لبَّيك
لا شريك لك في عبادتي... في انقيادي لك... في خوفي منك... في رجائي لفضلك... أنا مخلصٌ غاية الإخلاص... أستقي اليوم من نبع التوحيد الخالص...
«البخاري [1549]، وغيره).
» (صحيحومعنى التلبية: إجابة نداء الله عز وجل على الفور مع كمال المحبة والانقياد دون أي تلكؤ أو تأخر.
وتكرار كلمة (لبيك) أربع مرات وعدٌ منك لربك بطاعة بعد طاعة وشهادة منك على نفسك بإجابة بعد إجابة، فارْجُ الله أن تكون صادقًا في دعواك، واخْشَ أن تكون غير ذلك فيُقال لك: لا لبيك ولا سعديك.
وفي معنى التلبية أقوال كثيرة، فأمرَّها على قلبك طردًا للملل وتعظيما للأجر وإعلاءً لقيمة عمل القلب، ولعل أبرز هذه المعاني:
الأول: أنه انقياد، ومنه قولهم لبَبْتُ الرجل بردائه، وقبضت على تلابيبه، والمعنى: انقدت لله خاضعًا ذليلًا يضعني حيث شاء ويفعل بي ما شاء، كما يُفعل في من لُبِّب بردائه وقُبِض على تلابيبه، فهل قلبك مع أقدار الله النازلة بك أخي المُحرِم على هذه الحال دوما؟!
الثاني: أنه من لبَّ بالمكان إذا قام به ولزمه، والمعنى: أنا مقيم على طاعتك وأعاهدك ألا أفارقها أو أنقطع عنها انشغالا بغيرها أو تكاسلا عنها، فهلا أوفيت بعهدك ووفَّيت بوعدك.
الثالث: أنه مأخوذ من لُبِّ الشيء وهو خالصه، ومعناه: أخلصت لُبّي وقلبي لك، فلا رياء في حجتي ولا سمعة ولا قصد سياحة أو استئناس بصحبة، والله مطلع على قلبي، عالمٌ بسري وجهري.
لبيك لا شريك لك لبيك:
لا شريك لك في عبادتي... في انقيادي لك... في خوفي منك... في رجائي لفضلك... أنا مخلصٌ غاية الإخلاص... أستقي اليوم من نبع التوحيد الخالص...
لا شريك لك: فلو أمرني أحد من خلقك بمعصية لطرحت أمره أرضًا، ولقدَّمت أمرك نفلًا وفرضًا، وكيف تكون لي لمخلوق طاعةٌ في معصية الخالق!!
إنَّ الحمد
وهو شعور القلب بالامتنان تجاه مولاه على كل ما أنعم به عليه من نعم، وآخرها أن اصطفاه لزيارته في عمرة أو حج، واستحضر أنك تذكر الله بأحب الأذكار إليه وهو الحمد حتى أنه بدأ به كتابه {الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العالَمينَ} [الفاتحة:2].
والنعمة لك
وهي مصداق قول الله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53]، وكلمة «والنعمة لك» مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها، ولهذا عرَّفها باللام المفيدة للاستغراق، أي النعم كلها لك، وأنت وحدك المنعم المتفضِّل بها.
والملك:
الملك كله لله وحده، فلا ملك على الحقيقة لأحد من خلقه، وما الكنوز والأموال إلا عوارٍ لنا نحن مستخلفون فيها، وهو سبحانه الملك وأنا وأنت عبيدٌ له، والعبد لا تصرف له في ماله ووقته ونفسه دون إذن سيده.
ولأن الملك لله وحده، ولا يملك أحد من خلقه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، لذا يتوجه قلبي بكل خلية فيه إلى الله وحده يسأله من خيري الدنيا والآخرة.
ولم يقل إن الحمد والنعمة والملك لك، بل كان الكلام جملتين مستقلتين، فالجملة الأولى انتهت بقول "لك"، ثم عطف عليها المُلك، فكان تقدير الكلام: والملك لك، وفائدة أن أتى بجملتين بدلًا من جملة واحدة: تكرار الثناء على الله.
لا شريك لك لبيك:
وإعادة الشهادة هنا بأنه لا شريك له ليست تكرارا لا لزوم له يمس البلاغة، فقد جاءت عقب قوله «إن الحمد والنعمة لك والملك»، وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك، أما الشهادة الأولى فهي تتضمن أنه لا شريك له في إجابة الدعوة والاستجابة له.
فالتلبية إذن ذكرٌ وتذكير وعهد كبير، ووعدٌ منك ببذل الجليل والحقير في سبيل رضا الربِّ الغني القدير.
اللهم إنا نعوذ بك من أن تلبي ألسنتنا وتكذِّب قلوبنا، وترتفع أصواتنا وتخفت أفعالنا، ونعو بك من نسيان ما عاهدناك عليه، اللهم واجعل التلبية عملا بالأركان فوق كونها نطقا باللسان، فإن سمعنا مناديك في أي مكان أو زمان لبينا، وإذا أُمرنا أو نُهينا أطعنا وأصغينا، اللهم وأعنا على غرس بذور التلبية في نفوس أبنائنا وأهلنا حتى يلبوا نداءك كما لبينا!!
- التصنيف: