لقائي الصحفي مع الشيخ عبد المجيد 1
عبد المنعم منيب
فى آواخر عام 2010 أو أوائل 2011 جاءني "إيميل" من موقع فضيلة الشيخ عبد المجيد الشاذلي على الويب وطلب مني أن أرسل لهم رقم تليفوني كي يتواصلوا معي، ولم أكن متابعاً للموقع قبل هذا الإيميل، وأرسلت تليفوني لهم ولكن يبدو أن تليفوني كان يتعطل من حين لآخر وقتها، فلم يتم التواصل ثم بعد ثورة 25 يناير 2011 بفترةٍ قصيرةٍ جداً، تجدد التواصل بالإيميل، إذ حادثني الأخ بأن رقمي لا يعمل فرددت عليه بالأيميل في الحال، وقلت له اتصل الآن، فاتصل ورددت عليه، واتفقنا على أن أزورهم بالإسكندرية، فى موعدٍ محددٍ للقاء الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله، وذهبت فى الموعد المحدد والتقيت الشيخ عبد المجيد الشاذلي بمنزله في الإبراهيمية لأول مرة فى حياتي، وأظن أن اللقاء كان فى الربيع أو أول صيف 2011
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
فى آواخر عام 2010 أو أوائل 2011 جاءني "إيميل" من موقع فضيلة الشيخ عبد المجيد الشاذلي على الويب وطلب مني أن أرسل لهم رقم تليفوني كي يتواصلوا معي، ولم أكن متابعاً للموقع قبل هذا الإيميل، وأرسلت تليفوني لهم ولكن يبدو أن تليفوني كان يتعطل من حين لآخر وقتها، فلم يتم التواصل ثم بعد ثورة 25 يناير 2011 بفترةٍ قصيرةٍ جداً، تجدد التواصل بالإيميل، إذ حادثني الأخ بأن رقمي لا يعمل فرددت عليه بالأيميل في الحال، وقلت له اتصل الآن، فاتصل ورددت عليه، واتفقنا على أن أزورهم بالإسكندرية، فى موعدٍ محددٍ للقاء الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله، وذهبت فى الموعد المحدد والتقيت الشيخ عبد المجيد الشاذلي بمنزله في الإبراهيمية لأول مرة فى حياتي، وأظن أن اللقاء كان فى الربيع أو أول صيف 2011.
كنت اطلعت على كتاب الشيخ "حد الإسلام" فى 1988 على ما أذكر كما كتبت عن تاريخ الجماعة التى أسسها وقادها، فصلاً في كتابين من كتبي (صدرا فى 2009 ثم 2010)، ورغم هذا لم أشرف بمقابلة الشيخ رحمه الله حتى لحظة هذه الزيارة.
فتح الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله لنا باب شقته وكانت أول مفاجأة أن صحته عليلةٌ ويتحرك بعناءٍ ومع هذا فتح لنا الباب بنفسه وقادنا إلى غرفة الصالون وجلس معنا وكان هناك زائرٌ آخر يزور الشيخ بنفس الوقت ، وكان معنا اثنان من الأخوة وإتضح لي من هذا اللقاء واللقاءات التالية أنهما تحديداً كانا مساعدين للشيخ في شؤونه الإدارية ورغم وجودهما فقد كان الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله يحرص على إحضار المشروبات لنا بنفسه من المطبخ ونحو هذا رغم إلحاح الأخوة عليه بالمساعدة.
ثم جاءت المفاجأة الثانية وهى أن الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله وافق على هذه المقابلة لأنه يريد أن يستنصحني فى عدد من الشؤون السياسية والإعلامية ويعرف رؤيتي فيها واستمع بإنصات وإهتمام طالباً من أحد الحاضرين كتابة ما يجرى من كلام، وعرفت بعد هذا من أحد الأخوة أن بداية معرفة الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله بي هي أنه قرأ مقالاً لي بعنوان "كرة القدم.. والتعبئة السياسية الإسلامية الغائبة" كنت نشرته بموقع الإسلام اليوم فى فبراير 2010 وعلمت من الأخ أنه قال لهم وقتها أريد أن ألتقي بهذا الأخ، لأن هذه القضية بالغة الأهمية، ونحن والإخوان المسلمون نعمل منذ عشرات السنين ولم نتمكن من حل هذه الإشكالية.
وتوالت المفاجآت فى لقائي هذا وما تلته من لقاءات عديدة مع الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله، فرغم حرصه على الاستماع لأرائي السياسية والإعلامية باستمرار حتى وفاته رحمه الله إلا أني وجدته بحراً في المعرفة السياسة والاستراتيجة والاقتصادية بجانب التاريخ المعاصر طبعاً، كنت قبل أن أقابله أعلم أنه عالمٌ في العلوم الشرعية خاصةً في العقيدة وأصول الفقه، ولكن كان مفاجئاً لي أن وجدته متبحراً فى السياسة والاستراتيجيات السياسية والاقتصاد والتاريخ الحديث والمعاصر ولقد أدركت هذا من خلال نقاشي الكثير معه فى هذه الجلسة وبعدها جلسات عديدة واتصالات تليفونية حتى وفاته رحمه الله.
ومن مفاجآت هذه الشخصية الفذة تواضعه الجم سواءً مع شخصٍ غريبٍ عليه مثلي أو مع تلامذته الذين يدينون له بالفضل والولاء فتجده يجلس مع الجميع ويستمع ويناقش بكل تواضع وكأن الجميع نظراء أو زملاء له وليسوا تلامذة، وحتى معي وأنا لست تلميذاً له فإني أدرك جيداً أنه عالمٌ ذو كعب عالٍ فى كل هذه الفروع من العلم وكان يمكنني أن أتقبل منه بعض الاعتزاز بالذات أو قليلاً من الفخر والإعجاب بالرأي أو على الأقل يتعامل بقدر من الحواجز معنا، ومع غيرنا، كما يفعل كثير من الرموز المشهورة المنتسبة لجميع التيارات الإسلامية، لكن الرجل رحمه الله لم يكن لديه ذرةٌ من هذا كله، وهذا كله جاء برغم أن وضعه الاجتماعى ظل مرموقاً بالمقاييس الدنيوية حتى وفاته.
فى إطار متابعتي للعمل الإسلامي بالعالم كله وتأملاتي الكثيرة حوله فإنى أجزم بأن من يملكون رؤية وفهما سياسياً واستراتيجياً راقياً بالمقاييس العلمية المعاصرة من بين العاملين فى إطار العمل الإسلامي هم قلة قليلة جداً فى العالم كله (وهذا التقدير لا يشمل أساتذة الجامعات غير المنخرطين عملياً فى العمل الإسلامي) وأشهد أن من بين أبرز هؤلاء القلة كان الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله، كما أن الشيخ رحمه الله تميز بشىءٍ زائدٍ ربما لا تجده إلا في عددٍ قليلٍ من قادة الحركات الإسلامية وهو امتلاكه لتصور اقتصادي إسلامي متكامل لنهضة الدولة، فأنا راقبت الأداء الاقتصادي والبرامج الاقتصادية للعديد من الإسلاميين وناقشت العديد من القادة الإسلاميين المرموقين (بجلسات خاصة غير منشورة) فلم أجد أحداً لديه برنامجاً اقتصادياً إسلامياً يضاهي أو حتى يقترب من مستوى ما طرحه الشيخ عبد المجيد الشاذلي، بل هناك قادة مشهورون جداً وجدتهم ليس عندهم أدنى فكرة عن "الاقتصاد الإسلامي الكلي" ولو ذكرت أسماء فسوف يصدم القراء كما أنني لا أريد أن أصرح بانتقاص أشخاص بعينهم.
تحيرت من أين أتى بهذه الرؤية العميقة والمتكاملة والمنضبطة بالشرع فى الاقتصاد الكلي والنهضة الاقتصادية، وتبين لى من البحث والتأمل أن بعضاً من أصول هذا التصور الاقتصادي تلقاها من الأستاذ سيد قطب رحمه الله بينما اجتهد ودرس وأكمل وطور التصور الاقتصادي بنفسه.
يحلو لبعض خصوم الشيخ عبد المجيد الشاذلي رحمه الله بل وبعض أنصاره أن يختزلوا أهميته وأطروحاته في كتبه التى ألفها فى العقيدة ولكن أنا أرى أن هذا خطأٌ رغم أن أغلب ما صدر له من كتب هي كتب عقيدة، لأن ما ساقه الشيخ الشاذلي من عقيدةٍ هو عقيدة أهل السنة كما هي في جميع كتب أهل السنة من لدن السلف الصالح وحتى اليوم، وحتى التركيز على عدم عذره بالجهل فى الاعتقاد وإبراز هذا الأمر ليهلل له الأنصار ويطعن فيه الخصوم هو أمر غير ذي أهمية من وجهة نظري لأن علماء الدعوة الوهابية وإلى الآن وعلى رأسهم مشهورون كابن باز رحمه الله هم أيضاً لا يعذرون بالجهل فى الاعتقاد، ومن هنا فأنا أرى وأصر على أن أهمية وتميز الشيخ الشاذلي هو فى مجال أطروحاته السياسية والاستراتيجية والاقتصادية الإسلامية لأن هذه المجالات لم يسهم فيها الإسلاميون بقدر مناسب كماً ونوعاً، كما أن ما طرحه الشيخ فى هذا المجال لا يشبه غيره مما طرح.
وللحديث بقية إن شاء الله.