الفنّان والمشاهد ورمضان
يسري صابر فنجر
تآمر المنتج والكاتب والمخرج أن يجعلوا الفنان وسيلةً لاستغلال
المُشاهد بتزيين الجريمة له وتزيين المنكر له وضياع وقته ولحظاتٍ بل
ساعاتٍ ثمينةً في حياته خصوصاً في رمضان، أسكروا المُشاهد فيها بقوّة
الجريمة وفتك الدراما وحبكةٍ أكثر إثارة ينتظرها في حلقة
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
تآمر المنتج والكاتب والمخرج أن يجعلوا الفنان وسيلةً لاستغلال المُشاهد بتزيين الجريمة له وتزيين المنكر له وضياع وقته ولحظاتٍ بل ساعاتٍ ثمينةً في حياته خصوصاً في رمضان، أسكروا المُشاهد فيها بقوّة الجريمة وفتك الدراما وحبكةٍ أكثر إثارة ينتظرها في الحلقة القادمة، والعجيب أن المُشاهد وهو يناظر الجريمة والقصّة والحكاية والرواية هو واقعٌ تحت جريمةٍ وقصّةٍ وحكايةٍ وروايةٍ بدأ بها الكاتب وقت أن وضع خطّة الجريمة (كتابة المسلسل والفيلم والمسرحية ...إلخ) أو سرقها من الإعلام الأجنبي! إنّهم يخاطبون عواطف المشاهد ويثيرونه ليتعاطف مع ما يعرض أمامه الفنّان من جريمة يؤجّج بها الغرائز ويشوّه بها الدّين وينال من الشّخصية التاريخية التي ضُرب بها المثل في العبادة والتقوى والورع والقيادة في أحضان امرأة لا تمتّ له بصلة، أو صلة وهميّة يعلم المشاهد منها أنّها غريبة عنه، فالفنّانة الكاشفة لشعرها وخصرها وذراعيها بملابس نومها تمثّل العفيفة الطّاهرة زوجةً لتلك الشّخصية أو أماً أو أختاً .... في مَشاهد لو عُرضت على المُشاهد في الشارع لعفّ المسلم نظره عنها، فضلاً عن أن يأتي بأولاده وأقاربه ليشاهدوها في مشهدٍ يوميٍّ يُذاع، ولأنكره أشد الإنكار، ثم يزعم الفنّان أنّه صاحب رسالةٍ وهدفٍ، حتّى الرّاقصة تدّعي ذلك!
رسالتك أيّها الفنّان رسالة الشّيطان إبليس وأعوانه { لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا. يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [ النساء:118ـ 120] ثمّ يأتي الفنّان في مواسم العمر العباديّة رمضان، وقد صُفّدت من يحمل رسالتهم (الشياطين) فيحمل عنهم الرّاية ويفوقهم.
وكنت امرءاً من
جند إبليس فارتقى *** بي الحال حتّى صار إبليس من جندي
أيّها الفنّان حديثي باختصارٍ أكثر شفافيةً وأكثر وضوحاً وأكثر واقعيةً، لكنّها القصّة بكاملها والحكاية بأدوارها.
فرسالة الفنّان هدمٌ للمبادئ والقيم والأخلاق، هدمٌ لفِطَرِ النّاس التي فُطر النّاس عليها ومسخٌ لها، رسالة الفنّان تأجيجٌ للمشاعر والغرائز والشّهوات التي تخالف الشريعة، وتحت زعم الحريّة وعدم الكبت يجعلون المشاهد أو يؤهّلونه لسيلٍ من الشّهوات الحيوانية والغرائز الغابيّة.
أيّها الفنّان والكاتب والمخرج والمنتج لقد قال ربنّا: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور:19]
أيّها الفنّان لك أسوةٌ فيمن اعتزل من إخوانك، أيّتها الفنانة لك أسوةٌ فيمن اعتزلت من أخواتك، اجلسوا إليهم واسألوهم لماذا اعتزلتم؟
أيّها الفنّان لا تستهزئ في فنّك بعباد الله الصّالحين فتصورهم كأنهم بُلهاء حمقى مغفّلون، إيّاك يا فنان والتعدّي على عباد الله الصّالحين أو سنن الله في خلقه أجمعين.
أيّها المُشاهد لك من النّصح جانبٌ، فإيّاك ثمّ إيّاك أن تكون ديّوثاً ترى المنكر في أهلك يشاهدونه ليلاً ونهاراً ولا تنهاهم بل أنت من جلبه لهم....!
أيّها المُشاهد ليست المسلسلات والأفلام والمسرحيات وغالب البرامج بصورتها الحالية مجالاً للتسلية والترويح، بل هي أفكارٌ تتعلّق بك وبأهلك وأولادك وتربيهم عليها أفكار مزيّنة هدّامة خبيثة { وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا } [الأعراف:58]، أبعد عن بيتك تلك المشاهد ولك في الترويح بالحلال سعة.
أمّا رمضان فلا مجال فيه للتسلية والترويح، فسلفنا الصّالح كانوا يتركون دروس علمهم على ما فيها من خيرٍ ليتفرّغوا للعبادة في رمضان (صيام وقيام وعبادة وتسبيح وصدقات وتلاوة للقرآن...) أمّا رمضان الذي نعيش فيه وحالنا فيه فيحتاج إلى استنفار عام، فهذا موسم كلّ عام وكم ضيّعنا من أعوام {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج:32]
أيّها المُشاهد أما وقد علمت خبث الرّسالة التي تستهدفك عبر الأثير فالقرار لك، فكم شاهدت وكم ضيّعت، فاغتنم ولا تكثر سواد هؤلاء، وفرّ إلى ربّك قبل فوات الأوان وانجُ بنفسك.
وهذا كلامٌ لابن القيّم رحمه الله يحدثك به فأصغ له واقرأه بتمعّن: "تكون القوّة والغلبة لداعي الهوى فيسقط منازعه باعث الدّين بالكليّة فيستسلم البائس للشيطان وجنده فيقودونه حيث شاءوا وله معهم حالتان: إحداهما: أن يكون من جندهم وأتباعهم وهذه حال العاجز الضّعيف، والثانية: أن يصير الشّيطان من جنده وهذه حال الفاجر القويّ المتسلّط والمبتدع الدّاعية المتبوع، كما قال القائل:
وكنت امرءاً من
جند إبليس فارتقى *** بي الحال حتى صار إبليس من جندي
فيصير إبليس وجنده من أعوانه وأتباعه، وهؤلاء هم الذين غلبت عليهم شقوتهم، واشتروا الحياة الدنيا بالآخرة وإنّما صاروا إلى هذه الحال لما أفلسوا من الصّبر، وهذه الحالة هي حالة جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وجند أصحابها المكر والخداع والأماني الباطلة والغرور والتسويف بالعمل وطول الأمل وإيثار العاجل على الآجل، وأصحاب هذه الحال أنواع شتى :
فمنهم المحارب لله ورسوله، السّاعي في إبطال ما جاء به الرّسول، يصدّ عن سبيل الله ويبغيها جهده عوجاً وتحريفاً ليصدّ النّاس عنها، ومنهم المُعرض عما جاء به الرّسول المُقبل على دنياه وشهواتها فقط، ومنهم المنافق ذو الوجهين الذي يأكل بالكفر والإسلام، ومنهم الماجن المُتلاعب الذي قطع أنفاسه بالمجون واللّهو واللّعب، ومنهم إذا وُعظ قال واشوقاه إلى التّوبة ولكنّها قد تعذرت عليّ فلا مطمع لي فيها، ومنهم من يقول ليس الله محتاج إلى صلاتي وصيامي وأنا لا أنجو بعملي والله غفورٌ رحيم، ومنهم من يقول ترك المعاصي استهانة بعفو الله ومغفرته:
فكثّر ما استطعت
من الخطايا *** إذا كان القدوم على كريم
ومنهم من يقول ماذا تقع طاعتي في جنب ما قد عملت، وما ينفع الغريقَ خلاصُ أصبعه وباقي بدنه غريق، ومنهم من يقول سوف أتوب وإذا جاء الموت ونزل بساحتي تبت وقُبلت توبتي، إلى غير ذلك من أصناف المغترّين الذين صارت عقولهم في أيدي شهواتهم فلا يستعمل أحدهم عقله إلا في دقائق الحيل التي بها يتوصّل إلى قضاء شهوته، فعقله مع الشّيطان كالأسير في يدِ الكافر يستعمله في رعاية الخنازير وعصر الخمر وحمل الصليب" ا.هـ بتصرف.
نسأل الله أن يحبّب إلينا الإيمان ويزيّنه في قلوبنا ويكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ويجعلنا من الرّاشدين فضلاً منه ونعمة ونصلّي ونسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن اتّبعهم بإحسان إلى يوم الدين.