لا كبير في حُبِّ الله
إن كلا القصتين متشابهتان ومختلفتان لنبيين تبادلا أدوار الهداية واختلف ابتلاء الأول عن الثاني لكن الهم كان واحدا.
قال لها مشاكسا: هل تعلمين أنه قد يخفق الآباء؟
قالت: وكيف؟!
قال: ألم تسمعي قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه آزر كيف حاول جاهدا أن يدعوه إلى الإسلام ولكن أباه كان مصرا على الكفر، وكيف بلغ إبراهيم عليه الصلاة والسلام من العقل والحكمة وكيف كان حال أبيه؟
وكم مرة قال له تقربا وتوددا يا أبتِ وكيف كان يبتعد وينفر في كل مرة؟
وكذا نبينا عليه الصلاة والسلام مع عميه أبو لهب وأبوطالب؟
قالت له: القصة لن تكتمل إلا حين تقرأ معها قصة نوح وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام
قال: كيف ذلك وما علاقة نوح وإسماعيل عليهما السلام بالأمر؟
أخبرته: أن كلا القصتين متشابهتان ومختلفتان لنبيين تبادلا أدوار الهداية واختلف ابتلاء الأول عن الثاني لكن الهم كان واحدا
قال لها: أنا لم أفهم أيَّ همٍّ؟!
أخبرته: عن ابتلاء إبراهيم عليه السلام في حبه لوالده آزر ووفائه له فكم كان يطمع أن يراه من المؤمنين وأن يحشر معه في زمرة المتقين وأن يكون له السند، كما كان له الأب لكن يشاء الله تعالى أن يأبى آزر الهداية لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى
وكذلك ابتلي نوح في حبه لولده ووفائه له حتى صاح فيه قائلا {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَفِرِينَ} [هود: من الآية 42]، كم كان يطمح أن يراه ولدا صالحًا يكبر أمامه على التقوى ويستظل معه تحت عرش الرحمن ويطمع أن يراه في قوله تعالى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الحديد: من الآية 26] فإذا به يفاجأ أنه ليس من أهله وأنه عمل غير صالح وأن التفريق بينهم كائن لا محالة.
قال لها متوجسًا: وما الحكمة أماه من خسران الأب لولده وخسران الولد لأبيه ما أقساه من مشهد وما أحزنها من مشاعر!
قالت له: يا بني كلا النبيين ابتليا في حبهما وتبادلا الأدوار كأبن محب تارة وكأب محب تارة
والنموذج الثالث بين إبراهيم وإسماعيل كيف تبادلا المحبة سويا وابتليا بها سويا ثم أتى أمر الله تعالى بذبح الأب المحب لابنه المحبوب على الرغم من أنه من أهله ومن عباد الله الصالحين.
لتبقى لنا هذه النماذج خالدة لا تسرد لنا قصصًا جامدة لا حراك فيها بل تحكي نماذج مختلفة عن معانِ في الحب الأبوي وحب الأبناء واختلاف المشاعر والأحاسيس على اختلاف الموقف.
لكن يبقى ثمة حبٌ ثابتٌ دوما هو محبة الله تعالى وتفضيله على كل محبة ومن هنا نعرف المعنى الحقيقي للولاء والبراء، وكيف كان حب الله تعالى فرقانا واضحا بين المحبة الخالدة والمحبة الزائلة.
كيف أن حب الجبلة لا يمكن أن يطغى على حب العبادة
وستبقى مثل هذه النماذج سلوى لكل مؤمن مرّ بنفس الابتلاء ليقول أحدهم أنا كإبراهيم عليه السلام ويقول الآخر أنا كنوح عليه السلام ويقول ثالث أنا كإسماعيل عليه السلام هذه هي العبرة من القصص النبوي أن تكون لنا فيها سلوى ونتعلم منها العقيدة وأنه لا كبير يسمع لقوله ولا أب يستشار لرأيه في طاعة الله تعالى.
- التصنيف:
- المصدر: