اتجاهات التعامل مع قضايا الأمة
أحمد سمير
أصحاب هذا الاتجاه يعلمون أن القدر كله لله وهم يقولون أن من قدر الله علينا واختباره لنا أن جعل لأعدائنا هذا الفارق من القوة والعلم، فتصبح المعركة معهم معركة صعبة، لولا الإيمان بالله لقلنا محالة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
هناك ثلاثة اتجاهات في التعامل مع قضايا الأمة:
الاتجاه الأول: هو اتجاه من يقول: لا أمل في تحقيق شيء مطلقًا في ظل النظام الدولي الحالي، وتصور خروج شيء عن إرادة النظام الدولي عبث وتهور وقلة إدراك وحماسة شباب، هذا رأي يتبناه كلٌ من:
1- من يرى ضرورة الانسحاب من كل مواطن المواجهة والاكتفاء بالمشاهدة من بعيد، وهو رأي فئام من المثقفين والمعرفيين وكثير من أصحاب المشاريع العلمية الاعتزالية (قلت فئام وكثير لأن هناك من أصحاب المشاريع المعرفية والعلمية من لا يرى وجودًا أصلا لهذه الهيمنة).
2- من يرى ضرورة الخضوع للنظام الدولي والرضا بتحقيق المكاسب تحت مظلته بدون صدام معه ولا مواجهة ويرون أن من حسن السياسة التعامل معه، وقبول الكثير من إملاءاته ولا يرون حلا آخر سوى التعامل والتعاطي معه (وهو رأي جماعة الإخوان ومن يدور في فلك أفكارها من الحركات والجماعات، وأخيرًا رأينا الدكتور النفيسي يتحول من رأيه الأول لهذا الرأي).
الاتجاه الثاني: عكس الاتجاه الأول، وهو اتجاه من لا يرى أصلًا أي تأثير يستحق الذكر للنظام الدولي، ونظرته لأمريكا على سبيل المثال أنها مجرد دولة متطفلة بعيدة خلف المحيطات تحاول أن تدخل في شؤوننا ولكنها تعود خاسرة وتفشل، وهكذا تحاول المسكينة قليلة الحيلة أن تدخل مرة أخرى ولكنها تفشل مجددًا، هؤلاء جمهور عظيم من الدراويش والمغيبين، وهذا نهجهم في تفسير حتى الأحداث المحلية، كنا نحدثهم في مصر عن خطورة العسكر وهم يتحدثون عن كون العسكر لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا، وأن كل شيء يحدث رغمًا عنهم، وبعضهم الآن طريدًا في تركيا يقرأ كلامي يقينًا!!
وهؤلاء يستترون من بصق أصحاب العقول على سطحيتهم بكلمة حق منمقة يُراد بها باطل (أمريكا ليست إلهًا، والنظام الدولي ليس المتحكم في الأقدار)، وهذه الكلمة تصلح للرد فقط على أصحاب الاتجاه الأول، ولكنها لا تصلح أن تكون نفيًا لوجود النظام الدولي وتوحشه وتوغله وقدرته -بما قدره الله له من أسباب- أن يتسبب في توجيه كثير من أطراف اللعبة لصالحه، وكذلك في احتواء وتقويض كثير مما لا يروق لهم مما يجري على الأرض.
أصحاب الاتجاه الثاني لهم فائدة وحيدة في الحياة أنهم يوجدون توازنًا مع أصحاب الاتجاه الأول، لأن كلا منهما منفردًا كفيل بالقضاء علينا بجلطة دماغية عاجلة!!
أما الاتجاه الثالث والذي نتبناه ولا نريده أن يختلط بالاتجاه الأول: فهو اتجاه من يقول أن النظام الدولي حقيقة لا خيال، وأن أمريكا لها أقدام في بلادنا وليست قدمًا واحدة!! تدوس بقدمٍ على كثير ممن لا يروق لها وجوده، وتدفع للأمام بقدمها من يروق لها أن يتقدم، وتزحزح بقدم ثالثة من تريد له أن ينحرف عن مساره، وترفس بعيدًا من تريد له أن يظل موجودًا في مشهد آخر غير المشهد الرئيسي!! ومن كان لبيبًا فطن لما أقول!
أصحاب هذا الاتجاه يعلمون أن القدر كله لله وهم يقولون أن من قدر الله علينا واختباره لنا أن جعل لأعدائنا هذا الفارق من القوة والعلم، فتصبح المعركة معهم معركة صعبة، لولا الإيمان بالله لقلنا محالة، ولو كانت سهلة لبنى كثير من السفلة ومنحطي الهمم أمجادا زائفة، ولكن يأبى الله إلا أن يجري الاقدار بما يكشف الصادقين من غيرهم، ويميز من يخافه وحده، ممن يخاف أعداءه ويسارع فيهم طالبا رضاهم، ويخشى أن تصيبه دائرة!
إننا لسنا من السفاهة والبلاهة التي تجعلنا نقول أن المقادير كلها تجري وفق ما يريده النظام الدولي، ولسنا بحاجة لتذكيرنا بالحالات التي خرجت الأحداث فيها عن مسار إراداتهم، فنحن أصلًا نعمل على جمع هذه الحالات وتتبعها لنستفيد منها، ولسنا كأولئك المجانين الذين يتهمون كل من سواهم بالعمالة لمجرد تمكن النظام الدولي من احتواء أفعالهم، ما نقوله ببساطة هو أن تحييد النظام الدولي عن معركة هي أصلًا مع النظام الدولي مستحيل، وأن تجاهل قدراته وأياديه الممتدة سفه، وأن ما دام العدو هو من يمتلك زمام العلم والدراسة والوعي، ويعرفنا ولا نعرفه، فسيتمكن من احتواء الأحداث لصالحه حتى ولو كان أبطال الأحداث من الصادقين، ولهذا فقط كان طلبي من الفارحين أن لا يسمحوا للفرحة أن تأكل عقولهم، وأن تغيب وعيهم، وأن تنسيهم العدو الأول والأخطر في هذه المعركة، الذي ابيض شعره في وضع الخطط والخطط البديلة ليس ضعفا منه، ولكن مبالغة منه في محاولة ضمان أن كل النتائج ستصب في صالحه، في وقتٍ ابيض شعر البعض منا على الأرض لإقناعه أننا لا نمثل خطرًا عليكم!