خطوات الشيطان
محمد علي يوسف
مدهشة هي تلك الأنفس البشرية وتقلباتها، مدهشة ومحيرة بشكل يذهل حتى أصحاب الأنفس، انتقال من حال إلى نقيضه التام وتقلب بين خالص الخير ودركات الشر وتحول حاد من سمت إلى ما هو ضده وكل ذلك قد يحدث في مدة قصيرة جداً بل أحيانا تختلط الأحوال المتناقضة في الوقت نفسه.
- التصنيفات: تزكية النفس - الطريق إلى الله -
مدهشة هي تلك الأنفس البشرية وتقلباتها، مدهشة ومحيرة بشكل يذهل حتى أصحاب الأنفس، انتقال من حال إلى نقيضه التام وتقلب بين خالص الخير ودركات الشر وتحول حاد من سمت إلى ما هو ضده وكل ذلك قد يحدث في مدة قصيرة جداً بل أحيانا تختلط الأحوال المتناقضة في الوقت نفسه.
قال ربنا جل وعلا في سورة التوبة: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّـهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 102]، أن يصل التقلب إلى أن يطلق عليه هذا المصطلح
الخلط: إنه امتزاج عجيب بين العمل الصالح والعمل السيء وهما نقيضان لكن دهاليز الأنفس البشرية تستوعبهما
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7-8]، الفجور والتقوى: ضدان آخران يقبع أصل كل منهما في أعماق تلك الأنفس فتارة تستجيب لأصل الفجور وتارة تتزكى فتستجيب لأصل التقوى، والشيطان يرقب ذلك ويتلاعب به، قد يُبتلى الواحد منا بمعصية يذهله وقوعه فيها وقد كان بينه وبينها آماد بعيدة ومراحل عديدة وكانت تفصله عنها أسوار عالية من الخشية والورع وجدر محصنة بالتقوى والزهد والإخبات، فيتعجب فعلا ويتساءل مستنكرا غير مصدق: كيف وقعت فيها؟ أنَّى لي تجاوز كل الحوائل وطي كل تلك المسافات؟
أين ذهبت كل أسوار الخشية وحواجز الورع التي كانت تحول بيني وبين ما هو أدنى بكثير من تلك المعصية؟
والحقيقة أن دهشته سببها تغافله عن خطوة أولى خطاها متبعا شيطانه ومصدقًا وعده ومغتراً بتزيينه، خطوة خطاها ذاهلاً عما يحدث وأنه بتلك الخطوة قد وقع في الفخ وأن الخطوة سيتلوها خطوات إن لم ينتبه ويتدارك نفسه التي تتأهب للاستجابة لداعي الفجور بداخلها من خلال تلك الخطوات: خطوات سماها مولاه: خطوات الشيطان، خطوة ثم أخرى ثم ثالثة ورابعة يظل يتقدم تدريجيا دون أن تلحظ نفسه إلا البريق ولا تلتفت إلا للتزيين ورويداً رويداً تبدأ قدماه في الغوص في الوحل وهو لا يشعر بملمسه القذر على رجليه، وفجأة يفيق ليجد نفسه هنالك وقد تلطخ جسده الطاهر وتدنست روحه الورعة وغاص جسمه في وحل الخطيئة حتى كاد أن يغرق في تلك البقعة التي تؤدي إليها تلك الخطوات.
خطوات الشيطان..
فالآن يندهش وبعد كل ذلك يتعجب؟!
أما كان من الأفضل له بدلا من أن يقضي الوقت في الذهول والدهشة أن يتدارك نفسه وينفض عنها تلك الأوحال ويغادر ذلك المسار الذي رسمته الخطوات الشيطانية؟، أما آن له أن يعود أدراجه ويبحث من جديد عن أحجار ورع ولبنات خشية وملاط من تقوى ليعيد بناء أسوار تهدمت وجدر تصدعت وحواجز قد انهارت؟، أما آن له أن ينتبه لموضع قدميه وأن يحذر لكل خطوة يخطوها لعلها تقع من جديد على إحدى خطوات عدوه اللدود
خطوات الشيطان، تلك الخطوات التي حذره الله منها في سورة النور بشكل واضح قائلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21]، وفي سورة البقرة دل الإنسان على الوسيلة الأهم لنجاة النفس من الوقوع في أسر تلك الخطوات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة:208].
هذا هو الحل، معرفة أصل العداوة، إن هذه هي المشكلة الحقيقية التي إن استطاع المرء حلها لنجح في اتقاء تلك الخطوات - مشكلة عدم تذكر حقيقة العداوة الراسخة - فإن تذكر ذلك فهل يقبل عاقل أن يتبع خطوات عدوه؟
خطوات الشيطان!