أفراح الروح في رمضان بالبلقان

منذ 2010-08-13

يحتفل المسلمون في البلقان بأيام رمضان وكأنها عيد يستمر 29 أو 30 يوما بأيامها ولياليها فتزدان الشوارع و المحلات بالاضواء ، وتعمر المساجد بالصلوات والأذكار ...





يحتفل المسلمون في البلقان بأيام رمضان وكأنها عيد يستمر 29 أو 30 يوما بأيامها ولياليها فتزدان الشوارع و المحلات بالاضواء ، وتعمر المساجد بالصلوات والأذكار ، وتتغير العادات والتقاليد اليومية لتحل محلها قيم وآداب رمضان ،حيث يتغير موعد الطبخ والجلوس للسفرة مع العائلة، ويقلع الصائمون عن شرب القهوة والطعام إلى حين موعد الإفطار. وترتدي النساء غير المحجبات لباسا محتشما احتراما لرمضان، ويتبادل الجيران الطبخ كما يتبادلون الزيارات والإفطار لدى بعضهم البعض . كما تمتلئ المساجد بالمصلين بشكل مختلف عن سائر أيام السنة . وقال رئيس العلماء في البوسنة الدكتور مصطفى تسيريتش " للمسلم " " رمضان امتحان لمدى استعدادنا للصبر والتحمل وإدراك حقيقة الجوع الذي يعاني منه الكثيرون في العالم ، كما أن رمضان الذي يحل علينا كل عام يطهر أرواحنا مما ران عليها من الغفلة والتقصير والذنوب " وتابع " حق على المسلمين أن يفرحوا بدينهم وبطاعتهم لله لان من يطع الله ورسوله تفتح له أبواب الجنة "وأضاف " الإسلام يعلمنا كيف يعيش الإنسان سعيدا وأن من يعرض عن ذكر الله تكون حياته ضنكا ، والصائمون يحق لهم الفرح بنجاحهم في التغلب على ضغوط الجسد و متطلباته وشهواته " وواصل " رمضان هي السعادة الشخصية والعيد هو السعادة الجماعية " وأشار رئيس العلماء إلى أن يوم الثاني من العيد يخصص سنويا للشهداء من أبناء البوسنة الذين سقطوا دفاعا عن بقاء البوسنة ومنع الأعداء من تقسيمها .


فرح متعدد الخصائص :
ويستعد المسلمون في البلقان لرمضان المبارك والعيد حسب التقاليد التي ترعرعوا في كنفها والتي يسودها الهناء وتغمرها السعادة ،بقطع النظر عن المشاكل المادية والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، حيث يجد المسلمون وقتا للفرح يتناسون فيه أحزانهم وآلامهم على مدار الحول ،سواء كانت شخصية أو عائلية أو شعبية أو أممية .


يقول مفتي بنيالوكا الشيخ أدهم تشامجيتش " العيد فرح في قلوبنا ، وفرح في بيوتنا ،وفرح مع جيراننا " كما يحتفل المسلمون في كل من البوسنة وكرواتيا وصربيا والجبل الأسود وكوسوفو وألبانيا ومقدونيا برمضان وبعيد الفطر المبارك في أجواء روحانية عالية تتسم بالتسامح والدعوة للتعايش " في كنف الوئام واعتراف الجميع بالجميع وحق الاختلاف وواجب احترام مبادئ ووجهات نظر الآخرين مهما كانوا " وتشهد المساجد والمصليات في الدول المذكورة ازدحاما كبيرا في أيام رمضان ،حيث يتوافد المسلمون عليها من كل حدب وصوب ، سواء من كان منهم يصلي أو من كان تاركا للصلاة ،إذ أن شهود صلاة التراويح في رمضان تقليدا راسخا لدى مسلمي البلقان ، لا يتأخر عنه إلا من كان مريضا ،أو على سفر .ويؤم حفاظ القرآن في البلقان المصلين ،وتكثف الدروس الدينية في المساجد للتأكيد على أن "الدين هو السلام ، والعدالة هي الاحترام ، والحقيقة هي الأمان ،وآمال الروح صحة للجسد "ومما سجله المسلم من مثل تلك الدروس هذه الحكم " إذا غاب الإيمان عن حياة الناس ،يغيب السلام بين الشعوب ، وإذا لم تكن العدالة ديدن الحكم ، يغيب احترامه من قبل الأمة ، وإذا لم تكن الروح مشبعة بالإيمان والأمل تضمحل النفس وتخور العزائم ويسود اليأس والاستسلام والنفاق والبحث عن الخلاص الشخصي الفردي المزيف "و أن " الكذب رأس الذنوب "كما يحذر المحاضرون و المشايخ من الفتنة .قال تعالى " الفتنة أشد من القتل " . كما يدعون إلى التعاون والتعايش بين مختلف الشعوب والأمم والثقافات والطوائف والمذاهب .وتشهد الساحات والملاعب الرياضية مثل مركب سكنديريا التجاري بوسط سراييفو إقبالا كبيرا من قبل المصلين حيث يؤم مفتي سراييفو الشيخ حسين سماييتش الجموع . ومما سجله " المسلم " من دروسه "حياة الإيمان هي الخيار الأفضل بين الحياة الطبيعية السعيدة الهادئة الهانئة والأخرى المضطربة اللاهثة المتعبة والمضنية " و" إذا لم يكن لنا دور في اختيار موعد ولادتنا أو اختيار والدينا فلنا الخيار في طريقة الحياة والتفكير وعلى ماذا نموت " و" كل من لا يحترم أفكار الآخرين ويريد الحجر عليها ،يخرق قوانين الطبيعة والخلق الذين جعلهم الله مختلفين "ودعا إلى التعايش واحترام الآخرين المحافظة على القيم الإسلامية .


وفي موستار يصلى المسلمون في 37 مكانا .ويؤم مفتي موستار الشيخ سيد سمايكيتش المصلين في المركز الثقافي بجامعة موستار . ومما سجله " المسلم " في دروسه دعوته للمحافظة على القيم الإسلامية " التي رسمت مبادئ التعايش والتسامح والسلام مع النفس والآخرين "وفي زينتسا يؤم المفتي أيوب داوودباشيتش المصلين في جامع "الأنصار ".

ويؤم في زفورنيك مفتي المقاطعة مصطفى محرموغيتش ( شرق البوسنة ) المصلين في أكبر مساجد في المنطقة وقال " للمسلم " " رمضان هو رمز السلام الذي ينبغي أن يسود أعماق النفس وفيما بين الناس " .
وفي زغرب بكرواتيا قال مفتي زاغرب الشيخ شوقي عمر باشيتش أن المسلمين في كرواتيا يتلقون التهاني من رئيس العلماء في البوسنة ومن الرئيس الكرواتي ستيبان ميسيتش ومن رئيسة الوزراء الكرواتية يادرنكا كوسور بحلول شهر رمضان المبارك .


كما يتلقى المسلمون في صربيا وكوسوفا والجبل الأسود ومقدونيا وألبانيا التهاني من كبار المسئولين في تلك الدول ، ويمثل رمضان بالنسبة لمفتي وأئمة البلدان المذكورة فرصة لتوجيه رسائل إلى المسلمين عبر الدروس الرمضانية تدعوهم للعودة إلى دينهم دراسة وفهما و تطبيقا ، ورسالة سلام لغير المسلمين للاعتراف بحق المسلمين بأن يعيشوا بإسلامهم دون تضييق أو تحرش أو كراهية أو إسقاطات أو تحريض .

ويؤدي كبار المسؤولين المسلمين في البلقان صلاة التراويح مع المسلمين ويتبادلون التهاني مع المصلين ( بدون تدخل الحرس أو إجراءات أمنية ) بحلول الشهر الفضيل أو صباح العيد بعد الصلاة مباشرة.


إقبال كبير من قبل الشباب :
وتشهد المساجد في البوسنة إقبالا منقطع النظير من قبل الشباب واليافعين ، لاسيما في شهر رمضان المبارك ، وهو ما يبشر بكل خير في بلد مستهدف من كل ناحية وصوب .ورغم أن البوسنة بلد متعدد الطوائف والأعراق، إلا أن المار في شوارع المدن وتحديدا سراييفو قبل الإفطار، لا يرى سوى عدد قليل جدا من المفطرين أو الجالسين في المقاهي والمطاعم أو المدخنين .ويحتل الشباب الصفوف الأولى أثناء تأدية الصلوات الخمس والتراويح ،كما أن علاقاتهم حميمية جدا بع بعضهم البعض ، وهو ما يعني وجود أوبة جماعية ، وليس مجرد تدين شخصي ، أو حالة مرتبطة بشهر رمضان الفضيل.


الإفطار داخل المساجد :
ويحرص الشباب ومنهم الملتزمون الجدد على الإفطار داخل المساجد قبل أداء صلاة المغرب ،وبعدها يتوجهون إلى منازلهم ،أو مراكز الإفطار الجماعي التي تقيمها بعض المؤسسات كالمرحمة التابعة للمشيخة الإسلامية، أو المؤسسات الخيرية الأخرى بما فيها العربية.

وقال رامز ( 21 سنة ) "للمسلم" "أحب تأدية الصلوات المفروضة في المسجد بما في ذلك صلاة المغرب ، حيث نتناول ثلاث حبات أو خمس من التمور عند الأذان لنكون مستعدين للصلاة مباشرة بعد الإقامة" وتابع "بعد الصلاة نتوجه إلى منازلنا ضيوفا عند بعضنا البعض أو في أماكن الإفطارات الجماعية أو مضيفين" . ويحرس الشباب على القدوم إلى المساجد مبكرا ولاسيما في صلاة العشاء للصلاة وقراءة القرآن . وقال عامر (21 سنة) " صلاة النافلة أفضل في البيت ولكن النافلة و قراءة القرآن في المسجد وكثرة الخطى إليه والمكوث فيه يعتبرها الشباب وجه من أوجه إعمار المساجد " كما يحرص الشباب على الهدوء و عدم إضاعة الوقت في الأحاديث الجانبية داخل المساجد و لاسيما عند إلقاء الدروس الخفيفة التي يلقيها الخطباء قبل صلاة العشاء والتراويح.


دروس وأنشطة :
وتقام في رمضان داخل مساجد البوسنة من كل عام ، دروس وأنشطة يشارك فيها الشباب و غيرهم ممن تسمح لهم ظروفهم بالحضور ،لاسيما بين صلاتي الظهر والعصر، والعصر والمغرب حيث يتم قراءة القرآن بشكل متناوب، أي يقرأ أحدهم قدرا متفق عليه ثم يليه آخر، وغالبا ما يكون بين الحاضرين حافظ أو خبير بأحد القراءات أو أكثر لتصحيح النطق والقراءة.

أما قبل صلاة العشاء فيتم إلقاء دروس دينية تذكر المصلين بفضائل شهر رمضان وضرورة استغلاله لتدعيم أسس البناء الروحي ، وتقوية العلاقة مع الله . ويجد الشباب ضالتهم في هذه الدروس التي يعتبرونها بتعبير ألمير (24 سنة) "راحة للنفس ومجلبة للأنس، فعندما أستمع لهذه الدروس أنسى جميع همومي، وتبدو لي الحياة بحلوها ومرها ، أمر لا يستحق الانسحاق من أجله ، وإنما العيش وفق الإمكانيات، والتطلع للأفضل دون الإغراق في الأوهام، وتذكر أن الآخرة وما فيها هي محور حياة الإنسان الحقيقية ، وما الحياة سوى مرحلة لكسب ما هناك ".وقد ساهمت تلك الدروس في تحسين التزام الكثيرين سواء في رمضان أو غير رمضان.


حديث رمضان:
وقد احتفل في سراييفو مؤخرا بمؤلف جديد عن رمضان، أضيف إلى مكتبة رمضان الذي لا يزال يضفي الكثير من التجليات الثقافية والإنسانية الراقية ، وأصبح لدى الكثيرين مناسبة للتثقف من خلال ليالي رمضان الثقافية ، التي يطرح فيها ما تجيد به القرائح وتتلاقح به الأفكار. ويعد كتاب " حديث رمضان " لمؤلفيه أدهم مولا أبديتش ، ورضا بيغ كابيتانوفيتش ،والذي قدمه للجمهور سمير صاديقوفيتش ، حيث برز الكتاب كأحد أهم المحاور التي دارت حولها أحاديث رمضان في البوسنة هذه الأيام . ويضم الكتاب إلى جانب الأبعاد العبادية والروحية لرمضان تجارب عدد كبير من المؤمنين في رمضان وكيفية قضائهم الصوم وشعورهم في هذا الشهر النبيل " الذي تسمو فيه أرواح المؤمنين ،وتطغى فيه الأماني العليا ، والقربات الإلهية على كل ما هو فاني وأرضي "كما " تتجلى فيه الأفكار وتصفو فيه الأذهان التي حجبتها تخمة الشهور الماضية فيقضي الإنسان فيه يومه يفكر في الآخرة والمثل السامية ، فيكون أقرب ما يكون إلى الله سبحانه وتعالى "وينقل المؤلف عن بعض من سألهم عن شعورهم في رمضان قول أحدهم " ليس هناك شهر أشعر فيه بعمق الإيمان ولذة العبادة والسعادة لأنني مسلم مثل رمضان ". ويقول آخر "في رمضان أعظم شعائر الله وأتجنب نواهيه أكثر من بقية الشهور،وأشعر بأن الله أقرب ما يكون إلي فأخافه أكثر من أي وقت مضى ،وليس هناك شهر أذكر فيه الله وأقرأ فيه القرآن مثل رمضان ".

5/9/1430 هـ

 

المصدر: عبد الباقي خليفة - موقع المسلم
  • 0
  • 0
  • 4,455

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً