الكنيسة في لعبة السياسة وحرب الفساد الخلقي
ملفات متنوعة
هل تذكرون ذلك الحادث الذي وقع لبابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر في
ذكرى ميلاد المسيح عليه وعلى نبينا السلام، عندما هاجمته امرأة نهاية
ديسمبر 2009 م وأسقطته أرضا إلى جانب آخرين، وهو مشهد بثته معظم
القنوات الفضائية في العالم؟
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
هل تذكرون ذلك الحادث الذي وقع لبابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر في
ذكرى ميلاد المسيح عليه وعلى نبينا السلام، عندما هاجمته امرأة نهاية
ديسمبر 2009 م وأسقطته أرضا إلى جانب آخرين، وهو مشهد بثته معظم
القنوات الفضائية في العالم. وكان بابا الفاتيكان قد تعرض للسقوط
وأصيب برضوض في الرجلين واليدين أكثر من مرة ونقل للمستشفى، كما حدث
في منتصف يوليو 2009 م. إذ كان منا من يذكر ذلك فليعد قليلا لبضعة
أسابيع عندما هاجم أحدهم رئيس الوزراء الايطالي سلفيو برلسكوني وأدمى
وجهه بلكمة قوية، مما استدعى نقله إلى المستشفى.
قبل الحادثتين دار جدال طويل بين الكنيسة من جهة، وبرلسكوني وأطراف
أخرى لها منطلقاتها الخاصة، وصل إلى حد الحملات الإعلامية من الطرفين
وتبادل الاتهامات بالشذوذ الجنسي. ليس ذلك فحسب بل أن الخلافات
والصراعات لا تزال محتدمة داخل جميع الكنائس الكاثوليكية، ولاسيما في
الفاتيكان، والبروتستانية، (بريطانيا) والأرثوذوكسية (مصر، روسيا،
صربيا اليونان...) ففي 24 يونيو 2009 كشفت مجلة "بانوراما" الإيطالية
الأسبوعية أن "أجواء الفاتيكان مشحونة" وأن هناك "تحركات لانتخاب بابا
جديد" وأن هناك تنافسا على المنصب بين رئيس مجمع العقيدة والإيمان
الكاردينال جوزيف ليفادا (أمريكا) ورئيس مجمع العبادة الإلهية،
أنتونيو كانيساريس (أسبانيا) وبين وزير ورئيس دولة الفاتيكان السابق
الكاردينال أنجلو سودانو (إيطاليا) وسكرتير الخارجية السابق في
الفاتيكان الكاردينال ستانسلاو تشيفيس (بولندا).
جرائم الشذوذ الجنسي:
الصراع بين الكنيسة وأنصارها، والأطراف الأخرى في المجتمع الغربي لا
يزال محتدما ومستمرا بقوة، رغم عدم ظهوره في أغلب الأحيان على السطح
وهو صراع مجتمعي في الأساس يأخذ في معظم الأحيان بعدا سياسيا وثقافيا
وأخلاقيا، والعكس صحيح، أي إنه صراع سياسي بأبعاد اجتماعية وثقافية
وأخلاقية. وهذا ما يعكس أيضا القلق الكنسي من انتشار الإسلام ليملأ
الفراغ الأخلاقي في البنية الحضارية الغربية، بعد أن انغمس قادة
الكنيسة في الدعارة والشذوذ مما أدى على حد وصف أسقف، روشستر، "انحدار
شديد في مستوى تأثير النصرانية على المجتمع، وفشل زعماء الكنائس في
مواجهته بعد ذلك" ويصف أسقف "روشست" الوضع كما هو "ذاب ضمير المسيحي
وتفككت العائلة، وارتفعت معدلات تعاطي المخدرات والكحوليات، بجانب
العنف الذي لا عقل له، والذي صار يملأ الشوارع" ويتساءل البعض عما
يمكن أن تقدمه النصرانية، والوضع كما وصفه ذلك الأسقف الذي يعد متطرفا
في طلاسمه. لاسيما بعد فضائح الشذوذ الجنسي التي لا تزال ترتكب وتنتشر
روائحها النتنة العفنة في كل مكان. ففي أيرلندا القريبة من بريطانيا
خلصت لجنة تحقيق حكومية إلى أن الأطفال الذين عاشوا في مؤسسات كانت
تديرها الكنيسة الكاثوليكية في البلاد عانوا من رعب يومي بسبب
الاستغلال الجنسي لرجال الكنيسة لهم. وذكر التقرير أن العقاب الجسدي
في مدرسة، أرتاني، التي تديرها مجموعة "الإخوة المسيحيين" يشعر
الأطفال بالخوف باستمرار وأنهم تحت التهديد "وأشار التقرير إلى أن
الممارسات الجنسية الشاذة لم تكن حوادث معزولة، أو قام بها شخص واحد،
وإنما كانت عادة يومية استمرت 14 عاما. وفي مدرسة القديس يوسف في
ترالي، غرب أيرلندا ظل أحد الرهبان يرعب الأطفال ويرهبهم أكثر من 7
سنوات. وقالت لجنة التحقيق إن الإيذاء الجنسي كان "وباءا متوطنا"
بمدارس البنين التي يديرها الرهبان. وأن "الإيذاء الجنسي للأطفال
بالمدارس التي تديرها الكنيسة والرهبان مشكلة مزمنة". وذكرت صحيفة
أيريش تايمز، أن التقرير تم انجازه بعد نحو تسع سنوات من التحقيق
برئاسة القاضي شون رايان، وانتقد التقرير الذي نشرته لجنة مكافحة
الإيذاء الجنسي للأطفال "الإخوة المسيحيين" و"راهبات الرحمة" مشيرا
إلى أن "الأطفال عاشوا في رعب يومي". ويمكن ضرب مثال بالراهب أوليفير
شانتي في مونيخ والذي ثبت أنه اغتصب 4 أطفال 314 مرة، وفر إلى
سنغافورة ثم أسبانيا ففرنسا واعتقل في البرتغال التي سلمته لبلده
ألمانيا. وضحاياه اليوم يبلغون من العمر 19، و18، و20، و21 سنة. وكان
متزوجا في السر وهو يمارس الكهانة وأعلن عن أنه أب لابن لأن الأخير
كان يرغب في ذلك.
لقد أدت جرائم الكنائس إلى انفضاض الناس عنها، وجعلها عرضة للبيع،
والتأجير، وإضراب الكهنة عن الطعام. فقد أقدم كاهن بلدة كامبيغو (شمال
إيطاليا)، ايروس ماريو على الإضراب عن الطعام لأن الناس لا يحضرون
قداس الأحد لديه. بل إن أسقفا أنجيليكانيا يقر بأن "بريطانيا لم تعد
دولة مسيحية" وقال: "إن كنيسة انجلترا ربما تنقرض في غضون 30 عاما من
الآن" وأوضح الأسقف، بول ريتشاردسون أن "تدني أعداد مرتادي الكنائس،
وازدياد أعداد المنحدرين من ثقافات متنوعة معناه أن بريطانيا ماتت"
وأن "الكنيسة فقدت ما يربو على عشر روادها المواظبين بين 1996 و2009،
حيث انخفض عددهم من أكثر من مليون شخص إلى 500 ألف". وتشهد الكنيسة
البروتستانية كتلك الكاثوليكية فسادا في أعلى هرمها مثل الأسقف
توميسلاف فلاجيتش، الذي مارس الجنس مع راهبة تعمل في كنيسة كاثوليكية
تدعى دفيتسا ماريا.
ومن البروتستانتية، إلى الكاثوليكية التي عرفت كنائسها أفظع
الاعتداءات الجنسية بحق عشرات الآلاف من الأطفال في القارات الخمس،
مما حدا ببابا الفاتيكان الحالي إلى تقديم اعتذار رسمي أثناء زيارته
لأمريكا، وقد كتبنا عن ذلك في حينه (جرائم الشذوذ الجنسي تحت أستار
الكنائس).
ولذلك لم تلق دعوة بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر للهوية المسيحية
الاستجابة الكاملة، وكنيسته غارقة في أوحال الرذيلة، فقد حذر في خطاب
سابق له الأوروبيين من انحسار ما وصفها بالهوية المسيحية في ظل انخفاض
معدل المواليد، وزيادة عدد المهاجرين المسلمين (وهي إستراتيجية يغلفها
بتكتيك الدفاع عن المهاجرين، بمكيافيلية منحطة، ونفاق مقرف) مطالبا
بضرورة تأكيد الهوية المسيحية لأوربا خاصة وأنها تعاني من هجر الطقوس
الكنسية وقلة المواليد وثقافة تجاوزت السيطرة، على حد تعبيره. وقال:
"إن مستقبل أوربا كئيب وينذر بالخطر خاصة إذا لم تنجبوا الأطفال
وتقيموا شريعة الرب". وذلك مع ارتفاع نسبة غير المؤمنين ففي إيطاليا
تتعادل نسبة (المؤمنين) وفق تعريف الكنيسة والملحدين وهي 25 في
المائة، حسب مجلة فوكوس، بتاريخ 29 مارس 2009 م. وقد عرض بابا
الفاتيكان نفسه للسخرية من قبل الكثير من الأطراف، حتى من "المثليين"
الذين لاحظوا حال الكنيسة الغارقة في الشذوذ، وإعلان رأسها بأنه يناهض
"المثلية" الجنسية. ومن ذلك ما ذكرته صحيفة الاندبندنت البريطانية على
لسان الممثلة الكوميدية الايطالية من أن "بابا الفاتيكان سيدخل جهنم
على سوء معاملته للشواذ" وهو ما سيعرضها للعقوبة القانونية لأن نقد
بابا الفاتيكان جريمة يعاقب عليها القانون، وليست حرية تعبير؟!!
الكنيسة والسياسة:
تبحث الكنيسة عن دور سياسي من خلال التحالف مع بعض الأنظمة الحاكمة
المستبدة، لتحقيق أهدافها التكتيكية، كما تتحالف مع الحكومات اليمينية
المتطرفة، والأحزاب القومية الشيفونية في الغرب، والمهووسين بالصراع
الحضاري ضد الإسلام. مثل ما أعلنه بابا الفاتيكان في زيارته المشئومة
لمنطقة الشرق الإسلامي حيث أعرب عن "شكره للرب لامتلاك اليهود أرض
أجدادهم". وفي المقابل هناك من الأحزاب في الغرب من يضرب على وتر
التحالف مع الكنيسة من أجل تحقيق شعبية توصله إلى سدة الحكم. وقد حقق
الفاتيكان بعض المكاسب، مثل الإبقاء على الصلبان داخل مؤسسات الدولة
والمستشفيات والمدارس، بعد التقدم بطلب لإزالتها لأن فيها غير
النصارى.
لكن الفاتيكان لم ينجح في كل سياساته، ولم يستطع تمرير كل مقترحاته
مثل المطالبة بتضمين الدستور الأوروبي إشارة إلى النصرانية، كما لم
تنجح كل تحالفاته. ويعد رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني أحد
السياسيين الذين تحالفوا مع الكنيسة، وكال أثناء زواج المصلحة مع
الفاتيكان الاتهامات للإسلام لإرضاء الكنيسة، ولكن ذلك التحالف لم يدم
طويلا، فقد رأت الكنيسة النأي بنفسها عن برلسكوني بعد أن توالت
مغامراته الجنسية، وفضائحه مع فتيات صغيرات. ليس ذلك فحسب بل انخرطت
في مهاجمته، وهو ما دفع برلسكوني للرد بالمثل وأطلق العنان
لإمبراطوريته الإعلامية لمهاجمة الكنيسة ورموزها، معتبرا الاتهامات
التي وجهت له بأنها "شائعات وظف فيها الخيال والتلفيق بشكل مزور بعيد
عن الحقيقة" لكنه عاد واعترف بشكل ساخر، "ماذا نفعل، نحن نحب النساء،
ولسنا شواذا جنسيا" في إشارة لفضائح الكنيسة. وكتبت صحيفة "جورنالي"
التي يملكها مقالا اتهم رئيس تحرير صحيفة "أفينري" التي يصدرها مجلس
الأساقفة بالشذوذ الجنسي. وأنه من أنصار "المثلية الجنسية". وكانت
صحيفة "افنيري" قد انتقدت برلسكوني وشنعت على علاقاته النسائية، وما
نشر بالصور والفيديو عن حياته الماجنة. وقال برلسكوني (73 سنة) وهو
يلحن على الكنيسة "ماذا نفعل، نحب النساء، ولسنا شواذا جنسيا" في
إشارة إلى فضائح الكنائس مع الأطفال تحت أستار الكنائس، أو جسد
المسيح) حسب تخرصهم، وفقا لبولس. وقال برلسكوني "الإيطاليون يحبونني
كما أنا".
التحالف والصراع داخل الكنيسة، وبينها وبين الجهات السياسية، وصل إلى
ألمانيا، حيث هاجمت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، بابا الفاتيكان
شخصيا بسبب إنكار أحد المحسوبين عليه، ريتشارد وليامسون لما يعرف
بالمحرقة. وانتقدت بشدة موقف الفاتيكان من الزواج، مما جعل منسوبيه
يميلون لـ"المثلية" الجنسية والاعتداء على الأطفال داخل الكنائس.
وطالب رئيس أساقفة كولونيا الكاردينال، يواخيم مايسنر، المستشارة
الألمانية بالاعتذار من بابا الفاتيكان.
الحرب السياسية التي تخوضها الكنيسة، وجه معظمها لصد تقدم الإسلام، بل
لتعطيل أحكامه. ومن ذلك الوثيقة التحضيرية للمؤتمر الكنسي العام
لأساقفة الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط، والذي سيعقد في أكتوبر
القادم. والذي يسمح للكنيسة بالتدخل في الشئون الداخلية للمنطقة
الإسلامية، والبحث لها عن دور من خلال محاولة الهيمنة على نصارى
الشرق، في حين تبدي انزعاجها من خلط المسلمين الدين بالسياسة على حد
تعبير الوثيقة. وكان أحد مستشاري بابا الفاتيكان، والذي يترأس المجلس
البابوي لحوار الأديان، قد طالب المسلمين بإلغاء الجهاد. ونقلت صحيفة،
الجارديان، البريطانية عن توران قوله: "بينما يدين أغلب علماء الإسلام
الأعمال الإرهابية، فإنهم في حاجة ليتخذوا موقفا أكثر وضوحا بشأن
الجهاد الذي تكرر ذكره كثيرا في القرآن الكريم". وهو ما يعني أن يتخلى
المسلمون عن الدفاع عن أنفسهم في وجه الغزو. فالجهاد أوسع من كلمة
القتال، ومنه جهاد النفس ومنعها عن الظلم والسقوط في الرذيلة، وهو ما
تحتاجه كنيسته بداهة.
8/2/1431 هـ