مداواةُ جُرحِ الصديق..!
عبد العزيز بن عبد الله الأحمد
قد كنتَ دومًا حين يجمعنا الندى *** خلًا وفيًا.. والجوانح شاكرة
- التصنيفات: أعمال القلوب - محاسن الأخلاق - قصص مؤثرة -
حدث هزني الأسبوع الماضي.. وذلك أنني أعرف صديقين اثنين يحبان بعضهما يلتقيان يوميًا، درسًا سويًا، ويسكنان في حي واحد، ويتساعدان على هموم الحياة، ومن عمق العلاقة أن كلا منهما يعرف أسرار الآخر ويتشاوران، حتى وصل الأمر أن (أبا عبدالله) أعطى رقم حسابه البنكي لصديقه (أبي عبدالرحمن) وجعل توقيعه ردفًا لتوقيعه، وكثيرًا ما ساعد (أبو عبدالله) صديقه (أبا عبدالرحمن) سواء في الاحتياج المالي، أو الأسري، أو الاجتماعي،
قد كنتَ دومًا حين يجمعنا الندى *** خلًا وفيًا.. والجوانح شاكرة
واليوم أشعر في قرارة خاطري *** أن الذي قد كان.. أصبح نادرة
ومرت الأيام، وكبرا وتزوجا وتخرجا وتوظفا، ورزقا بأولاد وبلغا الأربعين من عمريهما، وفي خضم هذه الحياة حصل سوء تفاهم حول موضوع دنيوي، فكانت ردة الفعل من (أبي عبدالرحمن) شديدة فوق المعقول والواقع، من جرائها هجر صديقه، وبدأ يتكلم به عند من يعرفهما، وصديقه حافظ للسانه تقديرًا لذلك الصديق، حاول أن يلتقيه في بعض مواقف الفرح أو الترح لكن أبا عبدالرحمن كان يتحاشى ذلك، فإن علم بوجوده اختفى ورحل، ومرت الشهور والسنون، وصديقه يتحمل ويتمهل مستحضرًا قول الشاعر:
أغمّضُ عيني عن صديقي كأنني *** لديه بما يأتي من القبحِ جاهلُ
وما بي جهلٌ غير أن خليقتي *** تطيقُ احتمالَ الكرهِ فيما أحاولُ
ثم ماتت الأخت الشقيقة لأبي عبدالله وكانت جارة لصيقة لصديقه، فعزى الصديق صديقه فرد عليه بمثل ذلك شاكرًا وذاكرًا، ويبدو أن أبا عبدالرحمن أحس بخطئه الفادح، إذ علم أن ما عمله كان جرمًا عظيمًا بالهجر، والكلام في عرض صديقه الذي كان له مثل الأخ، لكن طبيعة شخصيته، لم تسمح له بالاعتذار والزيارة وطلب الصفح، حتى أتت مناسبة زواج ابنته، فأرسل دعوة عبر الواتس لصديقه وهو كان في مدينة أخرى، فقرأها الصديق، وتأثر، وفعلًا رتب أموره لكي يسافر ويحضر زواج ابنة صديقه الذي طالما سمرا مع بعضهما وتنادما وضحكا وبكيا، وطالما تهامسا، وتَسَارَّا، راجيًا نيل عفو الله ومغفرته {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور من الآية:22]، وفي اليوم الموعود، ركب (أبو عبدالله) متوجهًا لمدينة صديقه، يلتهم الأرض ويسابق الوقت، ووصل لقصر العرس مقبلًا فرحًا؛ فما إن رآه (أبو عبدالرحمن) حتى ضمه وتعانقا طويلًا، وحاول تقبيل رأس صديقه (أبي عبدالله) فتأبى، وشكره على مجيئه وهو في حالة دهشة وذهول وقال له (كلفنا عليك بالمجيء) فأجابه صديقه (أنا أتيت الليلة من ٣٥٠ كيلو من أجل ما بيننا من حب وصداقة وحق ومروءة ولم آت إلا لزواج ابنتك التي هي كابنتي)، وفعلًا تأثر صديقه وظهرت على وجهه علامات الندم وغلبه شعور البكاء.
واستبقِ ودّك للصديقِ ولا تكنْ *** قتباً يَعَضُّ بغاربٍ مِلْحاحًا
فالرفقُ يمنٌ والأناةُ سعادةٌ *** فتأنَّ في رِفْقٍ تنالُ نجاحًا
واليأسُ مما فاتَ يعقبُ راحةً *** ولرب مطعمةٍ تعودُ ذُباحًا
وبعد الزواج.. وحينما قام (أبو عبدالله) لصلاة الفجر وجد صديقه قد بعث له برسالة عبر الجوال:
(صديقي... السلام عليكم:
شعور لا يوصف وسط دهشة أنستني ما أنا فيه تلك اللحظات حينما رأيتك مشرفًا حفلنا في وقت لم أتوقع فيه حضورك فبارك الله بهذه النفس الطيبة العفوة حينما عفوتَ بعد أن هفوتُ..
جزاك الله خير الجزاء وأثلج صدرك كما أثلجت صدري).
فرد عليه صديقه:
(حياك الله..
أخي الشقيق العزيز.. لا تثريب عليك يغفر الله لي ولك..
فرحك فرح لي.. وابنتك ابنتي..
أنت لي أعظم مما تتصور.. والدنيا أقصر مما نظن..
أدام الله مسراتك وأصلح بالي وبالك
وجمعنا دومًا على الخير..).