التَّعمُق والتَّعلق!
كما جرى في سنن الله أن من لم يحكم أمرا من أموره - كيف ما كان - تجده دائما متناقضا.."فإنَّ التناقض أولُ مقامات الفساد".
مما يعجب له المرء من بعض إخواننا الذين غلوا في الحكم على كثير من الفضلاء - بِغضّ الطرف عن كثير من المسائل والهنات التي وافقوا فيها من هم له مبدِّعون =مشنعون- خلل مسألة (التحمل) أو (منتزع العلم) الذي تولد منه التعصُّب والتوصُّب!
فيقول عامِّيُّهم - وأكثر الأتباع يعجبه هذا الوصف ليدخل في الورع وهو في الواقع (بارد)! -: لن أسمع لفلان حتى يشهد له (فلان) و(فلان).. بِعَدٍّ مُتناسق!
وذاك أن (فلان)! شهد له (فلان) و(فلان) .. بِعَدٍّ -كذلك ولذلك- مُتوافق!
وكما جرى في سنن الله أن من لم يحكم أمرا من أموره - كيف ما كان - تجده دائما متناقضا.."فإنَّ التناقض أولُ مقامات الفساد" كما قال شيخ الإسلام..
فإذا وقعت معه في جدال أو مناظرة - تغليبا لا حقيقة -!! وجدت هذا الأمر .. تقول له يا صاح: إن ذاك العالم لا نختلف في فضله، أو - على الأقل - لا نطيل الألسنة الحداد -بغير علم- عليه! لكنه ليس بمعصوم، ولا تغلب على فروعه بله أصوله الصواب .. فلا تحجِّر وتكشِّر ..
فإن حاججته ولم يبق معه ما يأتي به - اللهم إلا إن اختلق الرأي الخَلِق - رجع إلى أصله الذي يستدل به فصاح: إن فلان زكاه العالم الذي لا يمكنك رد فضله ولا علمه!!
ذكرني هذا بالمتأخرين من الفقهاء الذي عكفوا على مختصر لا يحيدون عنه ولا يميلون!! يقول الإمام ابن عبد البر المالكي -رحمه الله - حاكيا عنه كما في جامع بيان العلم وفضله: " وحسب أحدهم أن يقول: فيها رواية لفلان، ورواية لفلان، ومن خالف عندهم الرّواية التي لا يقف على معناها وأصلها وصحة وجهها، فكأنه قد خالف نص الكتاب، وثابت السنة، و يُجيزون حمْل الروايات المتضادة في الحلال والحرام، وذلك خلاف أصل مالك، وكم لهم من خِلاف أصول مذهبه، ممَّا لو ذكرناه لطال الكتاب بذكره، ولتقصيرهم عن علم أصول مذهبهم صار أحدهم إذا لقي مُخالفا ممن يقول بقول أبي حنيفة، أو الشافعي، أو داود بن علي، أو غيرهم من الفقهاء، وخالفه في أصل قوله، بقي متحيرا!!، ولم يكن عنده أكثر من حكاية قول صاحبه، فقال: هكذا قال فلان!! وهكذا روينا!! ولجأ إلى أن يذكر فضل مالك ومنزلته، فإن عارضه الآخر بذكر فضل إمامه، صار في المثل كما قال الأول:
شكونا إليهم خراب العرا * * * ق فعابوا علينا شحوم البقرْ
فكانوا كما قيل فيما مضى ** * أُريها السُّها و تُريني القمر !" اهــ
قلت: فكيف لو رآى زماننا، لم يحفظوا أصولا، ولا حازوا فروعا؛ إذا جئته براجح صحيح، لم تبق معه زيادة بيان، صار يخرج عينيه، ويُدورها قائلا: "فلان هل تعتقد فيه الكذب؟ أليس بثقة؟! ألم يزكه فلان؟ ألم...؟
سَـارَتْ مُشَـرِّقَةً وسِـرْتُ مُغَـرِّباً ** * شَـتَّانَ بَيْـنَ مُشَــرِّقٍ ومُغَـرِّبِ
============
كتبه ياسين الشرقاوي