التضرع سفينة النجاة
أبو الهيثم محمد درويش
تجريد التوحيد والإخلاص لله سفينة النجاة والدعاء واللجوء إلى الله في الشدائد هي الحل الأوحد المخرج لك من المهالك ولنا في يونس عليه السلام الأسوة الحسنة، فقط تذكر ذنبك ووحد ربك.
- التصنيفات: ترجمة معاني القرآن الكريم -
تجريد التوحيد والإخلاص لله سفينة النجاة والدعاء واللجوء إلى الله في الشدائد هي الحل الأوحد المخرج لك من المهالك ولنا في يونس عليه السلام الأسوة الحسنة، فقط تذكر ذنبك ووحد ربك.
{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 87-88]
قال ابن كثير في تفسيره: .هذه القصة مذكورة هاهنا وفي سورة " الصافات " وفي سورة " ن " وذلك أن يونس بن متى، عليه السلام، بعثه الله إلى أهل قرية " نينوى"، وهي قريةٌ من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله ، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث، فلما تحققوا منه ذلك، وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل، وجأروا إليه، ورغت الإبل وفصلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحملانها، فرفع الله عنهم العذاب، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ} [ يونس: 98 ] .
وأما يونس، عليه السلام، فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فلججت بهم، وخافوا أن يغرقوا، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يلقوه، ثم أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضًا، فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] ، أي: وقعت عليه القرعة، فقام يونس، عليه السلام، وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل الله، سبحانه وتعالى، من البحر الأخضر - فيما قاله ابن مسعود - حوتًا يشق البحار، حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت ألا تأكل له لحمًا، ولا تهشم له عظمًا، فإن يونس ليس لك رزقًا، وإنما بطنك له يكون سجنًا، وقوله: {وَذَا النُّونِ} يعني: الحوت، صحت الإضافة إليه بهذه النسبة.
وقوله : {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا}: قال الضحاك: لقومه، {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: نضيق عليه في بطن الحوت. يروى نحو هذا عن ابن عباس ومجاهد، والضحاك، وغيرهم، واختاره ابن جرير، واستشهد عليه بقوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّـهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق جزء من الآية: 7].
وقال عطية العوفي: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}، أي: نقضي عليه ، كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير، فإن العرب تقول: قدر وقدر بمعنى واحد، وقال الشاعر:
فلا عائد ذاك الزمان الذي مضى*** تباركت ما تقدر يكن، فلك الأمر
ومنه قوله تعالى: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر جزء من الآية: 12]، أي: قدر .
وقوله: {فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} قال ابن مسعود : ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل. وكذا روي عن ابن عباس، وعمرو بن ميمون، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب، والضحاك، والحسن، وقتادة .
وقال سالم بن أبي الجعد : ظلمة حوت في بطن حوت في ظلمة البحر.
قال ابن مسعود، وابن عباس وغيرهما: وذلك أنه ذهب به الحوت في البحار يشقها، حتى انتهى به إلى قرار البحر، فسمع يونس تسبيح الحصى في قراره، فعند ذلك وهنالك قال: {لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ}.
وقال عوف: لما صار يونس في بطن الحوت، ظن أنه قد مات، ثم حرك رجليه فلما تحركت سجد مكانه، ثم نادى: يا رب، إتخذت لك مسجدًا في موضع ما إتخذه أحد.
وقال سعيد بن أبي الحسن البصري : مكث في بطن الحوت أربعين يومًا. رواهما ابن جبير .