كيف كانت مصر عشية 1952 ولماذا أخذ العسكر الحكم وما دور أمريكا في الانقلاب
كانت مصر عشية عام 1952 مهيئة موضوعياً للثورة، فهي محتلة من الامبراطورية البريطانية العجوز التي خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومثخنة بالجراح، وكان فساد الملك فاروق قد انتبه له أغلب عقلاء الشعب رغم محاولات الملك المستمرة للتمرد على الاحتلال البريطاني، وكان الشعب قد فقد الثقة في الأحزاب التقليدية القائمة بما فيها حزب الوفد الذى كان سابقًا له شعبية كاسحة وكان يمثل أمل الكثيرين، فأغلب الأحزاب كانت تابعة للملك واستبداده كما كانت فاسدة في نفسها، أما الوفد فقد انكشف ولاءه للاحتلال بعد حادثة 2 فبراير 1942 عندما أذل الوفد الملك بحراب الانجليز تلبية لرغبة بريطانيا العظمى، كما انكشف فساد الوفد وولعه بالسلطة بشكل مطرد منذ هذه الحادثة، هذا كله على المستوى السياسي.
كانت مصر عشية عام 1952 مهيئة موضوعياً للثورة، فهي محتلة من الامبراطورية البريطانية العجوز التي خرجت من الحرب العالمية الثانية محطمة ومثخنة بالجراح، وكان فساد الملك فاروق قد انتبه له أغلب عقلاء الشعب رغم محاولات الملك المستمرة للتمرد على الاحتلال البريطاني، وكان الشعب قد فقد الثقة في الأحزاب التقليدية القائمة بما فيها حزب الوفد الذى كان سابقًا له شعبية كاسحة وكان يمثل أمل الكثيرين، فأغلب الأحزاب كانت تابعة للملك واستبداده كما كانت فاسدة في نفسها، أما الوفد فقد انكشف ولاءه للاحتلال بعد حادثة 2 فبراير 1942 عندما أذل الوفد الملك بحراب الانجليز تلبية لرغبة بريطانيا العظمى، كما انكشف فساد الوفد وولعه بالسلطة بشكل مطرد منذ هذه الحادثة، هذا كله على المستوى السياسي.
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فقد كان 2% من الملاك يملكون 98% من الأراضي الزراعية بمصر (وكانت الأراضى الزراعية وقتها هى رأس المال الرئيس بالبلد) بينما كان 98% من الملاك يملكون 2% فقط من الأراضي، وكان القطاع المصرفي كله تقريبًا مملوكاً للأجانب وكذلك أغلب المؤسسات التجارية والصناعية الكبرى كانت مملوكة للأجانب، وكان التعليم حكرًا على من يملك المال لأن التعليم لم يكن مجانيًا، كما كانت المدارس قليلة ولم يكن هناك سوى جامعة واحدة هى جامعة القاهرة (وقتها كان اسمها جامعة فؤاد الأول) وإن لحقت بها جامعتان أخرتان للتو هما جامعة فاروق الأول (عين شمس حاليًا) والإسكندرية.
ولم تكن أحوال الصحة بأحسن حالًا فقد كانت المستشفيات نادرة، كما كانت عملية الرعاية الصحية مكلفة ولا تتم إلا لمن يملك مصاريفها وهم نسبة ضئيلة من الشعب.
نحن الآن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقد انتهت قدرة القوى العظمى القديمة بريطانيا وفرنسا (فضلاً عن ألمانيا وإيطاليا) وصعدت قوة الاتحاد السوفيتي قائد الماركسية وقوة الولايات المتحدة كقائدة للقوى الرأسمالية بالعالم، لم تعترف فرنسا وبريطانيا بتخلفهما بعد عن مصاف القوى الأولى بالعالم (سنرى أنهما لم يقنعا بالرجوع للصف التالي لأمريكا إلا بعد إنذار الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ضدهما إبان العدوان الثلاثي على مصر 1956)، وفي ظل هذا الوضع الدولي الجديد قررت الولايات المتحدة أن تنغمس بنفوذها فى أقاليم العالم المختلفة بما فيها إقليم الشرق الأوسط وبالطبع يأتي على رأس دول هذا الإقليم مصر، فجاءت بعثة من عناصر الـ CIA إلى مصر لدراسة الوضع، وكتبت تقريرها.. "شعب مصر مهيأ حالياً لثورة تطيح بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية ولا أحد مهيأ لقيادة مثل هذه الثورة سوى قوتين هما الماركسيون والإخوان المسلمون".
طبعاً الأمر كان خطيرًا للولايات المتحدة فهي في صراع كوني مع الماركسية التي يقودها الاتحاد السوفيتي، وقيام الماركسيين المصريين بالثورة معناه تحول مصر إلى النفوذ السوفيتي بما يضعف الاستراتيجية الدولية الأمريكية في صراعها مع السوفيت، كما أن الاخوان هم متطرفون بحسب التصنيف الأمريكي حينئذ فأمريكا لا تريد عودة الحكم الإسلامي بعد قضاء الغرب على السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
ووضعت المخابرات الأمريكية خطة لتلافي ثورة ماركسية أو إسلامية في مصر، وتقوم هذه الخطة على "تلميع" الملك فاروق أمام الشعب ودفعه للقيام بثورة يقودها هو ضد الأحزاب وضد أصحاب الأموال وملاك الأراضي مستخدماً ضباط جيش شباب، فيلغي الأحزاب ويصادر الأراضي ويوزعها على الفلاحين ويجعل التعليم مجانيًا، ويقوم بإصلاحات اجتماعية ضد الفقر، ويطرد البريطانيين ويحكم البلاد كملك مستبد بدعوى فساد الأحزاب (ويكون تابعًا فى السر للأمريكان طبعًا).
وحاول ضباط المخابرات الأمريكية مقابلة الملك لإقناعه بهذه الخطة وإخباره أنه بفعله هذا سيكون قد ضرب واحتوى شعارات الماركسيين والإسلاميين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويكسب تأييد الشعب وذلك كله بظل المساندة الأمريكية، ولكن الملك كان مشغولاً دائمًا بالقمار والنساء فلم يعطهم إلا موعدًا بعيدًا وعندما حان الموعد كان هذا الموعد فى ملهى ليلي كان يحب الملك السهر فيه دائمًا وهو ملهى "الأوبرج" بشارع الهرم وكان الموعد بعد نهاية السهرة أي قبيل الفجر بقليل وعندما جلس ضباط الـ CIA مع الملك وبدؤوا فى شرح الخطة له فوجئوا بأنه غط في نوم عميق وعلا صوت شخيره لأنه كان سكران "طينة"، وهنا قرر ضباط الـCIA الاجتماع مع جمال عبد الناصر ورفاقه بعد أن كانوا يماطلونه منذ فترة...
وهذه قصة أخرى سنتابعها معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله.
- التصنيف: