أخطر عشر أيام في حياتك
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحياء ليله، وأيقظ أهله" متفق عليه...
إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأعوذ بالله من شر نفسي ومن سيء عملي، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
أخي في الله ها هو رمضان يستعد لإلقاء تحية الوداع، وأنا وأنت لم نرد تحية القدوم بعد..
كتبت لك أخى الكريم مذكرًا نفسي وإياك قبل رمضان مقالًا بعنوان معركة العمر، داعيًا نفسي وإياك إلى أن يكون رمضان هذه المرة مختلفًاً في كل شىء، وأنه آن الآوان لتتحول النصوص الوارده في فضل رمضان والصيام والقيام والقرآن واقع، وأن تنفخ في هذه النصوص من روحك لتصبح واقعًا حيًا في حياتك وأنه آن الأوان أن تستحي من ربك من كثرة ما تعد وتخلف، وآن الآوان أيضًاً أن تصوم وتقوم وتصلى وتتلو القرآن كما لم تفعل من قبل، وأنك إن لم تفعل ذلك في رمضان والشياطين مصفدة، والجنان مفتحة والنيران مغلقه فمتى بالله عليك ستفعل ذلك.
وذكرتك أخى الكريم وذكرت نفسي بأن أناسًاً كانوا معنا في رمضان الماضي، كانوا أكثر شبابًاً وأوفر عافيةً لم يشتكوا من مرض ولا علة، وخرجوا من رمضان الماضي نادمين على ما فرطوا، وبذلوا لربهم الوعود لإن بلغهم رمضان ليكونن أهدى سبيلًا، ولكن حال ربهم بينهم وبين ما يشتهون وصاروا طعامًا للدود تحت الجنادل والتراب بلا أنيس ولا جليس ولا حميم ولا صديق، وأنهم لو منحوا شهر رمضان الذي نضيعه نحن الآن لقاموا حتى تذوب أقدامهم ولصاموا حتى تتشدق شفاههم ولقرءوا حتى تنقطع أصواتهم، ومع ذلك فالمطلوب منى ومنك أخي الكريم أهون من ذلك بكثير. كان هذا ما ذكرته لك في مقالي ونحن على أبواب محطة الشحن السنوية التي إن لم تحسن استغلالها ربما مت من العطش طول العام من قسوة الحياة وجدبها.
ثم عدت أخي الكريم بعد مرور أيام من هذا الشهر العظيم، وكتبت لك مدفع الإصرار، قلت لك فيه أنك ينبغي أن تطلق مدفع الإصرار، على أن تخرج من هذا الشهر وقد ولدت من جديد، وأن تطلق مدفع الإصرار على ألا تضيع من هذا الشهر ثانيه إلا في طاعة مولاك.
ثم عدت وكتبت لك بعد مرور ثلث الشهر أحسن فيما بقى يغفر ما قد مضى.
أما اليوم أخي في الله ونحن على أعتاب العشر الأواخر من رمضان فقد مضى زمن القول وجاء زمان العمل، مضى وقت النوم وجاء وقت السهر، مضى وقت اللعب وجاء وقت الجد، مضى وقت الضحك وجاء وقت البكاء.
أخي الكريم ما عندي ما أقوله لك سوى أنك في هذه العشر تكون أولا تكون.
ما عندي سوى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84]. ولن يسبقني إلى الله أحد، وسابقوا إلى ربكم، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]. {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53]. ما عندي سوى كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، ألا يكون لك في نبيك صلى الله عليه وسلم الأسوة ؟ ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحياء ليله، وأيقظ أهله» (متفق عليه)، ولمسلم: «أحيا الليل، وأيقظ الأهل، وجد وشد المئزر».
وصح عنها أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره».
يفعل هذا وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟
هذه العشر على الأبواب فهنيئا لمن وفق فيها إلى أن يرضي مولاه، وألف حسرة على من حرم فيها من حلاوة المناجاة وبرد الأنس بالله فأضاعها كما أضاع مثلها من قبل.
أخي الكريم لا وقت للكلام هاهو رمضان على وشك الرحيل وأنا وأنت بالكاد قد بدأنا نفكر في العمل.
فلا مكان للكلام إذن ولكن الوقت وقت العمل ولم يزل أخي الحبيب هناك أمل فانتفض، نعم انتفض انتفاضة حقيقية وتاريخية شامله وكاملة. انتفاضة رجل في وسط بحر متلاطم وبعد أن يأس من النجاة إذا بسفينة تمر بجواره وتتوقف على مسافة منه فهل ينتظر أن تأتى إليه أم يضرب الماء بكل ما أوتي من قوة ليدركها لأنه بكل بساطة إن لم يدركها فقد انتهى كل شيء وعليه أن ينتظر عامًا كاملًا وربما مات قبل أن تأتي السفينة القادمة. انتفاضة من يعتقد أنه ويل لمن أدرك رمضان فلم يغفر له، انتفاضة من يعرف أن كل ما مر من رمضان شيء وهذه العشر شيء آخر تستطيع أن تعوض بها كل ما فات من عمرك، وليس فقط كل ما مر من رمضان كيف لا وفيها ليلة العمر.
لا وقت أخي الكريم للراحة ولا للنوم ولا للأكل ولا للبيت ولا للكرة ولا للأصدقاء، فالوقت صار وقفاً للصيام والقرآن والذكر والاستغفار والدعاء والتوبة والندم وتملق ربك فلعله ينظر إليك فيرحمك. لا وقت فبعض من يقرءون هذه الكلمات هذه العشر هي آخر عهدهم برمضان وبالعشر وبليلة القدر، بعض من يقرءون هذه الكلمات هذه هي فرصتهم الأخيرة ليعذروا إلى ربهم. وربما كنت واحدًاً من هؤلاء ولماذا لا ربما كان هذا آخر عهدك برمضان.
أخي الكريم دونك هذه العشر عض عليها بالنواجذ فلعلك تعمل قليلًا وتربح كثيرًا ولعلك توفق في هذه العشر إلى أن تكون كما يحب مولاك ويرضى.
- التصنيف: