الاعتكاف فضائل وأحكام

منذ 2010-09-01

إن الله تعالى "جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه ..



الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خير البريات، وعلى الآل والصحب والتابعين أزكى التحيات، أما بعد:
فإن الله تعالى "جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وما من هذه المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد فيها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات".(1) حتى إذا جاء يوم القيامة تفاوتت بينهم الدرجات وإن كانوا من أهل الجنات، فكانوا -إجمالاً- على قسمين ذكرهما الإمام ابن القيم رحمه الله عند قوله تعالى: {إِنَّ المُصَّدِّقينَ وَالمُصَّدِّقٰتِ وَأَقرَضُوا اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا يُضٰعَفُ لَهُم وَلَهُم أَجرٌ كَريمٌ * وَالَّذينَ ءامَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولٰئِكَ هُمُ الصِّدّيقونَ ۖ وَالشُّهَداءُ عِندَ رَبِّهِم لَهُم أَجرُهُم وَنورُهُم ۖ وَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِـٔايٰتِنا أُولٰئِكَ أَصحٰبُ الجَحيمِ} [الحديد:17-18]، قال: "وعمال الآخرة على قسمين، منهم من يعمل على الأجر والثواب، ومنهم من يعمل على المنزلة والدرجة، فهو ينافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله تعالى، ويسابق إلى القرب منه".(2)

وإن ثمت عملاً صالحاً يحصل لمن انشرح صدره أن يسابق وينافس به على المنازل والدرجات العلا، ألا وهو كما عبر عنه ابن رجب رحمه الله بـ "الخلوة المشروعة لهذه الأمة وهي الاعتكاف، خصوصاً في شهر رمضان، خصوصاً في العشر الأواخر منه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله؛ فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له همٌ سوى الله وما يرضيه عنه .. فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق".(3)

"وليست العزلة المشروعة لتربية النفس وتهذيبها مقصورة على سنة الاعتكاف فحسب؛ بل كان السلف رضي الله عنهم يحثون السالك على اختلاس أوقات يخلو فيها بنفسه للذكر أو الفكر أو المحاسبة أو غيرها.
قال عمر رضي الله عنه: "خذوا بحظكم من العزلة" وقال مسروق رحمه الله: "إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكر ذنوبه، فيستغفر منها". (4)

ويوصينا ابن الجوزي رحمه الله بالعزلة فيقول: "فيا للعزلة ما ألذها! فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل، والسلامة من شر المخالطة كفى" ويقول: "ولأن أنفع نفسي وحدي خير لي من أنفع غيري وأتضرر.. الصبر الصبر على ما توجبه العزلة، فإنه إن انفردْتَ بمولاك فتح لك باب معرفته".(5) إن أهم ما يُعنى به الموفق لطاعة مولاه هو إصلاح تلك المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وفي الصوم والاعتكاف من الإصلاح الشيء الكثير.

ولنقرأ الآن ما فتح الله به على طبيب القلوب ابن القيم رحمه الله حيث يقول: "لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفاً على جمعيته على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب وفضول المخالطة، وفضول الكلام، وفضول المنام مما يزيده شعثاً، ويشتته في كل وادٍ، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه أو يعوّقه ويوقفه ،اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب.. وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى.. فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق، فيُعِدُّه بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور، حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم. ولما كان هذا المقصود إنما يتم مع الصوم، شرع لهم الاعتكاف في أفضل أيام الصوم، وهو الثلث الأخير من رمضان".(6)


إن الاعتكاف سنة فاضلة في زمن فاضل، وقد صار سنة مهجورة لا تكاد تعرف في بعض البلاد، فكان إحياؤه آكد وأعظم أجراً؛ لأن السنة كلما هجرت كان الأجر في إحيائها أعظم، ونظير ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخّر العشاء إلى ثلث الليل قال للصحابة: «ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم».(7) قال ابن رجب: "وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر له".(8)

ومما يؤكد أفضلية الاعتكاف وعظيم شأنه أمور منها:
1- أن في تلك العشر ليلة هي خير من ألف شهر، أي خير من ثلاث وثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، وإنما كان يعتكف صلى الله عليه وسلم رجاء أن يوافقها، بل قد اعتكف العشر الأوّل ثم الأوسط، ثم أطْلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال: «إني اعتكفت العشر الأوّل، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أُتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف» .(9)

2- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركه، وكان يعتكف كل سنة عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً، بل لما تنافست نساؤه على الاعتكاف تركه، ثم قضاه في العشر الأول من شوال، كل ذلك تحصيلاً لتلك القربة ألا تفوت، وفعله كافٍ لبيان فضله.

3- أنه صلى الله عليه وسلم يترك ما هو مباح له أصلاً، وهو النوم والنساء، وبذلك يفسر قول عائشة رضي الله عنها: "جدّ و شدّ مئزره" بأنه ترك النوم والنساء.

4- أنه صلى الله عليه وسلم يفعل ما نهى عنه؛ فقد نهى عن الوصال وهو تأخير السحور إلى السحر، وكان يفعله لا سيما في العشر، وكما قد نهى عن إحياء الليل كله، إلا أن أعلم النساء به قالت:" وأحيا ليله" وقد قال العلماء: "يحتمل إحياء الليل كله؛ لأنه لم يرد شيء صحيح يخالف هذا الظاهر".(10)

5- ومما يؤكد أهمية الاعتكاف: أن الرجل لو نذر وهو مشرك أن يعتكف، ثم أسلم؛ فإنه يجب عليه وفاؤه، كما ورد عن عمر رضي الله عنه.

6- ومما يؤكد أفضلية الاعتكاف أيضاً أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفن معه وبعده، حتى إن عائشة رضي الله عنها لتقول: "اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه، فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي".(11) فيا سبحان الله !إذا كانت حتى نساء الصحابة يعتكفن، بل وإن كن مستحاضات، فما بال الرجال من الشباب والكهول عن هذه العبادة راغبون؟ ألم يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أحس بدنو أجله اعتكف عشرين يوماً؟ فيا أيها الدعاة: إن كنتم تريدون هداية الناس، فاعبدوا الله حقاً بمثل الاعتكاف!

ويا طلبة العلم: لا يفتح عليكم بالعلم إلا بالاجتهاد في العبادة ولزوم التقوى. ويا أيها الشباب: تناديكم امرأة من التابعيات وهي حفصة ابنة سيرين رحمها الله فتقول:" يا معشر الشباب! اعملوا فإنما العمل في الشباب".(12) واعتكاف الشباب أعظم أجرا من غيرهم؛ لأن داعي الشهوة والهوى أقوى، وفي بعض الآثار: "أيها الشاب التارك لشهوته، المتبذل شبابه من أجلي: أنت عندي كبعض ملائكتي".(13) ولذلك فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "شاب نشأ في عبادة ربه عز وجل ورجل معلق قلبه بالمساجد" وكلا الوصفين يحصلان في الاعتكاف.


يا من يُقتدى بكم: كيف يقتدي الناس بطيب أقوالكم، ولم يروا الطيب من أفعالكم؟ فاحذروا أن تكونوا كما قال أبو حازم رحمه الله: "رضي الناس من العمل بالعلم، ورضوا من الفعل بالقول!"

هذا وقد أنعم الله على طلاب المدارس والجامعات ومدرسيهم بإجازة طيلة أيام العشر الأخير في رمضان، وهم مغبونون بذلك، فما عذرهم؟ وهل يليق بهم أن يقضوا تلك الإجازة في سهر أو لهو أو نزهة أو سفر لا طائل تحته؟ ثم أهم أشد شغلاً من رسولهم صلى الله عليه وسلم الذي لم يدع الاعتكاف أبدًأ، مع أن قضايا الأمة تدار من عنده؟
رأى شريح جيرانًا له يجولون، فقال: مالكم؟ فقالوا: فرغنا اليوم. فقال شريح: وبهذا أمر الفارغ؟(14)

والعجب من أمر بعض طلبة العلم ومن يُقتدى بهم؛ بلْه العامة -تهاونهم بهذه السنة الفاضلة، وزعمهم أنهم في أمر أعظم وأولى، مع أن لهم مندوحة عن ترك تلك السنة بما سنبينه في الأحكام إن شاء الله.

ومنهم من يقول: أعتمر في العشر أفضل من أن أعتكف! (والحقيقة أن الجمع بينهما أكمل، وإن كان لابد لأحدهما دون الأخر، فالاعتكاف أفضل لوجهين:

أولا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعتمر، وإنما يعتكف، وهو لا يفعل إلا الأكمل والأفضل.

وثانيا: أن الاعتكاف مهجور في كثير من المساجد، وإحياؤه حينئذٍ أولى من العمرة التي يتنافس عليها معظم العباد في هذا الزمان).(15)

7- من الفضائل التي تحصل بالاعتكاف:
الرباط في سبيل الله، وهو انتظار الصلاة بعد الصلاة، والذي رتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم أجراً عظيمًا. بأن (يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات)،(16) وبأن صاحبه (في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة ما لم يحدث).(17) ولذلك يمكن أن يقال: كل اعتكاف رباط، ولا عكس.


أحكام الاعتكاف:

قد حد الله للاعتكاف حدودًا وأحكامًا، ثم قال عنها سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] وسأبين ما تدعو الحاجة إليه من تلك الأحكام، فيما يلي:

1- على المعتكف تحصيل مقصود الاعتكاف باتباع هديه صلى الله عليه وسلم فيه؛ فقد اعتكف مرة في قبة تركية، وجعل على سدتها حصيرًا؛(18) وسبب ذلك كما قال ابن القيم رحمه الله: "تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عٍشرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون!" (19)

2- إذا نوى الاعتكاف لم يجب عليه إتمامه، وجاز له قطعه، ولا سيما إذا خشي على عمله الرياء.(20) قال ابن باز رحمه الله: "وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة لذلك؛ لأن الاعتكاف سنة، ولا يجب الشروع إذا لم يكن منذورًا".(21)

3- لم يرد حديث صحيح في تحديد أقل مدة الاعتكاف، لكن أخذ بعض العلماء من قول عمر رضي الله عنه: "كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة". وفي رواية: "يومًا".(22) أن أقل الاعتكاف يوم وليلة، ولعله أقرب للصواب.

4- ليس له أن يخص يومًا بعينه يعتاد الاعتكاف فيه.

5- ذهب الأئمة الأربعة وجماهير العلماء سلفًا وخلفًا إلى أن المعتكف يدخل معتكَفه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها؛ ومن نوى اعتكاف العشر كلها فعليه أن يدخل بغروب شمس يوم عشرين، وذلك لأمور:

أ- أن ليلة إحدى وعشرين من الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر، وإذا قلنا يدخل بعد الفجر من يوم (21) يكون قد فوّت ليلة ترجى فيها.

ب- أنه إذا دخل ليلة (21) يصدق عليها أنه اعتكف العشر، بينما إذا دخل فجرًا ونقص الشهر، يكون حينئذ قد اعتكف ثمانية أيام!

جـ- أن معنى قول عائشة في الحديث المتفق عليه: «وإذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكَفه»(23) أي المكان الذي أعد لاعتكافه صلى الله عليه وسلم فيه، من خيمة ونحوها.(24)

6- يحسن بالمعتكف أن يتخذ لنفسه مكانًا خاصاً؛ وذلك ليخلو بربه، وليستريح فيه، ولكيلا يتعوره أحد حين استبدال ملابسه، أو استقبال من يريد زيارته من أهله.(25)

7- يجوز تنقل المعتكف في أنحاء المسجد، لكن الأولى للمعتكف ألا يكثر الحركة والتنقل في المسجد لأمرين:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ خباء في المسجد لا يخرج منه إلا للصلاة، وخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم.

- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه».(26) بل قد روى مالك في الموطأ عن أبي هريرة موقوفًا أنه قال: «فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه في مصلاه حتى يصلي» . قال ابن رجب: "فهذا يدل على أنه إذا تحول من موضع صلاته من المسجد إلى غيره من المسجد انقطع حكم جلوسه في مصلاه".(27)

8- أما قضية الخروج من المسجد، فقد ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- "الأول: جائز، وهو الخروج لأمر لابد منه شرعًا أو طبعًا، كالخروج لصلاة الجمعة، والأكل والشرب إن لم يكن له من يأتيه بهما، والخروج للوضوء والغسل الواجبين، ولقضاء حاجة البول والغائط.

- الثاني: الخروج لطاعة لا تجب عليه، كعيادة المريض وشهود الجنازة، فإن اشترطه في ابتداء اعتكافه جاز وإلا فلا.

- الثالث: الخروج لأمر ينافي الاعتكاف، كالخروج للبيع والشراء، وجماع أهله ونحو ذلك، فهذا لا يجوز لا بشرط ولا بغير شرط".(28)

9- إذا أراد صلاة الجمعة، فقيل يذهب مبكرًا؛ للأحاديث الورادة في التبكير،(29) وقيل يذهب متأخرًا لئلا يطول خروجه عن معتكفه، وإنما رخص له للحاجه، والمقصود يتم إذا صلى الجمعة، (وهذا القول أقرب للصواب من القول الأول).(30)

10- يرى بعض أهل العلم أن قضية اشتراط المعتكف الخروج لا أصل لها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة، وبذلك يقول الإمام مالك كما في الموطأ؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يخرج لحاجته، ولم يذكر عنه أنه علم أمته الاشتراط، بل للمعتكف أن يخرج للحاجة التي يشق على نفسه تركها، ولو لم يشترط على الراجح.
لكن هذا لا يعني أن يتوسع في الخروج كيفما أراد؛ لأن الله تعالى يقول: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187]، وأما من يخرج من معتكفه لأجل حضور التراويح مع إمام حسن الصوت فهذا ليس معتكفًا في الحقيقة، وحينها سيتحول الأمر إلى تلاعب ينافي حكمة الاعتكاف.
فليتق الله أولئك الذين يفعلون سنة، ولا يراعون حدود الله فيها.

11- له أن يتبع جنازة من له حق عليه، كأحد الوالدين أو ابن أو عم أو عالم له نفع للإسلام والمسلمين، فمثل هؤلاء تتبع جنازتهم ويعاد مريضهم بلا اشتراط،(31) لكن لا يقف لانتظار الجنازة أو المريض.

12- إذا كان هناك مطهرة داخل المسجد معدة للتطهير، وهو لا يحتشم منها، لزمه ذلك، (وإلا لم يلزمه).(32)

13- يشرع للمعتكف تعليم العلم وإقراء القرآن، ونحو ذلك من العبادات المتعدية، لكن يقيد ذلك بما لم يكثر.(33)

14- يجوز للمعتكف أن يخرج ويشتري ما لابد منه، كقوته وقوت عياله، إذا لم يكن أحد يقوم به غيره، لكن اشترط المالكية: أن يكون شراؤه من أقرب مكان إليه، ولا يشتغل بشيء غيره. واشترط الحنابلة: أن يكون ذلك في طريقه من غير أن يقف أو يعرِّج. (34)

15- على المعتكف أن يتقي الله في خلوته، فلا يضيع وقته بالنوم أو التفكير بلا مصلحة، فضلاً عن فعل الحرام، قال ابن رجب رحمه الله: "فإن الهوى يدعو في الخلوة إلى المعاصي، ولهذا قيل: إن من أعز الأشياء: الورع في الخلوة"،(35) كما أن عليه أن يكثر من الأذكار والاستغفار والدعاء والبكاء حيث لا يراه أحد، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه".

قال ابن القيم رحمه الله: "أفضل الصوام أكثرهم ذكرًا لله عز وجل في صومهم".(36)
وأوصيك أيها المعتكف: بكثرة التذلل والانكسار بين يدي الله؛ فلقد قال ابن القيم: "فمن أراد الله به خيرًا فتح له باب الذل والانكسار بين يدي الله.. وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس!"

16- كما أن على المعتكف أن يختار من يشاركونه هذه العبادة حتى يشجع بعضهم بعضًا ثم بعد ذلك؛ يُقِلٌّ الاجتماع بهم والخوض في الحديث معهم. قال ابن القيم رحمه الله: "واعلم أن الحسرة كل الحسرة بمن لا يجرّ عليك الاشتغال به إلا فَوْت نصيبك وحظك من الله عز وجل وانقطاعك عنه، وضياع وقتك عليك".(37)

17- بعض الشباب يرفض والده أن يعتكف ابنه، فماذا يفعل الابن؟ يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك: "الاعتكاف سنة، وبر الوالدين واجب.. فالذي أنصحك به ألا تعتكف؛ نعم لو قال أبوك: لا تعتكف، ولم يذكر مبررات لذلك، فإنه لا يلزمك طاعته في هذه الحال، لأنه لا يلزمك أن تطيعه في أمر ليس فيه ضرر عليه في مخالفتك إياه، وفيه تفويت منفعة لك".(38)

18- من يترك الوظيفة ليعتكف، قال عنه الشيخ أيضًا: "أنه كالذي يهدم مِصْرًا ويبني قصرًا، لأنه قام بشيء مستحب.. ولهذا يجب عليه أن يقطع الاعتكاف، ويذهب إلى وظيفته؛ إذا كان يريد السلامة من الإثم".

وبعد؛ أخي الحريص على السنة، المريد رضوان الله: اغتنم هذه الفرصة، فلعلك لا تدركها فيما بعد؛ فإنها أيامًا معدودات:
ألقاه شهرًا ولكن في نهايته يمضي كطيف خيال قد لمحناه(39) فعسانا أن ندرك ليلة القدر، فيرانا ربنا ونحن نتعرض لنفحاته، فيشملنا بغفرانه، ويكرمنا برضوانه، ويصيبنا برحمته، ويدخلنا الفردوس من جنته.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم اجعلنا ممن أدرك ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، وفاز بالثواب الجزيل والأجر. اللهم صل وسلم على محمد.

------------------------------------------

1- باختصار من لطائف المعارف/ ابن رجب ص40.
2- الوابل الصيب ص13.
3- اللطائف ص 34.
4- العزلة والخلطة / العودة ص57 .
5- بتصرف من صيد الخاطر (80،261).
6- زاد المعاد (2/82).
7- البخاري(569) ومسلم (639).
8- اللطائف ص251 .
9- مسلم (2763).
10- البخاري (2044 - 2045).
11- مذكرة العلوان في شرح البلوغ من كتاب الصيام ص38 .
12- البخاري (2037).
13- اقتضاء العلم العمل / الخطيب رقم (190-94).
14- فتح الباري / ابن رجب (4/62).
15- الاقتضاء (174).
16- مذكرة العلوان.
17- مسلم (1/151).
18- البخاري (176).
19- مسلم 2763 .
20- زاد المعاد (2/86).
21- فتح الباري ( 4/277).
22- مجموع فتاوى ابن باز (5/263).
23- البخاري (2041) ومسلم (1173).
24- البخاري (2032) وانظر الفتح (4/274).
25- مذكرة العلوان في الصيام (40).
26- مجموع فتاوى ابن باز (5/263) وانظر مذكرة العلوان.
27- البخاري (659).
28- انظر فتح الباري لابن رجب (4/57).
29- من فتوى مكتوبة لفضيلته بتاريخ 17/9/1408 هـ .
30- فتاوى أركان الإسلام / ابن عثيمين ص496.
31- مذكرة شرح كتاب الصيام من البلوغ للعلوان ص41.
32- المصدر السابق.
33- فقه الاعتكاف / خالد المشيقح ص146 و ص237.
34- المصدر السابق ص220.
35- السابق ص250.
36- فتح الباري / ابن رجب (4/63).
37- الوابل الصيب ص17 و ص141.
38- المصدر السابق ص96.
39- فتاوى الشيخ محمد (1/551-552).
40- رهبان الليل / عفاني (2/541).


 

المصدر: موقع صيد الفوائد
  • 2
  • 0
  • 14,148

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً