(43) من روائع الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
أبو الهيثم محمد درويش
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
من روائع الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب:
أكثر الخلق قد لعب بهم الشيطان، وزين لهم الشرك بالله، وأخرجه في قالب، حب الصالحين، وتعظيمهم.
والكلام في هذا ينبني على قاعدتين عظيمتين:
الأولى : أن تعرف أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرفون الله ويعظمونه، ويحجون، ويعتمرون، ويزعمون أنهم على دين إبراهيم الخليل، وأنهم يشهدون أنه لا يخلق ويرزق، ولا يدبر إلا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[يونس من الآية:31].
فإذا عرفت أن الكفار يشهدون بهذا كله، فاعرف:
القاعدة الثانية: وهي أنهم يدعون الصالحين، مثل الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم، وكل من ينتسب إلى شيء من هؤلاء سماه (إلهًا).
ولا يعني بذلك أنه يخلق أو يرزق ، بل يقولون: {هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ}[يونس من الآية:18]، ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ}[الزمر من الآية:3]، والإله في لغتهم هو الذي يسمى في لغتنا "فيه السر"، والذي يسمونه الفقراء "شيخهم، يعنون بذلك أنه يدعى وينفع ويضر.
وإلا فهم مقرون لله بالتفرد بالخلق، والرزق، وليس ذلك معنى الإله، بل الإله المقصود؛ المدعو، المرجو.
لكن المشركين في زماننا أضل من الكفار، الذين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين:
أحدهما: أن الكفار إنما يدعون الأنبياء والملائكة في الرخاء، وأما في الشدائد، فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ}[الإسراء من الآية:67].
والثاني: أن مشركي زماننا يدعون أناسًا لا يوازنون عيسى والملائكة!
إذا عرفتم هذا، فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر، عبادة الأصنام:
هذا يأتي إلى قبر نبي،
وهذا إلى قبر صحابي -كالزبير وطلحة-،
وهذا إلى قبر رجل صالح!
وهذا يدعوه في الضراء وفي غيبته،
وهذا ينذر له،
وهذا يذبح للجن، وهذا يدخل عليه من مضرة الدنيا والآخرة!
وهذا يسأله خير الدنيا والآخرة.
فإن كنتم تعرفون أن هذا الشرك، من جنس عبادة الأصنام، الذي يخرج الرجل من الإسلام، و قد ملأ البر والبحر وشاع وذاع , حتى إن كثيرًا ممن يفعله يقوم الليل و يصوم النهار، و ينتسب إلى الصلاح، والعبادة، فما بالكم لم تفشوه في الناس؟ و تبينوا لهم أن هذا كفر بالله مخرج عن الإسلام؟!
أرأيتم لو أن بعض الناس، أو أهل بلدة، تزوجوا أخواتهم أو عماتهم -جهلًا منهم- أفيحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتركهم؟ لا يعلمهم أن الله حرم الأخوات و العمات؟
فإن كنتم تعتقدون أن نكاحهن أعظم مما يفعله الناس اليوم، عند قبور الأولياء والصحابة وفي غيبتهم عنها، فاعلموا، أنكم لم تعرفوا دين الإسلام، و لا شهادة أن لا إله إلا الله، و دليل هذا مما تقدم من الآيات التي بينها الله في كتابه!
و إن عرفتم ذلك , فكيف يحل لكم كتمان ذلك، والإعراض عنه؟ و قد {أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران من الآية:187].
فإن كان الاستدلال بالقرآن عندكم هزوًا وجهلًا، كما هي عادتكم ولا تقبلونه، فانظروا في "الإقناع في باب حكم المرتد"، و ما ذكر فيه من الأمور الهائلة، التي ذكر أن الإنسان إذا فعلها، فقد ارتد و حل دمه، مثل الاعتقاد في الأنبياء والصالحين وجعلهم وسائط بينه و بين الله، ومثل الطيران في الهوى، و المشي في الماء.
فإذا كان من فعل هذه الأمور منكم -مثل السائح الأعرج ونحوه- تعتقدون صلاحه وولايته -و قد صرح في "الإقناع" بكفره -فاعلموا أنكم لم تعرفوا معنى شهادة "أن لا إله إلا الله".
فإن بان في كلامي هذا شيء من الغلو؛ من أن هذه الأفاعيل، لو كانت حرامًا فلا تخرج من الإسلام، وأن فعل أهل زماننا في الشدائد في البر والبحر، وعند قبور الأنبياء والصالحين، ليس من هذه، بينوا لنا الصواب وأرشدونا إليه.
وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال، فرحم الله من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله، وأقر على نفسه، فإن التائب عن الذنب كمن لا ذنب له.