هل تثاب الحائض كالمريض؟
أم هانئ
قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: ويتوجه أن وصفه لها عليه السلام بنقصان الدين بترك الصلاة زمن الحيض، يقتضي أن لا تثاب عليها.
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
حاضت إحدى الأخوات في العشر الأواخر من رمضان؛ فبكت لأنها حرمت القيام والصيام !!
وحين التقت بعض الأخوات صرحت بأنها تخشى أن تكون من المحرومات.
- فقالت إحداهن تواسيها: لك أجر كل عبادة مُنعتِيها، واستدلت بأقوال بعض أهل العلم على أن الحائض كالمريض،قالت: بعضهم كذا يقيس، واستشهدوا بالحديث: « » ( صحيح البخاري رقم : [2996] ).
- وكنت حاضرة فقلت مستنكرة: هذا القياس ليس موافق فثمة أخيتي فارق !!
- قالت مستفسرة: وما الفارق في تلكم المسألة ؟
- قلت: الحائض متعبدة بترك بعض عبادتها، آثمة هي إن فعلتها، بينما المريض يترك بعض العبادات مترخصا، وإن فعلها فليس آثما.
- قالت: ربما قاسوها على المعذور الذي إن ترك لعذر لم يحرم من الأجور، والعذر أوسع من المرض؛ فيصح القياس مع هذا الفرض ؟
- قلت: يظل العذر مانعا للفعل: فالمعذور مطالب بالعبادة، بينما الحائض فرضها الترك يا سادة !
وأنهينا النقاش دون مجادلة متواعدات على أن نبحث المسألة، ولم أكن قرأت حول تلكم المسألة قبلا، حتى بحثت عنها يوما، فرزقني الكريم -سبحانه-فيها رزقا:
" وأما هل تثاب الحائض زمن الحيض على ما كانت تعمله من عبادات أيام طهرها، ومنعت منه بسبب الحيض؟
فجوابه أن بعض العلماء قد أخذوا من حديث: إذا مرض العبد أو سافر ... أنها تثاب.
وقد دلت الأدلة على أن ثواب المعذور ليس محصورًا في المرض، أو السفر، بل بوجود العذر المانع؛ ففي الحديث: إن أقوامًا بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبًا، ولا واديًا إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر.
والعذر أعم من المرض؛ فإن في المدينة أناسًا تخلفوا لعدم وجود نفقة يتمكنون بها من الخروج للجهاد وهم أصحاء، كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:91]. ومع هذا فهم مثابون، وكذا جاء في الحديث: من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه. رواه مسلم.
قال عياض: هذا يدل على أن من نوى شيئًا من أفعال الخير، ولم يفعله لعذر يكون بمنزلة من عمله. اهــ.
ورد هذا القول آخرون مستظهرين أنها لا تثاب.
قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لحديث: إذا مرض العبد أو سافر: أخذ من الحديث أن الحائض، والنفساء تثاب على ترك الصلاة في زمن الحيض قياسًا على المريض، والمسافر، ورُد بالفرق بأن المريض أو المسافر كان يفعلها بنية الدوام، مع أهليته لها، والحائض غير ذلك، بل نيتها ترك الصلاة في وقت الحيض، بل تحرم عليها نية الصلاة زمن الحيض، وإن كانت لا تقضيها. اهــ.
وقال النووي في شرح مسلم: فإن قيل فإن كانت معذورة، فهل تثاب على الصلاة في زمن الحيض، وإن كانت لا تقضيها، كما يثاب المريض، والمسافر، ويكتب له في مرضه، وسفره مثل نوافل الصلوات التي كان يفعلها في صحته، وحضره، فالجواب أن ظاهر هذا الحديث أنها لا تثاب، والفرق أن المريض والمسافر كان يفعلها بنية الدوام عليها، مع أهليته لها، والحائض ليست كذلك، بل نيتها ترك الصلاة في زمن الحيض، بل يحرم عليها نية الصلاة في زمن الحيض، فنظيرها مسافر أو مريض كان يصلي النافلة في وقت، ويترك في وقت، غير ناو الدوام عليها، فهذا لا يكتب له في سفره، ومرضه في الزمن الذي لم يكن يتنفل فيه، والله أعلم. اهــ.
وأخذ بعض الفقهاء أنها لا تثاب من حديث: ما رأيت من ناقصات عقل، ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ... أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها.
قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: ويتوجه أن وصفه لها عليه السلام بنقصان الدين بترك الصلاة زمن الحيض، يقتضي أن لا تثاب عليها. اهــ.
ولكنها تثاب على ترك العبادة امتثالًا للشرع، كما في حاشية الجمل: وتثاب الحائض على ترك ما حرم عليها، إذا قصدت امتثال الشارع في تركه. اهــ.
والله أعلم ."
مصدر الفتوى من الموقع هــــــــــنا