بعد حرق حلب.. إلى أي مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولي؟؟

منذ 2016-09-30

يثير حرق حلب وقبلها إدلب وكافة سوريا وقبلهم فلسطين وأفغناستان والعراق، سؤالاً مهماً وهو إلى أي مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولي؟؟ إجابة هذا السؤال مهمةٌ لأنها سيترتب عليها الجزء الأكبر لطبيعة الاستراتيجية الإسلامية لاستعادة عزة وكرامة واستقلال العرب والأمة الإسلامية لأنه لا عز للعرب بدون الإسلام.

يثير حرق حلب وقبلها إدلب وكافة سوريا وقبلهم فلسطين وأفغناستان والعراق، سؤالاً مهماً وهو إلى أي مدى يمكن أن يعتمد المسلمون على النظام الدولي؟؟ إجابة هذا السؤال مهمةٌ لأنها سيترتب عليها الجزء الأكبر لطبيعة الاستراتيجية الإسلامية لاستعادة عزة وكرامة واستقلال العرب والأمة الإسلامية لأنه لا عز للعرب بدون الإسلام.

النظام الدولي ما هو إلا النظام الأوروبي للتحكم والهيمنة على العالم وهذا النظام ترجع نشأته الحالية إلى صلح وستفاليا 1648م، وما تلاه من معاهدات بالسنوات التالية لأنه هو الذي أرسى دعائم نظام "ما" ينظم طبيعة وآليات العلاقة بين الدول الأوروبية بما فيها بابا الكنيسة الكاثولوكية (وما يتبعه من أملاك) وهذا النظام الأوروبي -بما حمله من تعاون وصراع وفق آليات ارتضوها- هو الذي أدار تالياً عملية تصفية الوجود السياسي الإسلامي كقوةٍ دوليةٍ عظمى ممثلاً في الدولة العثمانية، وإحتل كل العالم الاسلامي بدوله وممالكه وإماراته المتفرقة بأشكالٍ مختلفةٍ، هذا النظام شهد إختلالاتً متعددةً بسبب احتدام التنافس بينهم ليخرج عن المستوى المسموح به بينهم فى ثلاثة حروب هي العالمية الأولى والثانية ثم الحرب الباردة، لكنه ظل إزاء المسلمين موحد الأهداف.

وهذا النظام الدولي تغيرت رؤوسه على مر التاريخ من دول أوروبية لأخرى إلى أن استقرت أخيراً منذ 1990 في الولايات المتحدة الأمريكية وهي وإن كانت خارج اوروبا إلا أنها ابنة أوروبا ثقافةً وحضارةً وديناً وشعباً وحتى الآن.

هذا النظام هو النظام الرسمي النظامي الذي يملك صنع الحدث في العالم، ولكن لتكتمل الصورة لابد أن نعي أن هناك نظاماً شعبياً يظهر وكأنه موازي لهذا النظام لأن له مزاجه المختلف أحياناً ولأن صوته عالي جداً.

هذا النظام الشعبي يتمثل في حركاتٍ شعبيةٍ غير حكومية تدافع عن حقوق الإنسان أو الحيوان أو البيئة أو عن قيم إنسانية أو الضعفاء والمظلومين، وهؤلاء صوتهم عالي لحدٍ كبير في أوروبا والولايات المتحدة بسبب طبيعة الحريات المتاحة هناك لكن تأثيرهم بشأن تعديل أو تحسين (فضلا عن تغيير) ثوابت النظام الدولي منعدمة، فقد رأينا عشرات الملايين منهم يتظاهرون فى أوروبا وأمريكا ضد غزو العراق ومع هذا تم إحتلال العراق واستمروا بالتظاهر لوقف الإحتلال ولكن الاحتلال استمر حتى حققت أمريكا وأوروبا ما أردا هناك، ورأينا الملايين يتظاهرون ويحتجون ضد ممارسات الصهاينة في فلسطين منذ عشرات السنين ومع هذا استمرت هذه الممارسات حتى اليوم بل تصاعدت وتعمقت.

كما أن هذه الحركات الشعبية كثيراً ما يتم اختراقها وتوجيهها بشكل أو بآخر من قِبَل النظام الرسمي (الحكومي) ولكن هذا له حديث آخر إن شاء الله.

وهذا يطرح سؤالين هما: ما هي ثوابت النظام الدولي بشأننا؟، ما هي آليات عمل النظام الدولي تجاهنا؟.

وبالنسبة للسؤال الأول فلا يمكن أن نفصل كل ثوابت النظام الدولي في مقالٍ واحد كهذا ولكن يمكننا أن نذكر ما يخصنا وهو ثوابت النظام الدولي تجاه المسلمين ومنطقتهم، ولئلا يطول الكلام نذكر التصريحات التالية التي توضح الصورة باختصار ولا تدع مجالاً للشك لدى القارئ:

يقول "دزرائيلى" رئيس وزراء بريطانيا في خطاب له في عام 1872: "إن من الواجب على من صنعوا المدنية أن ينقلوها إلى الآخرين على شروطهم الغربية"

ويقول "هنري كيسنجر" عقب إعلانه توقيع الانفراج مع الإتحاد السوفيتي في 1972: "إن السياسة الخارجية الأمريكية في القرن القادم سوف تقوم على تهيئة نظام عالميٍ مستقرٍ تحيا فيه القيم الأمريكية وتزدهر"، وقد تم وضع هذا النص كما هو كهدفٍ قومي في عهد "ريجان" فجاء كما يلى: "رابعا- إقامة والحفاظ على نظامٍ عالميٍ مناسبٍ لا يحقق بقاء القيم الأمريكية فحسب بل وازدهارها".

وتقول "مارجريت تاتشر" رئيسة وزراء بريطانيا 1988: "إن الامبريالية الأوروبية -نعم ولا أعتذر عن هذا- هي التي نقلت الحضارة إلى كثير من شعوب العالم، لقد كانت هذه هي حكاية مواهبهم وفروسيتهم".

ويقول "فرانسوا ميتران" رئيس فرنسا في 1990: "إن وحدة الأيديولوجية في دول العالم بأن تسود قيم الديمقراطية الغربية هي الطريق الوحيد للتفاهم والتعاون الدولي ولأن يسود الاستقرار والسلام في العالم"

وقال بيل كلينتون يوم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية 1993: "إن أمريكا تؤمن أن قيمها صالحة لكل الجنس البشري وإننا نستشعر أن علينا إلتزاماً مقدساً لتحويل العالم إلى صورتنا".

(راجع: فوزى محمد طايل، كيف نفكر استراتيجيا ، ص 298)

وخلال حملته الانتخابية ألقى رونارد ريغان خطاباً بسبتمبر 1980 قال فيه: "إن إسرائيل ليست أمةٌ فقط بل هي رمزٌ ففي دفاعنا عن حق إسرائيل في الوجود إنما ندافع عن ذات القيم التي بنيت على أساسها أمتنا".

ولاحظوا كلمة القيم المتكررة في كل الأقوال الآنفة.

ويقول اللواء أ.ح - فوزى محمد طايل: "بنيت الاستراتيجية الأمريكية منذ عهد جيمي كارتر على ثلاث ركائز: نزع إرادة الجهاد من المسلمين، من خلال فرض السلام بينهم وبين إسرائيل، والحيلولة دون تحول الصحوة الاسلامية إلى نهضة حقيقية، وإحداث تشوه ثقافي واجتماعي يحول دون استعادة المسلمين لمنظومة قيمهم،وتبنت الولايات المتحدة خيار استخدام القوة فى منطقة الخليج لهذا الغرض" أ.هـ من كتابه كيف نفكر استراتيجاً ص 273.

ويشير فوزي طايل إلى المبدأ الخامس والسادس من الأهداف القومية الأمريكية التى أعلنت بعهد ريجان والتي تنص على:

- الحفاظ على النظم العلمانية الحاكمة في المنطقة من المغرب حتى باكستان ومنع انتقال الحماس الثوري لها والإطاحة بها.

-  إيقاف خطر الإرهاب." أ.هـ من كتاب كيف نفكر استراتيجياً ص 280.

ومن هنا فمسألة فرض القيم الغربية على العالم بعامة والإسلامي منه بخاصة وفرض حكومات ترعى هذا الأمر هو من أبرز ثوابت هذا "الغرب"، لكن قد يميل بعضهم بتلبيس الأمر على عوام الأمة الإسلامية بإسم الإسلام كما فعل نيكسون في كتابه "الفرصة السانحة" عندما دعا إلى "تعريف المسلمين بماهية الإسلام وأنه إسلام متعايش مع الغرب وقيمه الديمقراطية ويطبقها"، وكما دعى تقرير راند لتعزيز ما أسماه الإسلام  الديمقراطى، وهذا هو ما انتقده كثير من الدعاة الإسلاميين وسموه بالإسلام الأمريكي، لأنه يبرر كل قيم الغرب من رأسمالية وإباحية وتأليه الإنسان بدعواى وشعارات إسلامية (باطلةً شرعاً طبعاً).

وقد نقلت الاقتباسات الآنفة بطولها لأقنع من لم يطلعوا على المراجع المهمة المطولة من مثل "الاتجاهات الوطنية" و"الإسلام والحضارة الغربية" لمحمد محمد حسين، و"أساليب الغزو الفكرى" و"مذاهب فكرية" لعلى جريشة، و"واقعنا المعاصر" لمحمد قطب، و"دخلت الخيل الأزهر" لجلال كشك، وغيرها.

ثم نأتي لإجابة السؤال الثاني وهو: ما هي آليات عمل النظام الدولي تجاهنا؟

وإجابة هذا السؤال تحتاج كتاباً كاملاً (وبالمثل كان سابقه) ولكننا سنوجز الأمر، فالهدف القومي الأمريكي المعلن عنه بعصر ريجان كما ذكرناه فى السطور السابقة جاء صريحاً " الحفاظ على النظم العلمانية الحاكمة في المنطقة من المغرب حتى باكستان ومنع انتقال الحماس الثوري لها والإطاحة بها"، ولنا في الانقلاب الأمريكي ضد مصدق فى إيران لتثبيت الشاه (عملية أجاكس 1953) عبرةٌ لآليةٍ قديمة، كما لنا في الانقلاب على الربيع العربى (2011) في تونس بأسلوبٍ ناعمٍ عبرةٌ بآليةٍ ثانية، وفي مصر بأسلوبٍ خشنٍ بديكورٍ ناعمٍ كانت آليةً ثالثة، أما إحتلال أفغانستان وحصار عراق صدام ثم إحتلاله وتقسيم السودان وإحراق سوريا الآن فكلها آليات أخرى تمتلأ بها جعبة الغرب لاستعمالها ضدنا.

وكي نلقي الضوء على أسلوب عملهم الداخلي في أوطاننا والشرائح الاجتماعية التي يستندون عليها نختم الموضوع بالاقتباس التالي من مذكرات مايلز كوبلاند ضابط الـCIA الذي نفذ عملية أجاكس عام 1953 التي بموجبها أطيح بحكومة مصدق بإيران وتم إعادة الشاه بموجبها، ولكنه في الاقتباس التالي يتكلم عن حدث جرى معه أثناء إعداده لعملية مشابهة في إيران عام 1979 لاجهاض ثورة الخميني قبل اندلاعها بشهور: "لم أر بغايا ولكن صفوة مجتمع الجريمة الإيراني أو يمكن القول المافيا الإيرانية، لقد أدخلت إلى منزلها فرادى وجماعات من اثنين أو ثلاثة من زمر السفاحين واللصوص والمهربين ومشعلي النيران والفتن ولك أن تسمى ما شئت، وكزملائهم من المجرمين المنتعشين مالياً في أمريكا وبريطانيا، فهم يتمتعون بعقلية الرأسمالي اليميني لهذا كانوا يؤيدون الشاه دون تحفظ. قالت كاثي: إذا كنت تخطط لشئٍ ما فإن هؤلاء الرجال هم مدافعك الثقيلة" أ.هـ. من "حياة مايلز كوبلاند"، ص 360.

لكن التحليل الاجتماعي والاقتصادي المفصل للقوى الاجتماعية التي تنفذ مرامى الغرب بأرضنا له حديث آخر إن شاء الله.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد المنعم منيب

صحفي و كاتب إسلامي مصري

  • 2
  • 0
  • 1,597

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً