أعلام وأقزام .. يوسف شاهين (3)
خالد سعد النجار
عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرضٌ لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجاً)، وأخذت حيزاً وزخماً كبيراً، فرَصدُ واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئاً ماكراً يدبر لهذه الأمة، سواءًا كان هذا التدبير داخلياً أو خارجياً، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصَدَرَت لنا من غُثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي - الواقع المعاصر -
عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرضٌ لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجاً)، وأخذت حيزاً وزخماً كبيراً، فرَصدُ واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئاً ماكراً يدبر لهذه الأمة، سواءًا كان هذا التدبير داخلياً أو خارجياً، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصَدَرَت لنا من غُثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية
فيلم «الناصر صلاح الدين» بعيداً عن كونه عملاً سينمائياً إلا أنه ارتكب أخطاءً تاريخيةً فادحةً للغاية، وهي:
1. وجود شخصياتٍ وهميةٍ بعيدةٍ عن الواقع التاريخي مثل شخصية فيرجينيا، ولويزا قائدة الهوسبيتاليين.
فتاريخيا نجد أن فرقة فرسان مالطة، أو فرقة القديس يوحنا، أو فرقة الاسبتارية، أسماء مختلفة لفرقه شديدة الشراسة والإجرام من فرق الجيش الصليبي ،كَوَنها الإيطاليون في البداية في جزيرة مالطة، وخرجت من رحم الجماعة الأم، وهي فرقة فرسان المعبد ذات السمعة السيئة، هي ليست أحد فروعها، إنما لولا فرسان المعبد، ما كانت فرقة فرسان مالطة.
في بداية تشكيل هذه الفرقة، كان الهدف منها حماية المرضى والجرحى في مستشفى القديس يوحنا القريب من بيت لحم في فلسطين، من أجل هذا أخذت اسم فرقة القديس يوحنا، أو فرقة فرسان المستشفى "Hospitaliers" وبقدرة قادر، الترجمة قلبتها هوسبيتاليين، أيضاً لم يرد ذكر هذه الأسماء إطلاقاً في أي مصدرٍ تاريخيٍ عربيٍ أو أجنبيٍ، حتى في المتحف البريطاني نفسه (أقدم وأهم متاحف العالم).
الثابت أيضا أن فرقة فرسان مالطة كانت أشرس وأقوى فرقةٍ في الجيوش الصليبية كلها، وكانت تتعرض لاختبارات الحرق الجزئي بالنار لإثبات قوة التحمل والولاء، كما أن السيوف الأوروبية وقتها كان وزن الواحد فيهم في حدود 8 كيلو وطوله 120 سم كما هو معروض في المتحف البريطاني، ولباسهم كان دروع حديد، فهل كل المعطيات منسجمة مع قائدة سيدة جميلة وناعمة مثل لويزا؟
2. صور الفيلم الأبراج كسلاح من اخترع الصليبيين، وهذا غير صحيح مطلقاً، فالأبراج الحربية والمقاليع من اختراع القادة العرب في الأندلس، هذا الاختراع موجود بالصور في «بيبليوتيكا ناسيونال» أو «المكتبة الرسمية» في مدريد، حيث توجد كتبٌ كبيرةٌ وقديمةٌ جداً، وفيها صور من الأبراج التي استخدمها العرب للهجوم على قلاع الأسبان والبرتغاليين في شبه جزيرة أيبيريا (أسبانيا والبرتغال الآن).
3. من هو الدمشقي الذي عمل السائل الفاتك بالأبراج؟
إنه أبو الفضل (جعفر بن علي الدمشقي)، عالمٌ في الاقتصاد والتجارة، أهم إنجازاته كان كتاب «الإشارة إلى محاسن التجارة» صدر سنة 1175م، وجدت آثار من الكتاب في المكتبة الخديوية بمصر.
في أفلام يوسف شاهين فقط، يتحول عالم الاقتصاد إلى عالم كيمياء، ويتحول المسلم إلى مسيحي، والبطل إلى خائن، وفي حقيقة هذا السائل مقولتين:
الأولى: هذا السائل اسمه «الزاج الأخضر» أو «حمض الكبريتيك» المركز أو بالعامية «ماء النار»، ذكره (جابر بن حيان) مكتشفه الأصلي، وقال عنه أنه زيت يحرق من دون نار.
الثانية: أن هذا السائل اسمه «النار الإغريقية» وكان معروفاً في أوروبا، لأن البيزنطيين استخدموه في الدفاع عن القسطنطينية، سائل يحترق مخلفاً نار لا تطفأ إلا بالرمل أو بالمعاجلة عن طريق الخل.
الجدير بالذكر أن قصة الفيلم كانت عبارة عن قصة حب في عصر الحملة الصليبية الثالثة، وحينما عُرض الفيلم على المخرج عز الدين ذو الفقار والممثل أحمد مظهر جعلوا يوسف السباعي يغير القصة لتكون قصة الحملة الصليبية الثالثة، وفى وسطها قصة حب، وتم التعديل، وكان عز الدين ذو الفقار أحس بدنو أجله فأشار على المنتجة (آسيا) بأن تتعاون مع يوسف شاهين لإخراج الفيلم، وقام النظام المصري الناصري في ذلك الوقت بمساعدة آسيا في بعض لوازم الفيلم من أحصنةٍ وسيوفٍ وكتيبتين من الجيش المصري استناداً لبعض المصادر ككتاب «50 سنة ثورة في ذكرى ثورة يوليو» الصادر عن الأهرام، وقد تم رفض الفيلم من الأوسكار بسبب الساعة التي كان يضعها أحد الكومبارس، ولا يزال حديث "الساعة الحديثة" حتى الآن محل السخرية والنقد، وتم مونتاج هذه اللقطة على يد (رشيدة عبد السلام)، وتم إنتاج الفيلم في سنة 1963 بعد تجهيز 5 سنوات بتكلفة إنتاجية 200 ألف جنيه، ومن طريف المواقف أن فيلم «عنترة بن شداد» كان يعرض عصراً في التليفزيون المصري يوم 4 مايو من كل سنة، بالتزامن مع فيلم «الناصر صلاح الدين» في الليل في السهرة، وما ذاك إلا أن هذا اليوم كان عيد ميلاد المخلوع حسني مبارك.
فيلم المهاجر
في ٢٦ سبتمبر عام ١٩٩٤ عرض فيلم «المهاجر» الذي بلغت نفقاته مليوني دولار، وهو أضخم إنتاج عرفته السينما المصرية طوال تاريخها.
بطل الفيلم (رام) شاب في مقتبل عمره، مصيبته الكبرى أنه يفكر ويحلم دون جميع إخوته، هو إنسان يحلم بزراعة الأرض ليعم الخير علي الجميع، ومن بينهم إخوته السلبيون الذي يعلم جيداً أنهم يكرهونه، لسبب لا يعلمه أو من الممكن أن يكون بسبب تفضيل والده له عليهم.
يصر رام علي السفر لمصر ليتعلم الزراعة، ولم يستطع والده رده عن إلحاحه، ووجد إخوته أن الفرصة سنحت للتخلص منه، فرموه في جب سفينة بضائع متجهة إلي مصر، وبسبب معرفته للقراءة فقد تم بيعه لقائد الجيش الفرعوني، وألحقوه بخادمي الكهنة ليتعلم التحنيط، ولكنه أصر علي تعلم الزراعة، فأهداه قائد الجيوش قطعة أرضٍ صحراويةٍ ليزرعها، وفي النهاية ينجح في زراعتها، وتوفير المخزون الكافي لسنوات الجفاف.
لم يمض على عرض الفيلم الذي أجازته الرقابة والأزهر ووزارة الثقافة أسبوعين حتى تقدم الأستاذ (محمود أبو الفيض) المحامي بدعوي قضائية يختصم فيها مخرج الفيلم ومنتجه وشيخ الأزهر ووزير الثقافة ومدير الرقابة على المصنفات الفنية وقتها للسماح لهم بعرض الفيلم.
واتهم المحامي المخرج يوسف شاهين بتشويه التاريخ المصري، والخوض في الأديان، وتجسيد الأنبياء على الشاشة، والسخرية منهم، والمساس بالدين، حيث صرح أبو الفيض إلى «الوسط» بأنه "شاهد غالبية أفلام يوسف شاهين، وأنه يحترم فن هذا المخرج، على رغم خبثه الواضح خصوصاً في أفلامه الخمسة أو الستة الأخيرة، إلا أنه في «المهاجر» تعرى تماماً وكشف بوضوح مواقفه الحقيقية".
وقال المحامي الذي يدير مكتباً متواضعاً للمحاماة في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة ، إنه ترك كل أشغاله وقضاياه وتفرغ ليوسف شاهين، "فالدفاع عن الدين والرسل فرض عينٍ على كل مسلمٍ". وأوضح أنه شاهد «المهاجر» مرتين، مرة كمشاهد عادي، ومرة كمحام. وأضاف: "يوسف شاهين ليس مخرجاً عادياً، لذا يحتاج إلى تركيز وتمحيص وعينين مفتوحتين عن آخرهما".
الغريب أن الأزهر بالفعل وافق على سيناريو «المهاجر»، ولكن في المرة الثانية التي تقدم بها شاهين، حيث تقدم في البداية بسيناريو يحمل اسم «يوسف وأخوته» ويروي فيه جانبا من رحله يوسف إلى مصر، ولكنه رُفض بسبب قرار منع تجسيد الأنبياء على الشاشة، ليعود شاهين ويعمل على السيناريو ويخرج فيلم «المهاجر» كما قدم ويحصل على موافقة الأزهر عليه بعدما جعل الأشقاء سبعة لا أحد عشر كما هو موجود، واستبدل بالبئر قاع المركب الذي حمله إلى مصر. وإذا كان نبي الله يوسف عليه السلام قد أتى إلى مصر غلاماً وبغير إرادته فقد أتى إليها (رام) بطل يوسف شاهين شاباً يافعاً يبحث عن المعرفة.