عن إبراهيم وآله.. ويعقوب وآله.. وأوضاع أُسَرنا
يجب أن نبحث عن نفوسنا وديننا، يجب أن ننظر في تاثر أبنائنا بنا وأن نرى فيهم حقيقتنا وصورتنا الواضحة. أما مجرد الإحالة السهلة بأننا جيدون وأن أبناءنا سيئون، ولا تنجع فيهم التربية فهذا تبسيطٌ وتسطيحٌ وإهمال لجانبٍ مهم يجب مراجعته قبل أن نقرر أن العيب ليس فينا بل في أبنائنا.
كانت لقاءات إبراهيم بإسماعيل بعدما كبر وتخطى مرحلة الرضاع محدودة، بل ومعدودة؛ عَدَها أهل السير وعلماء التاريخ، لكن انطباعات إسماعيل بأبيه كانت عميقةً جداً، وأثرت في تربيته وتكوينه عميقاً جداً.
عاشت هاجر مع إبراهيم فترةً معينةً لكنها ليست طويلةً بل انتقلت مع ابنها إلى مكة المكرمة، ونشأ من ذريتها (أبناء إسماعيل) العرب بعد ذلك، لكن في فترة حياتها مع إبراهيم كان تأثرها به عميقاً؛ فبعد فترة وثنيتها في مصر، أصبحت زوجة لنبي، وصلح حالها لأن أصبحت تربي نبياً رسولاً!
كيف تأثرت هاجر وكيف انطبعت بإبراهيم وكيف كان تأثيره عليه السلام في قلبها وقلب ولده؟
كم عاش يوسف مع يعقوب؟ ومتى تركه؟ تركه غلاماً ذا سنين معدودة، لكن بقيت تلك التربية حتى قال وهو في السجن {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّـهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: 38].
كيف انطبع يوسف في سنه الصغيرة واستمر هذا التأثر والانطباع عميقاً وجاداً في نفسه؟ وكيف استمر نفس الانطباع في نفس اسماعيل عميقاً وجاداً؟ وكيف نشأ كلٌ منهما نبيين رسولين ينموان محتفظين بتلك التركة ويرعيان تلك البذرة، وتثمر فيهما تلك التربية وتدوم تلك الانطباعات ويتجذر ذلك التأثر؟
نعم إنهما نبيان كريمان، رباهما الله تعالى تحت عينه، ولكن الله تعالى سبب لهما ذلك التاثير كلٌ في بيته وجعل تعالى لهذا التأثير دواماً وجذوراً في قلبيهما، بسبب الصدق العميق لإبراهيم ويعقوب، حتى كان لتلك الفترة البسيطة من الاحتكاك بابنيهما ذلك الأثر الممتد بلا انقطاع.
يجب أن نبحث عن نفوسنا وديننا، يجب أن ننظر في تاثر أبنائنا بنا وأن نرى فيهم حقيقتنا وصورتنا الواضحة.
أما مجرد الإحالة السهلة بأننا جيدون وأن أبناءنا سيئون، ولا تنجع فيهم التربية فهذا تبسيطٌ وتسطيحٌ وإهمال لجانبٍ مهم يجب مراجعته قبل أن نقرر أن العيب ليس فينا بل في أبنائنا.