{الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ}
أبو الهيثم محمد درويش
توعد الله تعالى من كتم أحكام شريعته ولم يبينها تملقاً وتزلفاً لمن يعطي أكثر بوعيد شديد لمن تأمل أوتذكر.
- التصنيفات: التفسير -
توعد الله تعالى من كتم أحكام شريعته ولم يبينها تملقاً وتزلفاً لمن يعطي أكثر بوعيد شديد لمن تأمل أوتذكر.
صنف ممن آتاه الله العلم باع دينه بدنياه أو بدنيا غيره منتظراً منهم الفتات.
هذا الفتات الذي يظن أنه به يقتات ما هو في الحقيقة إلا شظايا من النار تلهب به بطون هؤلاء الخائنين وما أكثرهم في زماننا الحالي الذي كثر فيه الظلم والطغيان والتعدي على حدود الله وعلى حرمات الخلق من حكام لم يراعوا للدين حرمة ولا للإنسان حق وقد ساندهم في ذلك علماء سوء ورهبانها كتموا الحق وضيعوا حقوق الخلق.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:174-175].
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "هذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله، من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله، أن يبينوه للناس ولا يكتموه، فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي، ونبذ أمر الله، فأولئك: {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ} لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه، إنما حصل لهم بأقبح المكاسب، وأعظم المحرمات، فكان جزاؤهم من جنس عملهم، {وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم، فهذا أعظم عليهم من عذاب النار، {وَلا يُزَكِّيهِمْ} أي: لا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة، وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها، وإنما لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها العمل بكتاب الله، والاهتداء به، والدعوة إليه، فهؤلاء نبذوا كتاب الله، وأعرضوا عنه، واختاروا الضلالة على الهدى، والعذاب على المغفرة، فهؤلاء لا يصلح لهم إلا النار، فكيف يصبرون عليها، وأنى لهم الجلد عليها؟".