكر ربه بلسان حاله قائلًا:
• لا إله إلَّا هو الخالِق البديع...
وهي تصفع كلَّ مَن يعجب به ويلهو، وكل مَن يعبده من دون الله تعالى، أو يتعلَّق به، وتناديه قائلة:
• هو هو، انظر إلى بَديع صنعه تعالى فينا، فما نحن إلَّا دلائل على جمال الله سبحانه، وبديع صنعه، فإيَّاك من الاشتباه، وصدَق من قال:
عِباراتُنَا شَتَّى وَحُسْنُكَ وَاحِدٌ *** وَكُلٌّ إِلَى ذَاكَ الجَمَالِ يُشِيرُ
ورحم الله الأستاذ بديع الزمان عندما قال:
"هذا الكون بذاته برهان عظيم؛ فكل ذرَّات الكون، وحجراته، وأركانه، وأعضائه، لسان ذاكِر يلهج مع ذلك الصَّوت المدوِّي بـ : ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.
في تلك الألسنة تنوُّع، وفي تلك الأصوات مَراتب، إلا أنها تَنطلق معًا بـ : ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.
هذا الكون إنسان أكبر.
يذكر ربه بصوتٍ عال، والأصوات الرقيقة لأجزائه وذرَّاته كلها تدوِّي مع ذلك الصوت الهادر: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.
نعم، إن هذا العالم يَتلو آيات القرآن في حلقة ذِكر عظيمة، وهذا القرآن المشرق المنور يترنَّم مع ذوي الأرواح كلها بـ: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾.
فإذا ما ألصقت الأذن بصدر هذا الفرقان، ستَسمع من أعمق الأعماق صدًى سماويًّا صريحًا ينبعث بـ : ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾".
2- أو يقال: هذه الصيغة جاءت تعظيمًا له سبحانه وهيبة منه.
وقد قال الشاعر في حب دنيوي:
أُحِبُّ حَبِيبًا لَا أُسَمِّيه هَيْبَةً *** وَكَتْمُ الهَوَى لِلقَلْبِ أَنْكَى وَأَنْكَأُ
فكيف إذا كان هذا الحب متوجهًا نحو الخالق العظيم؟
3- أو أنها جاءت تعلِّمنا الحياءَ من جلاله.
وصدق من قال:
وبي مَن لا أسمِّيه حياءً *** بحكم حضورِه فهو الرَّقيبُ
4- كما أنها تشير إلى شدَّة معرفته سبحانه عند المخاطبين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. عبدالله الأنيس
- التصنيف:
- المصدر: