الفوائد الخمسينية من الداء والدواء لابن قيم الجوزية
لا تتم سلامة القلب حتى يسلم من خمسة أشياء وهي: شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر.
- التصنيفات: تزكية النفس - الحث على الطاعات -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذا الذي بين أيديكم فوائد دونتها من كتاب الداء والدواء لابن القيم رحمه الله تعالى وتصلح أن تكون خلاصة له وقد وسمته: (بالفوائد الخمسينية من الداء والدواء لابن قيم الجوزية).
هذا وإن كل عمل بشري إنساني لهو عرضة للخطأ والقصور وأبى الله الكمال إلا له والحمد لله:
الفوائد:
1. أن ماثبت في السنة أن لكل داء دواء يشمل أدواء القلب والروح وليس البدن فقط وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الجهل دواء وجعل دواءه سؤال العلماء.
2. الأذكار والأدعية والآيات التي يستشفى ويرقى بها لا بد فيها من أمور: أن تستدعي قبول المحل، وقوة وهمة الفاعل، وألا يكون المانع قوي فيمنع نجع هذا الدواء.
3. لدعاء مع البلاء ثلاثة مقامات:
الأول: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه، الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى البلاء عليه ولكنه قد يخففه، الثالث: أن يتقاوما فيمنع كل منهم صاحبه.
4. مما يمنع قبول الدعاء هو الاستعجال أو الاستبطاء فيه ففي الحديث: « » (صحيح البخاري [6340]).
5. الدعاء بمنزلة من بذر بذرًا أو غرس غرسًا فجعل يتعاهده فلما استبطأ كماله تركه وأهمله، فلابد من المداومة عليه.
6. أوقات الإجابة: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقض الصلاة، وآخر ساعة بعد عصر الجمعة.
7. الدعاء إن صادف خشوعًا في القلب، وانكسار بين يدي الرب وتضرعًا ورقه، واستقبال للقبلة وطهارة، ورفع الداعي يديه وبدأ بحمد الله والثناء عليه وصلى على رسوله، وقد بين يدي حاجته الاستغار، وألح على ربه في مسألته، وتوسل إليه باسمائه وصفاته، وقدم بين يديه صدقة، فلا يكاد هذا الدعاء يرد.
8. لا يحصل لدعاء أثر إذا كان نفس الدعاء غير صالح، والداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثم مانع من الإجابة.
9. مما يعين على استجابة الدعاء هو البر والإحسان للخلق والتقرب لله عز وجل بذلك.
10. الفرق بين حسن الظن والغرور أن ما حمل على العمل وحث عليه فهو حسن الظن، والرجاء الصحيح وما حمل على البطالة والانهاك في المعاصي فهو الغرور.
11. الرجاء يستلزم أمورًا ثلاث:
الأول: محبة ما يرجو.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه الحثيث في تحصيله.
والرجاء الذي لم تجتمع فيه هذه الأمور فهو من الأماني.
12. ضرر الذنوب والمعاصي على القلب كضرر السموم على الأبدان.
13. من المفاهيم الخاطئة عند الناس أن الذنوب إن لم تؤثر في الحال فلا أثر لها بعد ذلك ولم يعلم أن أثر الذنوب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السم.
14. لذنوب والمعاصي آثار منها:
حرمان العلم والرزق، وحشة القلب والوحشه بين الناس، وتعسير أموره ووهن في القلب و البدن، وحرمان الطاعات وقصر العمر يعني حياته الحقيقية ولا حياة إلا بطاعة الله وضعف القلب عن إرادة التوبة فتكون توباته توبة الكذابين في اللسان فقط وأما قلبه فمعقود بالمعصية مصر عليها عازم على مواقعتها متى أمكنه ذلك وغيرها من الآثار.
15. لتعلم أن كل معصية من المعاصي هي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله تعالى؛ فالوطية ميراث قوم لوط، والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون، والتكبر والتجبر ميراث قوم هود، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث قوم شعيب، فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم.
16. آثار الذنوب على الأرض: إحداثها فساد في الهواء والمياه والزروع والثمار والمساكن وما حل بسببها من الخسف والزلازل ومحق بركتها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشرب والعجن بمياه ثمود لتأثير شؤم المعصية في الماء.
17. للبعد عن الله مراتب: الغفلة ثم المعصية ثم البدعة ثم النفاق والشرك أعظم من ذلك كله.
18. المراد بقول الله: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص:46]، أي خصصناهم بخصيصة وهي الذكر الجميل في هذه الدنيا وهو لسان الصدق الذي سأله إبراهيم عليه السلام.
19. الناس مع الحق و الباطل أربعة أقسام:
الأول: من أبصر الحق وأدركه وقوي بإكمال تنفيذه.
الثاني: من لا بصيرة لهم في الدين ولاقوة على تنفيذ الحق وهم أكثر الناس.
الثالث: من له بصيرة بالحق لكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه ولا الدعوة إليه وهو حال المؤمن الضعيف.
الرابع: من له قوة وهمة وعزيمة لكنه ضعيف البصيرة في الدين لا يفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
ولا يصلح من هؤلاء للإمامة في الدين إلى القسم الأول.
20. قول الله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الإنفطار:13-14]، ليس مختص بالدار الآخرة فحسب بل يكون ذلك في الدنيا والبرزخ وكذلك الجحيم للفجار.
21. لا تتم سلامة القلب حتى يسلم من خمسة أشياء وهي: شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر.
22. الذنوب تنقسم إلى أربعة أقسام لا غير وهي: ملكيَّة وشيطانية وسبعيَّة وبهيمية.
فالملكية: أن يتعاطى ما لا يصلح له من صفات الربوبية والعظمة والكبرياء ونحو ذلك.
والشيطانية: أن يتشبه بالشيطان في الحسد الغل والغش والخداع.
والسبعية: مثل العدوان والغضب وسفك الدماء والوثوب على الضعفاء مما هو من طباع السباع.
والبهيمية: مثل شهوة البطن والفرج وما يتولد منهما كالزنى وغيره.
23. من آفة الذنوب أنها تكون حجاب عن الخاتمة الحسنة عند الموت ولذلك خاف السلف كثيرًا من هذا.
24. أصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها التعطيل! وهو ثلاثة أقسام:
الأول: تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه.
الثاني: تعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل اسمائه وأوصافه وأفعاله.
الثالث: تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد.
25. الشرك شركان: شرك يتعلق بذات المعبود واسمائه وصفاته وافعاله، وهذا ينقسم إلى كبير وأكبر وليس شيء منه أصغر. وشرك في عبادته ومعاملته وهذا ينقسم إلى أكبر و أصغر.
26. حلق الرأس عبودية وخضوع لغير الله وكذا تقبيل الحجر غير الحجر الأسود كتقبيل القبور هذا كله من الشرك.
27. الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له وقلَّ من ينجو منه.
28. حقيقة الشرك هو: التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به فهذا هو التشبيه الحقيقي.
29. سوء الظن بالله من أعظم الذنوب وسبب ذلك أن المسيئ به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس وظن به مايناقض اسمائه وصفاته ولهذا توعد الله الظانين به ظن السوء فقال تعالى: {لظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح من الآية:6].
30. يلي الظن بالله ظن السوء في كبر المفسدة القول على الله بلا علم في اسمائه وصفاته وافعاله وهو والشرك متلازمان.
31. المبتدع أعظم ضررًا من المذنب وسبب ذلك أن المذنب ضرره على نفسه والمبتدع ضرره على نفسه وغيره وأيضًا فتنة المبتدع في أصل الدين وفتنة المذنب في الشهوة، والمبتدع قد قعد لناس على الصراط المستقيم يصدهم عنه والمذنب ليس كذلك وغيرها من الفروق.
32. مفسدة القتل على درجات أشدها من قتل نبي أو قتله نبي ويليه من قتل نفسًا مؤمنة ثم من قتل معاهدًا.
33. أعظم مفسدة بعد القتل الحرام هي الزنى ولهذا قرنها الله بالقتل في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
34. أربعة من حفظها أحرز دينه:
اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات وكلها مبدأها من النظر وهذه هي أبواب المعاصي الأربعة.
35. الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
36. النظرة المحرمة تُولد خطرة ثم فكرة ثم شهوة، وتولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، ثم يقع الفعل.
37. للسان آفتين عظيمتين وقد يكون لكل منهما أعظم أثمًا من الأخرى في وقتها وهما:
آفة الكلام وآفة السكوت! فالساكت عن الحق شيطان أخرس والمتكلم بالباطل شيطان ناطق.
38. خص الله حدَّ الزنى عن بقية الحدود بثلاثة خصائص:
الأولى: القتل فيه بأبشع القتلات للمحصن وغير المحصن بعقوبة على البدن وهي الجلد وعلى القلب وهي التغريب.
الثانية: نهى الله عباده أن تأخذهم رأفه أو رحمة يمنعهم من إقامة الحد عليه.
الثالثة: أمر الله تعالى أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين.
39. علاج الشهوات يكون من طريقين:
الأول: حسم مادتها قبل حصولها.
الثاني: قلعها بعد نزولها.
40. من أنفع الطرق لعلاج الشهوات هي غض البصر واشتغال القلب بما يبعده عنها.
41. لغض البصر عدة منافع منها:
امتثال أمر الله بغضه ومنع وصول السهم المسموم الذي لعل فيع هلاكه، ويورث القلب أنسًا بالله وجمعه عليه ويقوي القلب ويفرحه ويُكسب القلب نورًا ويورث فراسة صادقة و يورث القلب ثباتًا وشجاعة، ويسد على الشيطان مداخله إلى القلب، وأنه يُفرَغُ القلب للفكره في مصالحه الدينية والدنيوية والاشتغال بها و يصلح القلب، فإن صلح القلب صلح النظر والعكس كذلك.
41. حقيقة العبودية لا تحصل مع الإشراك بالله في المحبة بخلاف المحبة فإنها من لوازم العبودية و موجباتها.
42. أنواع المحبة خمسة:
الأول: محبة الله.
الثاني: محبة ما يحب الله.
الثالث: الحب لله وفيه.
الرابع: المحبة مع الله.
الخامس: المحبة الطبيعية.
43. الخُلَّةُ هي كمال المحبة ونهايتها حيث لايبقى في قلب المحب سعة لغير محبوبة.
44. المحبوب قسمان:
الأول: محبوب لنفسه (كحب الله).
الثاني: محبوب: لغيره (كحب الرسل والملائكة) ولابد أن ينتهي إلى المحبوب لنفسه.
45. والمحبوب لغيره قسمان:
الأول: ما يتلذذ المُحب بإدراكه.
الثاني: ما يتألم به لكن يتحمله لإفضائه إلى محبوبه.
46. المحبوبات والمكروهات من حيث ما توصل إليه أربعة طرق:
1. محبوب يوصل إلى محبوب.
2. مكروه يوصل إلى مكروه.
3. محبوب يوصل إلى مكروه.
4. مكروه يوصل إلى محبوب.
فالثالث والرابع هما معترك البلاء والامتحان.
47. قاعدة: أصل الأعمال الدينية هي حب الله ورسوله، وأصل الأقوال الدينية هي تصديق الله ورسوله.
48. الدين هو: الطاعة والعبادة والخُلُق قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، قال ابن عباس يعني: "لعلى دين عظيم".
49. للعاشق مع العشق ثلاثة مقامات: ابتداء وتوسط وانتهاء، فحال الابتداء يجب عليه مدافعته، وأما حال التوسط والانتهاء فمع مدافعته عليه كتمان ذلك وألا يفشيه للخلق. فكم للعشق من قتيل من الجانبين.
50. لدنيا ثلاثة لذات:
الأولى: وهي أعظمها وهي ما أوصل إلى لذة الآخرة.
الثانية: لذة تمنع لذة الآخرة وتجر آلام أعظم منها.
الثالثة: لذة لا تعقب لذة في دار القرار ولا ألمًا ولا تمنع أصل لذة دار القرار، وإن منعت كمالها.
52. محبة الزوجة لا لوم فيها بل هي من كماله وقد جعل الله بينهم خالص الحب وهو المودة المقرونه بالرحمة.
53. حديث: "من عشق عفَّ" حديث منكر.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
كتبه أخوكم
حمد بن جَفَّال