لماذا تراجع دور الأزهر؟

منذ 2016-09-26

يستحضر كثير من المحللين دور الأزهر في المشهد المصري ويسجلون تراجعًا في دوره، يقولون: كان يقود الجماهير ضد الإحتلال الفرنسي وظل في الصدارة حتى ثورة 1919م ثم اختفى وصار تابعًا، وجلهم – إن لم يكن كلهم – ينادي على الأزهر كي ينهض ثانيةً ويتصدر المشهد أو يخرج من التبعية للنظم المستبدة إلى الريادة في صفوف المعارضة دفعًا للظلم والظالمين

يستحضر كثير من المحللين دور الأزهر في المشهد المصري ويسجلون تراجعًا في دوره، يقولون: كان يقود الجماهير ضد الإحتلال الفرنسي وظل في الصدارة حتى ثورة 1919م ثم اختفى وصار تابعًا، وجلهم – إن لم يكن كلهم – ينادي على الأزهر كي ينهض ثانيةً ويتصدر المشهد أو يخرج من التبعية للنظم المستبدة إلى الريادة في صفوف المعارضة دفعًا للظلم والظالمين. والسؤال: لماذا تأخر دور الأزهر؟، وهل يستطيع الخروج من تبعية الظالمين إلي قيادة المعارضين؟، هل يستطيع أن يتحول من أداة من أدوات الظالمين إلى فاعل رئيسي في الأخذ على يد الظالم؟!

تقدم الأزهر وتراجعه سببه الظاهر يكمن في التغيرات التي أحدثها الإحتلال الغربي لمصر، فقديمًا كان المجتمع المصري يخضع للتصورات الإسلامية، كان المجتمع يتبع العلماء وأهل الرأي وأهل المروءات؛ وكانت سلطة الدولة (وهي الحكومة في النظم الإسلامية) محدودة إلى حدٍ كبير إذا ما قورنت بسلطة المجتمع الذي يقوده العلماء ويتمتع بشبه استقلالية عن الدولة في إدارة شؤونه، ولذا حين جاء المحتل وكسر الدولة (النظام الحاكم) واختلط بالناس (الشعب)، واجه الناسُ المحتلَ بقيادتهم الطبيعية يومها (العلماء، وأهل الرأي، وأهل المروءات، والتجار) ولذا برز علماء الأزهر كقادة للشعب، وقد كانوا هم قادة الشعب حقيقةً وحين هزمت السلطة بأدواتها (الجيش والشرطة) هبُّوا هم ليدافعوا عن الدين والعرض والمال والنفس بأدواتهم (جماهير الناس).

بعد ظهور الدولة الحديثة على يد "محمد علي" بمعاونة المحتل تراجع دور الأزهر تلقائيًا، إذْ قد بدأ فرض نموذج سلطوي جديد، وفرض نموذج مجتمعي جديد على الأمة الإسلامية لا يكون دور العلماء فيه كما قد كان في النموذج الإسلامي، بمعنى أن قد بدأ رحيل النموذج الإسلامي للمجتمع بقيادة العلماء وحضر النموذج الغربي (الدولة الحديثة) والذي يستتبع العلماء،  يجعلهم جزء لا يتجزأ من الدولة؛ أو: قد سيطرت الدولة الحديثة على المؤسسة الدينية وتحكمت فيها كليةً كما فعلت بجميع مجالات الحياة، فهذا الوحش الكاسر  (الدولة الحديثة) تَحَكم في كل شيءٍ حتى المؤسسة الدينية يتحكم فيها بجميع تفاصيلها، فكل ما يخص المؤسسة الدينية يتبع مباشرةً الدولة الحديثة، من المسجد إلى مشيخة الأزهر مرورًا بالإفتاء ومناهج التعليم والألقاب العلمية (الشرعية المجتمعية).

ولذا فإن النداء على الأزهر بوضعه الحالي كي ينهض بدوره في قيادة الأمة ضد الاستبداد عبث، فالأزهر الآن جزء من منظومة الاستبداد، وكذا شبه الرسميين من المنتسبين للظاهرة الدينية جزءٌ لا يتجزأ من منظومة الاستبداد.
أمرُّ (من المرارة) ما في المشهد هو هؤلاء الذين ينادون على الأزهر كي يعود ويقود، هؤلاء لا يفهمون المشهد الحالي، لا يعرفون الفرق بين الأمس واليوم، لا يعرفون أنهم في حالة غربةٍ وأن نموذج الحكم الحالي هو نموذج الأعداء، والدين فيه تبع وليس أصلًا يتحكم فيما سواه ويوجهه، والصواب شيءٌ آخر غير الموجود. ولذا تجد غاية هؤلاء أن يتم إصلاح "الدولة الحديثة" ولن يكون. الإصلاح يأتي بقيمٍ جديدةٍ ومؤسساتٍ جديدةٍ تطبق هذه القيم، فعلينا أن نستجلي طبيعة العلماء ودورهم في المجتمع ثم كيف يتم فرض ذلك واقعًا على هذا الواقع الفاسد أمَّا أن ننادي على الفاسدين ليصلحوا وأن نبقي أداة الفساد (الدولة الحديثة) ونرجوا بها صلاحًا فهذا عبث وأمارة جهل.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 9
  • 0
  • 5,511

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً