سيد قطب رحمه الله و غلاة التجريح

منذ 2016-09-01

أهيب بإخواني المنصفين العقلاء، قراءة رسالة العلامة بكر أبو زيد الموسومة ب"الخطاب الذهبي"

أهيب بإخواني المنصفين العقلاء، قراءة رسالة العلامة بكر أبو زيد الموسومة ب" الخطاب الذهبي "
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأشير إلى رغبتكم قراءة الكتاب المرفق "أضواءٌ إسلاميةٌ على عقيدة سيد قطب وفكره"، هل من ملاحظات عليه؟ ثم هذه الملاحظات هل تقضي على هذا المشروع فيطوى ولا يروى؟ أم هي مما يمكن تعديلها فيترشح الكتاب بعد الطبع والنشر ويكون ذخيرةً لكم في الأُخرى؟ بصيرةً لمن شاء الله من عباده في الدنيا؟ لهذا أبدي ما يلي:
1 - نظرت في أول صفحةٍ من فهرس الموضوعات فوجدتها عناوين قد جُمعت في سيد قطب رحمه الله، أصول الكفر والإلحاد والزندقة، القول بوحدة الوجود، القول بخلق القرآن، يجوز لغير الله أن يُشَرع، غلوه في تعظيم صفات الله تعالى، لا يقبل الأحاديث المتواترة، يشكك في أمورِ العقيدة التي يجب الجزم بها، يكفر المجتمعات ..إلى أخر تلك العناوين التي تَقشَعر منها جلود المؤمنين، وأسِفت على أحوال علماء المسلمين في الأقطار الذين لم ينبهوا على هذه الموبقات، وكيف الجمع بين هذا وبين انتشار كتبه في الآفاق انتشار الشمس، وعامتهم يستفيدون منها، حتى أنت في بعض ما كتبت، عند هذا أخذت بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدت الخبر يكذبه الخبر، ونهايتها بالجملة عناوينٌ استفزازيةٌ تجذب القارئ العادي، إلى الوقيعة في سيد رحمه الله، وإني أكره لي ولكم ولكل مسلمٍ مواطنَ الإثم والجناح، وإن من الغُبن الفاحش إهداء الإنسان حسناته إلى من يعتقد بغضه وعداوته.
2 - نظرت فوجدت هذا الكتاب يـفـتـقـد:
أصـول البحث العلمي، الحيـدة العلمية، منهـج النقد، أمانـة النقل والعلم، عـدم هضم الحق.
أما أدب الحوار وسمو الأسلوب ورصانة العرض فلا تمت إلى الكتاب بهاجس، وإليك الدليل:
أولاً: رأيت الاعتماد في النقل من كتب سيد رحمه الله تعالى من طبعاتٍ سابقةٍ مثل الظلال والعدالة الاجتماعية مع علمكم كما في حاشية ص 29 وغيرها، أن لها طبعات معدلة لاحقة، والواجب حسب أصول النقد والأمانة العلمية، تسليط النقد إن كان على النص من الطبعة الأخيرة لكل كتاب، لأن ما فيها من تعديل ينسخ ما في سابقتها وهذا غير خافٍ إن شاء الله تعالى على معلوماتكم الأولية، لكن لعلها غلطة طالبٍ حضر لكم المعلومات ولما يعرف هذا ؟ وغير خاف لما لهذا من نظائر لدى أهل العلم، فمثلاً كتاب الروح لابن القيم لما رأى بعضهم فيما رأى قال: لعله في أول حياته وهكذا في مواطن لغيره، وكتاب العدالة الاجتماعية هو أول ما ألفه في الإسلاميات والله المستعان.
ثانيًا: لقد اقشعر جلدي حينما قرأت في فهرس هذا الكتاب قولكم: سيد قطب يجوز لغير الله أن يشرع، فهرعت إليها قبل كل شيء فرأيت الكلام بمجموعه نقلاً واحدًا لسطور عديدة من كتابه (العدالة الاجتماعية) وكلامه لا يفيد هذا العنوان الاستفزازي، ولنفرض أن فيه عبارة موهمة أو مطلقة، فكيف نحولها إلى مؤاخذة مكفرة، تنسف ما بنى عليه سيد رحمه الله حياته ووظف له قلمه من الدعوة إلى توحيد الله تعالى (في الحكم والتشريع)، ورفض سن القوانين الوضعية والوقوف في وجوه الفعلة لذلك، إن الله يحب العدل والإنصاف في كل شيء ولا أراك إن شاء الله تعالى إلا في أوبة إلى العدل والإنصاف.
ثالثًا: ومن العناوين الاستـفـزازيـــة قولكم: قول سيد قطب بوحدة الوجود.
إن سيدًا رحمه الله قال كلامًا متشابهًا حلَق فيه بالأسلوب في تفسير سورتي الحديد والإخلاص وقد اعتمد عليه بنسبة القول بوحدة الوجود إليه، وأحسنتم حينما نقلتم قوله في تفسير سورة البقرة من رده الواضح الصريح لفكرة وحدة الوجود، ومنه قوله: "ومن هنا تنتفي من التفكير الإسلامي الصحيح فكرة وحدة الوجود" وأزيدكم أن في كتابه (مقومات التصور الإسلامي) ردًا شافيًا على القائلين بوحدة الوجود، لهذا فنحن نقول غفر الله لسيد كلامه المتشابه الذي جنح فيه بأسلوبٍ وسع فيه العبارة،والمتشابه لا يقاوم النص الصريح القاطع من كلامه، لهذا أرجو المبادرة إلى شطب هذا التكفير الضمني لسيد رحمه الله تعالى وإني مشفق عليكم.
رابعًا: وهنا أقول لجنابكم الكريم بكل وضوحٍ إنك تحت هذه العناوين (مخالفته في تفسير لا إله إلا الله للعلماء وأهل اللغة وعدم وضوح الربوبية والألوهية عند سيد).
أقول أيها المحب الحبيب، لقد نسفت بلا تثبت جميع ما قرره سيد رحمه الله تعالى من معالم التوحيد ومقتضياته، ولوازمه التي تحتل السِمة البارزة في حياته الطويلة فجميع ما ذكرته تلغيه كلمة واحدة، وهي أن توحيد الله في الحكم والتشريع من مقتضيات كلمة التوحيد، وسيد رحمه الله تعالى ركز على هذا كثيرًا لما رأى من هذه الجرأة الفاجرة على إلغاء تحكيم شرع الله من القضاء وغيره وإحلال القوانين الوضعية بدلاً عنها ولا شك أن هذه جرأة عظيمة ما عهدتها الأمة الإسلامية في مشوارها الطويل قبل عام (1342هـ ).
خامسًا: ومن عناوين الفهرس (قول سيد بخلق القرآن وأن كلام الله عبارة عن الإرادة)، لَمَا رجعت إلى الصفحات المذكورة لم أجد حرفًا واحدًا يصرح فيه سيد رحمه الله تعالى بهذا اللفظ (القرآن مخلوق) كيف يكون هذا الاستسهال للرمي بهذه المكفرات، إن نهاية ما رأيت له تمدد في الأسلوب كقوله (ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها ـ أي الحروف المقطعة ـ مثل هذا الكتاب لأنه من صنع الله لا من صنع الناس)، وهي عبارة لا شك في خطئها، ولكن هل نحكم من خلالها أن سيدًا يقول بهذه المقولة الكفرية (خلق القرآن)؟ اللهم إني لا أستطيع تحمل عهدة ذلك، لقد ذكرني هذا بقولٍ نحوه للشيخ محمد عبد الخالق عظيمة رحمه الله في مقدمة كتابه دراسات في أسلوب القرآن الكريم والذي طبعته مشكورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فهل نرمي الجميع بالقول بخلق القرآن اللهم لا، وأكتفي بهذا من الناحية الموضوعية وهي المهمة.
ومن جهات أخرى أبدي ما يلي:
1 - مسودة هذا الكتاب تقع في 161 صفحة بقلم اليد، وهي خطوط مختلفة، ولا أعرف منه صفحة واحدة بقلمكم حسب المعتاد، إلا أن يكون اختلف خطكم، أو اختلط علي، أم أنه عُهد بكتب سيد قطب رحمه الله لعدد من الطلاب فاستخرج كل طالب ما بدا له تحت إشرافكم، أو بإملائكم. لهذا فلا أتحقق من نسبته إليكم إلا ما كتبته على طرته أنه من تأليفكم، وهذا عندي كاف في التوثيق بالنسبة لشخصكم الكريم.
2 - مع اختلاف الخطوط إلا أن الكتاب من أوله إلى أخره يجري على وتيرة واحدة وهي: أنه بنفس متوترة وتهيج مستمر، ووثبة تضغط على النص حتى يتولد منه الأخطاء الكبار، وتجعل محل الاحتمال ومشتبه الكلام محل قطع لا يقبل الجدال، وهذا نكث لمنهج النقد: الحيدة العلمية.
3 - من حيث الصيغة إذا كان قارنًا بينه وبين أسلوب سيد رحمه الله، فهو في نزول، سيد قد سَمَا، وإن اعتبرناه من جانبكم الكريم فهو أسلوب "إعدادي" لا يناسب إبرازه من طالب علم حاز على العالمية العالية، لا بد من تكافؤ القدرات في الذوق الأدبي، والقدرة على البلاغة والبيان، وحسن العرض، وإلا فليكسر القلم.
4 - لقد طغى أسلوب التهيج والفزع على المنهج العلمي النقدي، ولهذا افتقد الرد أدب الحوار.
5 - في الكتاب من أوله إلى آخره تهجم وضيق عطن وتشنج في العبارات فلماذا هذا؟
6 - هذا الكتاب ينشط الحزبية الجديدة التي أنشأت في نفوس الشبيبة جنوح الفكر بالتحريم تارة، والنقض تارةً وأن هذا بدعة وذاك مبتدع، وهذا ضلال وذاك ضال، ولا بينة كافية للإثبات، وولدت غرور التدين والاستعلاء حتى كأنما الواحد عند فعلته هذه يلقي حملاً عن ظهره قد استراح من عناء حمله، وأنه يأخذ بحجز الأمة عن الهاوية، وأنه في اعتبار الآخرين قد حلق في الورع والغيرة على حرمات الشرع المطهر، وهذا من غير تحقيق هو في الحقيقة هدم، وإن اِعتبر بناء عالي الشرفات، فهو إلى التساقط، ثم التبرد في أدراج الرياح العاتية .
هذه سمات ست تمتع بها هذا الكتاب فآل غـيـر مـمـتـع، هذا ما بدا إلي حسب رغبتكم، وأعتذر عن تأخر الجواب، لأنني من قبل ليس لي عنايةٌ بقراءة كتب هذا الرجل وإن تداولها الناس، لكن هول ما ذكرتم دفعني إلى قراءات متعددةٍ في عامة كتبه، فوجدت في كتبه خيرًا كثيرًا وإيمانًا مشرفًا وحقًا أبلج، وتشريحًا فاضحًا لمخططات العداء للإسلام، على عثرات في سياقاته واسترسال بعبرات ليته لم يفه بها، وكثير منها ينقضها قوله الحق في مكان آخر والكمال عزيز، والرجل كان أديبًا نقادة، ثم اتجه إلى خدمة الإسلام من خلال القرآن العظيم والسنة المشرفة، والسيرة النبوية العطرة، فكان ما كان من مواقف في قضايا عصره، وأصر على موقفه في سبيل الله تعالى، وكشف عن سالفته، وطلب منه أن يسطر بقلمه كلمات اعتذار وقال كلمته الإيمانية المشهورة، إن أصبعًا أرفعه للشهادة لن أكتب به كلمة تضارها، أو كلمة نحو ذلك، فالواجب على الجميع، الدعاء له بالمغفرة،  والاستفادة من علمه، وبيان ما تحققنا خطأه فيه، وأن خطأه لا يوجب حرماننا من علمه ولا هجر كتبه، اعتبر رعاك الله حاله بحال أسلاف مضوا أمثال أبي إسماعيل الهروي والجيلاني كيف دافع عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية مع ما لديهما من الطوام لأن الأصل في مسلكهما نصرة الإسلام والسنة، وانظر منازل السائرين للهروي رحمه الله تعالى، ترى عجائب لا يمكن قبولها ومع ذلك فابن القيم رحمه الله يعتذر عنه أشد الاعتذار ولا يجرمه فيها، وذلك في شرحه مدارج السالكين، وقد بسطت في كتاب "تصنيف الناس بين الظن واليقين" ما تيسر لي من قواعد ضابطة في ذلك.
وفي الختام فإني أنصح فضيلة الأخ في الله بالعدول عن طبع هذا الكتاب "أضواء إسلامية" وأنه لا يجوز نشره ولا طبعه لما فيه من التحامل الشديد والتدريب القوي لشباب الأمة على الوقيعة في العلماء، وتشذيبهم، والحط من أقدارهم والانصراف عن فضائلهم.
واسمح لي بارك الله فيك إن كنت قسوت في العبارة، فإنه بسبب ما رأيته من تحاملكم الشديد وشفقتي عليكم ورغبتكم الملحة بمعرفة ما لدي نحوه، جرى القلم بما تقدم سدد الله خطى الجميع..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يونس خليل

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 13
  • 5
  • 14,492
  • USA Eladly

      منذ
    صرح سيد قطب في تفسير سورة الحديد بقوله: ( ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية الكبرى [أحدية الوجود والكينونة]، وهاموا بها وفيها، وسلكوا إليها مسالك شتى، بعضهم قال: إنه رأى اللهَ في كل شيء في الوجود ، وبعضهم قال: إنه رأى الله من وراء كل شيء في الوجود ، وبعضهم قال: إنه رأى الله فلم يرَ شيئاً في الوجود؛ وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا تجاوزنا عن ظاهر الأقوال القاصرة في هذا المجال، إلا أن ما يؤخذ عليهم على وجه الإجمال هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور، والإسلام في توازنه المطلق يريد من القلب البشري أن يدرك هذه الحقيقة ويعيش بها ولها ). (في ظلال القرآن ـ 6/3480 ـ دار الشروق). وقال في تفسير سورة الإخلاص: ( وهذه مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة، فجذبتهم إلى بعيد، ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة [أحدية الوجود]، وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها، شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا الله، وأن لا وجود إلا وجوده ) (في ظلال القرآن ـ 6/4002 – دار الشروق). إذن (فأحدية الوجود والكينونة) عند سيّد، هي: وحدة الوجود عند المتصوفة التي (يريد الإسلام من القلب البشري أن يدركها، ومن الجوارح أن تعيش بها ولها)، ولا يخالف الأستاذُ سيد المتصوفةَ إلا في (إهمالهم الحياة بهذا التصور).

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً