للإنسان موتتين وحياتين
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [سورة غافر: 11]
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [سورة غافر: 11] .
و هذا قول بن عباس و قتادة قالوا: وهذه مثل قوله تعالى : {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّـهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة البقرة: 28] .
وجاء فى تفسير القرطبى اختلاف أهل التأويل فى ترتيب هاتين الموتتين والحياتين وكم من موتةٍ وحياة للإنسان؟
قال بن عباس و بن مسعود أي كنتم أمواتاً معدومين قبل أن تخلقوا فأحياكم، أي خلقكم ثم يميتكم عند انقضاء أجالكم ثم يحييكم يوم القيامة.
فالآيتان تثبتان للإنسان ميتتين وحياتين، والإنسان موجودٌ غيبى الأصل والمصير يمتد أصله في الوجود سابقاً حدود الأرض والزمن، كما يخترق وجوده المستقبل حتى الخلود، فوجود الأنسان الوضعي الذى نحسه محصورٌ بين وجودين غيبيين وعالمه المشهود ليس سوى صفحة بين عالمين غيبيين.
والأنسان و إن كان موجوداً مادياً على الأرض ، الا أن القرآن يثبت له أصلا روحياً و يذكر أنه مزيج بين روح و مادة {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 7-9] .
فالأنسان مخلوق بنفخة ٍمن روح الله، بجانب كونه من طين فهو يحتوي بين جوانبه أمراً غيبياً، ويطوي في باطن كيانه المادي جوهراً ميتافيزيقياً (المرجع: القضاء والقدر فى الإسلام الدكتور:فاروق الدسوقي) .
والإنسان – كمخلوق لله سبحانه و تعالى كما يقرر القرآن – لا يدرك ماهيته كما يعلمها خالقها و بارئها ، الذي فتح للمعرفة البشرية كتابة الكوني، نستشهد به على وجوده وعظمته، كما فتح لها أيضا كتابة الكلامي المقروء نعرف منه ما خفي عنها من عوالم غيبية وحقائق ميتافيزيقية.
أما عن حقيقة الوجود الإنساني الميتافيزيقي السابق على الوجود البشري فى الأرض، فالقرآن الكريم والسنة يقرران حقيقة ثابتة هى أن الله سبحانه وتعالى قد أوجد البشر جميعاً قبل خلقهم ونزولهم على الأرض ، ولا يعني ذلك قدمهم، بل أن الله سبحانه وتعالى بعد أن خلق أدم – أبو البشر وأولهم وجوداً – جمع ذريته فى وجودٍ سابقٍ على هذا الوجود فى كينونة تختلف عن كينونتهم البشرية فى الأرض .
ومرة أخرى فالآيتين تثبتان للإنسان موتين وحياتين ومعلوم أن الموت وجود أو هو صورة لوجود الإنسان في مرحلة وجودية تكون الروح فيها منفصله عن جسده المادي ، وهذا ما نقصده بوجوده السابق على وجوده الأرضي. فالأنسان وجد من قبل فى كينونه ما ثم تحول هذا الوجود السابق إلى الوجود البشري الحالي، ثم يرجع وجوداً روحياً خالصاً ثم يبعث فى جسد مرة أخرى، وتلك هي مراحل الوجود الإنساني عبر الزمن.
في هذا الوجود السابق للإنسان تمت فى تكوينه عدة عملياتٍ خلقيةٍ تكوينيةٍ، حددت ماهيته وكينونته فى حياته في الدنيا، وأصبح بها إنساناً كما نحسه ونعيشه ونعايشه ونعرفه. وهذه العمليات الخلقيه هي:
عرض الأمانة، والاستشهاد، وتنصيبه خليفة في الأرض. فالأمانة ميزته عن كل المخلوقات، وانفرد عنها بخاصية لا يشاركه فيها غيره والأشهاد منحه الفطرة التى فطره الله عليها. أما الخلافة فهي الوظيفة الكونية للإنسان حيث ترتكز على الأمانة و الفطرة.
بقلم: جلال عبدالله المنوفي
- التصنيف: