أحسن فيما بقي
رمضان كالعمر قصير سريع الانقضاء، والعاقل من أنفقه فيما يبقى ولم ينشغل حتى أنقضى وندم حيث لا ينفع الندم. أحياناً في منتصف العمر أو قبل ذلك أو بعده يصحو الإنسان فجأة من غفلته فيكتشف أنه أضاع وقتا طويلاً فيما لا ينفع فيا ترى ماذا ينبغي أن يفعل؟
رمضان كالعمر قصير سريع الانقضاء، والعاقل من أنفقه فيما يبقى ولم
ينشغل حتى أنقضى وندم حيث لا ينفع الندم. أحياناً في منتصف العمر أو
قبل ذلك أو بعده يصحو الإنسان فجأة من غفلته فيكتشف أنه أضاع وقتا
طويلاً فيما لا يغنى ولا ينفع ولا يشفع له عند ربه فيا ترى ماذا ينبغي
أن يفعل؟
أيصيبه الإحباط واليأس ويشعر ألا أمل، فيقتل الرجل رقم مائه؟ أم يصر
على التوبة فيرى مولاه منه رغبة صادقه فيدله على أعلم أهل الأرض
فيعطيه الأمل ويدله على الطريق؟
مر من رمضان الثلث وبقى الثلثان والناس في الذي مر من رمضان أصناف
لكنهم ينبغي فيما بقى أن يكونوا صنفاً واحداً.
صنف واحد نادم على التقصير والتفريط -لأنه ما من أحد مهما بلغ إلا وهو
له من التفريط نصيب- وعازم على أن ينتفض ويعوض ما فات وأن يحقق فوق ما
تمنى من الأمنيات.
وعظ الفضيل بن عياض رجلا موعظة بليغة أنخلع منها فؤاد الرجل فقال
للفضيل وما العمل يا أبا على؟
فقال: أحسن فيما بقى يُغفر ما قد مضى.
نعم أخي في التفريط، أحسن فيما بقى من رمضان تعوض ما فات فيه من
تقصير؟
أخي في التقصير لا تيأس من كثرة ما تعاهد ربك وتخلف.
لا تيأس ولكن استحى من ربك. نعم آن الأوان أن تستحي وأن تجعل هذا
الحياء وقوداً يدفعك للطاعة ويحجزك عن المخالفة.
أخي في تضييع الثلث الأول، لا تيأس بل قم وانتفض وقل فى الإمكان أفضل
مما كان بإذن المنان.
لا تنظر خلفك بل أنظر أمامك، نعم أمامك، وما فات من رمضان اعتبره مات،
نعم فربك الكريم يمحو بالتوبة السيئات. إياك أن يهزمك الإحباط نتيجة
إخفاقك في العشر الأوائل اعتبر أن الأيام الباقية هي رمضان وأنك في
أول ليلة، صدقني أنت لا تحتاج إلا إلى ليلة واحدة تكتب فيها من
العتقاء، ليلة واحدة، سجدة واحدة ثم تمر ثم تفوت ثم تقفز القنطرة
وتكون على الناحية الأخرى مع الناجين، يالله.
إن كنت عاهدت ربك على ترك التدخين ودخنت فلا بأس عليك أبذل عهداً
جديداً ولا تدخن، وإن كنت عاهدت ربك على ترك المسلسلات ووقعت فريسة
لها فلا بأس عليك إن شاء الله طلقها فيما بقى أيا كان ما كان فما زال
في الإمكان أفضل مما كان.
أمامك عشر ليالي وما أدراك ما العشر الأواخر، بل أمامك ليلة القدر
فلماذا اليأس ولماذا الاستسلام؟
هيا قم فقاتل قتال من يعرف فضائل ما بقى من هذا الشهر، قاتل قتال من
يعرف أنه ويل لمن أدرك هذا الشهر فلم يغفر له.
جدد نيتك وأشحن بطارية همتك ثم قم الليلة في الثلث الأخير من الليل
توضأ وضوءاً سابغا وتزين بأحسن ثيابك وتعطر وصف قديك بين يدي مولاك،
قم كما لم تقم من قبل واركع كما لم تركع من قبل واسجد كما لم تسجد من
قبل وناجى ربك كما لم تفعل من قبل، هذا هو مفتاح الخلاص وسر النجاة
وغاية التوفيق ونهاية المراد.
قم وتملق مولاك فآه لو أخذ بيدك ورزقك التوفيق فأنت أنت، قم فلن تنجح
إلا إذا أقامك ولن تنجو إلا إذا أخذ بيدك، قم واطرح نفسك على بابه وقل
يا بر يا ودود يا رحيم، قم وأعتذر عن جنايتك وتب مما بدر منك.
قل له: عبادك سواي كثير ولا رب لي سواك خذ بيدي واجبر كسرى.
قل له: سيدي وإلهي ومولاي أغالب نفسي فتغلبني وأصارعها فتصرعني فأعنى
عليها، قلبي بيدك فحببه في طاعتك وبغضه في مخالفتك، نفسي أنت مالكها
فاصرفها إلى عبادتك وأعنى فيما بقى من رمضان على أن أكون كما تحب
وترضى، بلغني ليلة القدر وأعتق رقبتي من النار وارزقني حلاوة الصيام
والقيام والقرآن، إن لم تأخذ بيدي أهلكتني وإن وكلتني إلى نفسي فقد
وكلتني إلى ضعف ونقص وخطيئة فلا حول ولا قوة إلا بك، أناجيك في
الصلوات وأنا أعصيك في الخلوات فما أعظم جنايتي وما أعظم حلمك، أدعوك
عند الحاجات وأنساك عند الشهوات فما أعظم لؤمي وما أوسع فضلك.
هيا أخي الكريم ففي الإمكان أفضل مما كان بإذن الرحمن.
خالد الشافعي
[email protected]
- التصنيف: