[111] الصور الإباحية وخطورة تناقلها
على الآباء والأمهات والأولياء أن يكونوا قريبين ممن تحت ولايتهم مصاحبين لهم؛ يتعاهدونهم بالنصيحة؛ ويوجهونهم بالرفق واللين؛ والكلمة الطيبة، مع بيان مخاطر سوء استخدام هذه التقنيات المعاصرة، وإقناعهم بذلك؛ ليكون الواحدُ منهم رقيبًا على نفسه، مراقباً لله تعالى في سره وعلنه
- التصنيفات: خطب الجمعة -
الخطبة الأولى
من نعم الله تبارك وتعالى على عباده في هذا العصر ما سخر لهم من التقنيات النافعة، وخاصة في مجال الاتصالات؛ إذ صار الواحد من الناس يحمل في جيبه هذا الجهاز الجوال الصغير؛ يختزن ما لا يحصى من المحفوظات، ويتصل به مع البعيد والقريب على حد سواء، وفيه من النفع ما لا يُحصر؛ ولكن إذا أسيء استخدامها فإن أضرارها بليغة، وعواقبَها وخيمة؛ فمنذ أن ظهرت الجوالات المصوِّرة صورًا ثابتة ومتحركة وظهرة خدمة رسائل الوسائط وخدمة (البلوتوث) والشبكة العالمية الإنترنت؛ تطور هذا الموضوع بتخزين البعض ممن ضعف إيمانهم وقل حياؤهم موادًا محرمة من قصصٍ وصورٍ ومقاطع مرئية سيئة وأخرى غنائية هابطة، وزادت المصيبة وعظمت ممن يتناقلونها وينشرونها، في سلسلة لا تنتهي من نشر الفحشاء والمنكر في المجتمع المسلم.
عباد الله إن هذا الأمر يجب أن يتداعى له الغيورون على حرمات الله تعالى ومحارم إخوانهم المسلمين؛ تذكيرًا بمخاطره، وبيانًا لأضراره، ومشاركة في علاجه؛ لئلا تجتاح البيوت والعقول؛ فهذه الشرور لا تلج من الأبواب، ولا تعيقها الحدود والأسوار، ولا مفزع منها إلا إلى الله تعالى سؤالًا ودعاء بأن يحفظنا وأهلينا ومجتمعاتنا، مع القيام بزرع الحصانة الإيمانية في قلوب أبنائنا وبناتنا وأولاد المسلمين، بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، وزجرهم بقوارع الكتاب والسنة، مع ترغيب من تلوَّث بشيء من هذه القاذورات؛ وتذكيره بالتوبة التي تَجُبُّ ما كان قبلها. فالواجب تضافر الجميع في مكافحة هذه الظاهرة السيئة؛ نصرة لدين الله تعالى، ومعذرة إليه، ودفعًا لعقوبته، وإغاظة لأهل الفساد والنفاق. وحماية لمجتمعاتنا من الضياع والانحلال.
أيها المؤمنون إن أول أضرار حيازة هذه الصور والمقاطع على من يحوزها ويشاهدها، فأضرارها عليه عظيمة: في دينه، وأخلاقه، وصحته، ونفسيته، ثم يأتي بعد ذلك أضرارُ تناقل هذه المحرمات؛ إذ بعد تخزين هذه المواد الفاسدة في الجهاز، يقوم البعض غير مكتفٍ بما حصل له من الإثم من النظر إليها والاستماع؛ فيقوم ينشرُها وربما يقدمها للغير بوجه الإهداء والإكرام؛ وكثير من هؤلاء لا يرون أن في ذلك كبيرَ خطرٍ لو أعطوها للغير، بل قد يرى بعضهم أنه لا إثم عليه في دفعها لغيره؛ بحجةِ أنه هو من يطلبها وستصله عن طريقه أو عن طريقِ غيره؛ وهذا المفهوم الخاطئ عند من يتداولون هذه المواد المحرمة كان سببًا في انتشارها، وصاروا يدفعونها إلى من يعرفون ومن لا يعرفون، وربما تبرع بعضهم بإنزالها في الإنترنت وأعلن عنها؛ ليتلقفها عنه بشـرٌ لا يعلم عددَهم إلا الله تعالى، ونسوا وغفلوا أنها والله من التعاون على الإثم والعدوان الذي حذر الله منه.
وفي هذا المقام نُذكِّر ونُنْذِر ما يترتبُ على نشر هذه المحرمات من المفاسد العديدة، ونُذكِّر هنا بثلاثِ مفاسدٍ كبرى؛ تكفي إحداها لرد مَن فَعل ذلك عن غيِّه، وإعادته إلى رشده؛ إن كان في قلبه إيمان:
المفسدة الأولى: أن من أرسل الصور والمقاطع المحرمة أو الأغاني أو غيرها من المحرمات إلى غيره فإنه يبوء بإثم صاحبه مع إثمه من غير أن ينقص من إثم من أُرسلت إليه شيء، قال الله عز وجل: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25]. قال ابن كثير رحمه الله: « أي: يصيرُ عليهم خطيئةُ ضلالهم في أنفسهم، وخطيئةُ إغوائهم لغيرهم واقتداء أولئك بهم».وهذه الموادُ المحرمة من أعظم الضلال، ومن أرسلها إلى غيره فهو يضله، ويدعوه لمشاهدة وسماع المحرم؛ ويعينه عليه؛ بل يدفعه إليه دفعًا، وقد ينتج عن ذلك: وقوعَه في بعض ألوان الفواحش.
وقال تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13]. قال مجاهد رحمه الله: "يحملون ذنوبهم وذنوبَ من أطاعهم، ولا يخففُ عمَّن أطاعهم من العذاب شيئًا".
وقال عز وجل عما يكون يوم القيامة: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}، قال ابن مسعود رضي الله عنه في معناها: "ما قدَّمتْ من سُنَّة صالحة يُعمَل بها مِن بعده ؛ فله أجر من عمل بها من غير أن يَنقص من أجورهم شيئًا، وما أخرت من سُنة سيئة يُعمَل بها بعده؛ فإن عليه مثل وزر من عمل بها ؛ من غير أن يُنقِص ذلك من أوزارهم شيئًا".
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صحيح مسلم: 2674]. وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقاً إليه".
» [فدلت هذه الآيات والأحاديث على أن من هدى غيره إلى ضلالة فهو يحمل وزرَه مع وزرِه؛ وبحسَب أعدادِ من أعطاهم هذه المواد المحرمة، وهم أعطوها غيرَهم ، بحيث تصير أعدادُهم بعد مدة أعدادًا كبيرةً جدًا، تزيد ولا تنقص بسبب التطور الهائل في وسائل الاتصال.
والعاقل تكفيه ذنوبه؛ فكيف يرضى أن يهلك نفسه بحمل أوزارٍ من أفعال الآخرين، وبأعدادٍ مهولة تزيد بتقدم الأيام؟ فلو لم يكن في تبادل هذه المواد المحرمة إلا هذه المفسدة لكانت كافية في امتناع كلِّ مَن عِنده ذرةٌ من إيمان؛ وعقلٍ يعقل به؛ عن إعطائها لغيره مهما كان قريبًا إليه، أو عزيزًا عليه .
المفسدة الثانية: أن في إعطاء هذه المواد المحرمة للغير مجاهرةً بالذنب، وخروجًا من المعافاة التي يُحرَم منها المجاهرون .
عباد الله؛ إن من نعمة الله ـ تعالى ـ على العاصي أن يسترَه ربُـه، فلا يفتضحُ أمرُه أمام الناس، فهو أقرب إلى التوبة والعفو والمغفرة، وخاصة مع اغتساله بالمكفرات كالصلاة والاستغفار وغيرها، أما من ينشر هذه المحرمات فهو مجاهر بعصيانه؛ حري أن لا يعافى في الدنيا من عقوبة الله؛ ومن هذه العقوبة استمراره في غيِّه وغفلته ليزداد إثمًا؛ وحري أن لا يعافى من العقوبة في الآخرة.
فتناقل هذه المحرمات نذير شؤم على أصحابها قبل مجتمعاتهم؛ فيُخشى عليهم الحرمان من المعافاة في الدنيا والآخرة؛ مما ينذر بسوء الخاتمة لهم، وشؤم العاقبة عليهم . قال رسول الله صلى الله عيه وسلم يقول: «البخاري: 6069]، قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "المجاهرون الذين يجاهرون بالفواحش ويتحدثون بما قد فعلوه منها سراً، والناس في عافيةٍ من جهة أنهم مستورون ؛ وهؤلاء مفتضَحون".
» [صحيحاللهم عافنا واعف عنا، واغفر لنا وتب علينا،إنك أنت التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
المفسدة الثالثة: إن في تناقل الصور والمقاطع الإباحية المحرمة إشاعةً للفاحشة في الذين آمنوا؛ وقد قال الله تعالى: { إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور: 19] ، قال ابن القيم رحمه الله: "هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها ؛ فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها؟ط. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " كل عمل يتضمن محبةَ أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا داخلٌ في هذا، بل يكون عذابه أشد؛ فإن الله قد توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة؛ بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وهذه المحبة قد لا يقترن بها قول ولا فعل؛ فكيف إذا اقترن بها قول أو فعل؟! بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة، والقذف بها، وإشاعتها في الذين آمنوا".
عباد الله، إن من ابتلي بهذه القاذورات فلا أقل من أن يستتر بستر الله تعالى عليه، وليكثر من الاستغفار وليجاهد نفسه ليتوب إلى الله، ولا يكونُ عوناً للشيطان على إخوانه المسلمين، وليقصرْ هذا الإثم على نفسه ولا يعدِّيه إلى غيره فمن فعل ذلك رُجيت له التوبة والمعافاة .
ومن وقع في نشر هذه المحرمات فليبادر بالتوبة النصوح إلى الله؛ الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وهو سبحانه يفرح بتوبة عبده، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، ولينصح ويحذر من يعرف ممن لا زالوا في نشر هذه المحرمات؛ وليجتهد كما نشر هذه المحرمات فيما مضى أن ينشر الدعوة إلى الخير؛ لعل الله أن يتجاوز عنه.
وعلى الآباء والأمهات والأولياء أن يكونوا قريبين ممن تحت ولايتهم مصاحبين لهم؛ يتعاهدونهم بالنصيحة؛ ويوجهونهم بالرفق واللين؛ والكلمة الطيبة، مع بيان مخاطر سوء استخدام هذه التقنيات المعاصرة، وإقناعهم بذلك؛ ليكون الواحدُ منهم رقيبًا على نفسه، مراقباً لله تعالى في سره وعلنه، مع تحصينهم بالدين القويم، وملء قلوبهم بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبُغض ما يبغضه الله ورسوله، مع تقليل وسائل الشر والفساد قدر الإمكان، وتحصين البيوت منها، وإيجاد البدائل النافعة، وإشغالهم بما يعود عليهم بالنفع عاجلاً وآجلاً .
اللهم أصلحنا وذرياتنا ومجتمعاتنا، واكفنا الفتن.