[47] أحكام شرعية متعلقة بالطلاق
ينبغي للرجل ألا يستعمل الطلاق كلّما حدث بينه وبين أهله نزاع، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة . وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق . . . وهكذا .
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق - قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - أحكام الطلاق -
كيفية وقوع الطلاق
السؤال: حصلت مشكله بيني وبين زوجتي، فذهبت لبيت أهلها دون علمي، وفي المساء أتت رسالة بالواتس أب منها وكلامها كان منرفزا، فتحت محادثة الواتس اب وكتبت: "أنت طالق"، ولكن تعوذت بالله تعالى من الشيطان، ومسحت هذه الكلمة، ولم يتم إرسالها لها. فهل يقع الطلاق؟
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ محمد صالح المنجد:
يقع الطلاق بالتلفظ به، أو كتابته مع استحضار نية الطلاق، سواء أرسل المكتوب إلى زوجته أم لم يرسله.
وقد عرضت هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى .
فأجاب بأنه إذا كتب لفظ (أنت طالق) ناويا الطلاق فقد وقعت عليه طلقة، ولو لم يرسل الرسالة.
والله تعالى أعلى وأعلم.
الطلاق المعلق والطلاق عند الغضب
الحمد لله
أولا:
ينبغي للرجل ألا يستعمل الطلاق كلّما حدث بينه وبين أهله نزاع، وذلك لما يترتب على الطلاق من عواقب وخيمة . وكثير من الرجال يتهاونون بشأن الطلاق فكلما حصل نزاع بينه وبين أهله حلف بالطلاق، وكلما اختلف مع أصحابه حلف بالطلاق . . . وهكذا . وهذا نوع تلاعب بكتاب الله تعالى، وإذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتبر من يطلق امرأته ثلاثاً جميعاً متلاعباً بكتاب الله تعالى، فكيف بمن اتخذ الطلاق ديدنه، فكلما أراد منع زوجته من شيء أو حثها على فعل شيء حلف بالطلاق ؟! روى النسائي (3401) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا؟ فَقَامَ غَضْبَان ثُمَّ قَالَ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟! حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أَقْتُلُهُ؟»
قال الحافظ: رجاله ثقات اهـ وصححه الألباني في (غاية المرام:261).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "هؤلاء السفهاء الذين يطلقون ألسنتهم بالطلاق في كل هين وعظيم، هؤلاء مخالفون لما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله : «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» رواه البخاري (2679) ، فإذا أراد المؤمن أن يحلف فليحلف بالله عز وجل، ولا ينبغي أيضاً أن يكثر من الحلف لقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89]. ومن جملة ما فسرت به الآية أن المعنى: لا تكثروا الحلف بالله سبحانه.
أمّا أن يحلفوا بالطلاق مثل: عليّ الطلاق أن تفعل كذا، أو عليّ الطلاق ألا تفعل، أو إن فعلت فامرأتي طالق، أو إن لم تفعل فامرأتي طالق وما أشبه ذلك من الصيغ، فإن هذا خلاف ما أرشد إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من (فتاوى المرأة المسلمة:2/753).
ثانيا:
قول الرجل لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق، أو إن لم تفعلي فأنت طالق، هو من الطلاق المعلق على شرط، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى وقوع هذا الطلاق عند حصول الشرط.
وذهب بعض أهل العلم - وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره - إلى أن هذا التعليق فيه تفصيل، يرجع إلى نية القائل، فإن قصد ما يقصد باليمين وهو الحث على فعل شيء، أو المنع من فعل شيء، أو التصديق أو التكذيب، فإن هذا حكمه حكم اليمين ولا يقع به طلاق ويلزمه كفارة يمين عند الحنث.
وإن قصد بذلك وقوع الطلاق طلقت زوجته عند حصول الشر . وأمر نيته لا يعلمه إلا الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية، فليحذر المسلم من التحايل على ربه تعالى، ومن خداع نفسه.
وقد سئلت اللجنة الدائمة عمن قال لزوجته: عليّ الطلاق تقومين معي، ولم تقم معه. فهل يقع بذلك طلاق؟
فأجابت: "إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب مع ، فإنه لا يقع به طلاق، ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء، وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة " انتهى من (فتاوى اللجنة الدائمة:20/86).
ثالثا :
ينبغي أن يُعلم أن أكثر حالات الطلاق إنما تصدر مع الغضب والضيق والانفعال، لا مع الفرح والانشراح، فكون الزوج طلق زوجته حال غضبه لا يعني عدم وقوع الطلاق، كما يظنه كثير من الناس، إلا أن يكون الغضب قد بلغ به مبلغا، فقد معه الشعور والإدراك، بحيث صار لا يعي ما يقول، فهذا لا يقع طلاقه باتفاق العلماء.
أما إذا اشتد الغضب ولكنه لم يبلغ إلى حد أن يفقده الشعور والإدراك، ولكنه كان شديداً بحيث لا يملك الرجل نفسه ، ويشعر وكأنه يدفع إلى الطلاق دفعاً فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الغضب لا يمنع وقوع الطلاق .
وذهب بعضهم إلى أنه يمنع وقوع الطلاق، وبه كان يفتي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وتلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى، وهو الراجح إن شاء الله.
الكنايات التي يقع بها الطلاق يشترط فيها نية إيقاع الطلاق بها
الحمد لله
من قال مازحا: "أبدل زوجتي" فلا يقع عليه الطلاق بذلك؛ لأن غاية الأمر ونهايته أن تكون هذه اللفظة من كنايات الطلاق، وكنايات الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا بالنية وبقصد إيقاع الطلاق بهذه الكناية.
جاء في (إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين:4 / 11): "....... وإما كناية، وهي كل لفظ احتمل ظاهره غير الطلاق ، ولا تنحصر ألفاظها، وحكمها: أنها تحتاج إلى نية إيقاع الطلاق بها " انتهى.
وجاء في "(تحفة المحتاج في شرح المنهاج:8 / 41) " ولو قال أنا منكِ بائن، أو نحوها من الكنايات: اشترط نية أصل الطلاق، وإيقاعه، كسائر الكنايات" انتهى باختصار.
فإذا كان هذا القائل قد قال ذلك مازحا مع من ذكر، ولم توجد عنده نية إيقاع الطلاق: فلا يترتب على قوله هذا شيء.
لكن النصيحة له ولغيره، أن يبتعد عن المزاح في هذه الأمور الخطيرة التي تتعلق بعقدة النكاح، كالطلاق ونحوه؛ فما أكثر من استهان بذلك الأمر، وجعله عرضة لكلامه، وجِدِّه أو مزاحه؛ ثم ندم، ساعة لا ينفع الندم، ودمر أسرته ، وهدم بيته، بأمر كانت له فيه سعة وأناة.
والله تعالى أعلى وأعلم.
الطلاق في الحيض
الحمد لله
اختلف الفقهاء في طلاق الحائض هل يقع أو لا؟ فذهب جمهورهم إلى وقوعه، وذهب جماعة منهم إلى عدم وقوعه ، وعليه الفتوى عند كثير من فقهاء العصر منهم الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، والشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: " طلاق الحائض لا يقع في أصح قولي العلماء، خلافاً لقول الجمهور. فجمهور العلماء يرون أنه يقع، ولكن الصحيح من قولي العلماء الذي أفتى به بعض التابعين، وأفتى به ابن عمر رضي الله عنهما ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجمع من أهل العلم أن هذا الطلاق لا يقع؛ لأنه خلاف شرع الله تعالى، لأن شرع الله سبحانه أن تطلق المرأة في حال الطهر من النفاس والحيض، وفي حالٍ لم يكن جامعها الزوج فيها، فهذا هو الطلاق الشرعي، فإذا طلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه فإن هذا الطلاق بدعة، ولا يقع على الصحيح من قولي العلماء ، لقول الله جل وعلا : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1].
والمعنى: طاهرات من غير جماع، هكذا قال أهل العلم في طلاقهن للعدة، أن يَكُنَّ طاهرات من دون جماع، أو حوامل . هذا هو الطلاق للعدة " انتهى من (فتاوى الطلاق:ص44) .
وجاء في (فتاوى اللجنة الدائمة:20/58): "الطلاق البدعي أنواع منها: أن يطلق الرجل امرأته في حيض أو نفاس أو في طهر مسها فيه، والصحيح في هذا أنه لا يقع" انتهى.
وعليه فإذا كان الطلاق صدر حال الحيض فإنه لا يقع ولا يعتد به ، وتظل المرأة في عصمة زوجها.
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن رجل طلق امرأته وهي حائض، وكان لا يدري أنها حائض، فهل يقع هذا الطلاق؟
فأجاب:
" الطلاق الذي وقع وعلى المرأة العادة الشهرية اختلف فيه أهل العلم، وطال فيه النقاش، هل يكون طلاقا ماضيا أم طالقا لاغيا؟ وجمهور أهل العلم على أنه يكون طلاقا ماضيا، ويحسب على المرء طلقة، ولكنه يؤمر بإعادتها وأن يتركها حتى تطهر من الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق، هذا الذي عليه جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة: الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة، ولكن الراجح عندنا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، أن الطلاق في الحيض لا يقع، ولا يكون ماضيا ، ذلك لأنه خلاف أمر الله ورسوله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» والدليل على ذلك في نفس المسألة الخاصة: حديث عبد الله بن عمر حيث طلق زوجته وهي حائض، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «مره فليراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق» ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء » فالعدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء أن يطلقها الإنسان طاهرا من غير جماع، وعلى هذا فإذا طلقها وهي حائض لم يطلقها على أمر الله سبحانه، فيكون مردوداً، فالطلاق الذي وقع على هذه المرأة نرى أنه طلاق غير ماض، وأن المرأة لا زالت في عصمة زوجها، ولا عبرة في علم الرجل في تطليقه لها أنها طاهرة أو غير طاهرة، نعم، لا عبرة بعلمه ، لكن إن كان يعلم صار عليه الإثم، وعدم الوقوع، وإن كان لا يعلم فإنه ينتفي وقوع الطلاق، ولا إثم على الزوج" انتهى .
(فتاوى إسلامية:3/268).
حكم التطليق ثلاثا بلفظ واحد
إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا بلفظ واحد كما لو قال لها : أنت طالق ثلاثا، أو طلقها ثلاث طلقات متتابعات، كما لو قال لها: أنت طالق. أنت طالق. أنت طالق، فالصحيح من أقوال العلماء أن ذلك يحسب طلقة واحدة، وذلك لما رواه مسلم (1472) عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إِنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ).
وإمضاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لهذا الطلاق واعتباره ثلاثا كان نوعا من العقوبة والتعزير، ولم يكن حكما شرعيا بأن طلاق الثلاث يقع ثلاثا. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى اختلاف العلماء في الطلاق الثلاث هل هو جائز أو محرم؟ وهل يقع ثلاثا أو واحدة؟ فذكر القول الأول: أنه جائز ويقع ثلاثا.
القول الثاني: أنه محرم، لأنه لا يجوز للرجل أن يطلق ثلاثا مجموعة، وإنما يطلق طلقة واحدة، ثم إما أن يراجع زوجته أو يتركها حتى تنقضي العدة ، ولكنه إن طلق ثلاث وقع الثلاث.
والقول الثالث: أنه محرم ولا يلزم منه إلا طلقة واحدة ، قال : "وهذا القول منقول عن طائفة من السلف والخلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف ، ويروى عن علي وابن مسعود وابن عباس القولان، وهو قول كثير من التابعين ... وهو قول بعض أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل" . ثم قال: "وهذا القول الثالث هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة " انتهى. (مجموع الفتاوى:33/8-9) .
ثانيا:
إذا طلق الرجل امرأته بناء على سبب معين ثم تبين له أنه أخطأ في هذا السبب فإن الطلاق لا يقع، كما لو طلق امرأته بناء على أن لها علاقة برجل آخر ثم تبين له أن الأمر ليس كذلك فإن هذا الطلاق لا يقع.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن رجل ظن أن امرأته سرقت منه مالا فحلف بالطلاق أنها إذا لم تأت بالمال فإنه سيخرجها من بيته، فأجاب : "إذا اعتقد أنها خانته فحلف إن لم تأت بذلك لأخرجها لأجل ذلك ثم تبين أنها لم تخنه لم يكن عليه أن يخرجها ولا حنث عليه" انتهى . (مجموع الفتاوى:33/229-230) .
والله تعالى أعلى وأعلم.
انعقاد الطلاق بغير العربية
الحمد لله
الراجح من أقوال أهل العلم رحمهم الله تعالى: أن النكاح والطلاق يصحان بغير العربية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (مجموع الفتاوى:15/449) : "فإن الطلاق ونحوه يثبت بجميع هذه الأنواع من اللغات : إذ المدار على المعنى" انتهى.
وجاء في (الموسوعة الفقهية:11/175): "ذهب جمهور الفقهاء إلى: أن من لا يحسن العربية يصح منه عقد النكاح بلسانه ; لأنه عاجز عما سواه , فسقط عنه كالأخرس , ويحتاج أن يأتي بالمعنى الخاص ، بحيث يشتمل على معنى اللفظ العربي .....
واختلفوا فيمن يقدر على لفظ النكاح بالعربية : فذهب الحنفية والشافعية في الأصح، والشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى : أنه ينعقد بغيرها، لأنه أتى بلفظه الخاص، فانعقد به، كما ينعقد بلفظ العربية؛ ولأن اللغة العجمية تصدر عمن تكلم بها عن قصد صحيح ....
وذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى: أن العجمي إذا أتى بصريح الطلاق بالعجمية كان طلاقا، وإذا أتى بالكناية لا يقع إلا بنيته " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" يجوز العقد بكل بلفظ يدل عليه عرفاً، والدليل من القرآن، قول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3]، فأطلق النكاح، وعلى هذا فكل ما سمي نكاحاً عرفاً فهو نكاح، ولم يقل : فانكحوا ما طاب لكم من النساء بلفظ الإنكاح أو التزويج، ولا قال: ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) بلفظ الإنكاح أو التزويج، فلما أطلق العقد رجعنا في ذلك إلى العرف ... .
فالقاعدة : أن جميع العقود تنعقد بما دل عليها عرفاً ، سواء كانت باللفظ الوارد أو بغير اللفظ الوارد، وسواء كان ذلك في النكاح أو في غير النكاح، هذا هو القول الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى" انتهى بتصرف من (الشرح الممتع:12/38-40).
مسلم جديد طلق زوجته ولم يكن يعرف أنها تحرم عليه بعد الطلقة الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره
السؤال:شخص اعتنق الإسلام حديثا أي أنه يجهل عدة أمور بسبب أنه حديث إسلام، وحين طلق زوجته هو يعلم أن لديه الحق في ردها خلال العدة، لكن ما كان يجهله أنه بعد الطلقة الثالثة تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره. والسؤال هو: هل بانت منه زوجته؟ وهل يعذر لأنه حديث عهد بالإسلام؟
الجواب :
الحمد لله
إذا طلق الرجل امرأته، ثلاث طلقات: بانت منه امرأته بذلك، ولم تحل له إلا إذا تزوجت من غيره، زواج رغبة، لا زواج تحليل؛ ثم إن طلقها بعد ذلك، أو مات عنها، جاز لها الرجوع إلى زوجها الأول الذي كانت قد بانت منه ، قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [البقرة / 229 – 230 ].
وجهل هذا الشخص بآثار الطلقة الثالثة لا يعذر به، لأن الجهل يعذر به الإنسان في حالة الجهل بحكم الفعل نفسه، أما إذا كان يعلم حكم فعله ، لكن يجهل آثاره المترتبة عليه ففي هذه الحالة لا يعذر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
"هنا توجد مسألة انتبهوا لها، إذا كان الإنسان يعلم الحكم ولكن لا يدري ماذا يترتب عليه، فلا يعذر" انتهى من (لقاء الباب المفتوح: 206 / 23 ترقيم الشاملة).
والله تعالى أعلى وأعلم.
طلاق المرأة وهي حامل
الحمد لله
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى هل يقع طلاق الحامل فقال:
هذه المسألة تتردد بين بعض العامة، فبعض العوام يظن أن الحامل لا يقع عليها طلاق، ولا أدري من أين جاءهم هذا الظن، فهو لا أصل له في كلام العلماء، بل الذي عليه أهل العلم قاطبة أن الحامل يقع عليها الطلاق، وهذا عليه إجماع بين أهل العلم وليس فيه خلاف، وطلاق السنة هو تطلق المرأة في حالين:
أحدهما: أن تكون حبلى يعني حامل، فطلاقها سني لا بدعي.
الثانية: أن تكون طاهراً لم يمسّها الزوج، أي طهرت من حيضها أو نفاسها وقبل أن يمسّها، فإن الطلاق سنِّي في هذه الحال .
(فتاوى الطلاق للشيخ ابن باز 1/45-46)
عدة المرأة المطلقة
الحمد لله
" المطلقة إن طلقت قبل الدخول والخلوة يعني قبل الجماع وقبل الخلوة بها والمباشرة، فإنه لا عدة عليها إطلاقاً فبمجرد ما يطلقها تبين منه وتحل لغيره ، وأما إذا كان قد دخل عليها وخلا بها وجامعها فإن عليها العدة وعدتها على الوجوه التالية:
أولاً: إن كانت حاملاً فإلى وضع الحمل سواء طالت المدة أم قصرت، ربما يطلقها في الصباح وتضع الولد قبل الظهر فتنقضي عدتها، وربما يطلقها في شهر محرم ولا تلد إلا في شهر ذي الحجة ، فتبقى في العدة اثني عشر شهراً ، المهم أن الحامل عدتها وضع الحمل مطلقاً لقول الله تعالى: {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} .
ثانياً: إذا كانت غير حامل وهي من ذوات الحيض فعدتها ثلاث حيض كاملة بعد الطلاق بمعنى أن يأتيها الحيض وتطهر ثم يأتيها وتطهر ثم يأتيها وتطهر، هذه ثلاث حيض كاملة سواء طالت المدة بينهن أم لم تطل، وعلى هذا فإذا طلقها وهي ترضع ولم يأتها الحيض إلا بعد سنتين فإنها تبقى في العدة حتى يأتيها الحيض ثلاث مرات فيكون مكثها على هذا سنتين أو أكثر، المهم أن من تحيض عدتها ثلاث حيض كاملة طالت المدة أم قصرت لقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} .
ثالثاً : التي لا تحيض إما لصغرها أو لكبرها قد أيست منه وانقطع عنها فهذه عدتها ثلاثة أشهر ، لقول الله تعالى : {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} .
رابعاً : إذا كان ارتفع حيضها لسبب يُعلم أنه لا يعود الحيض إليها ، مثل أن يُستأصل رحمها، فهذه كالآيسة تعتد بثلاثة أشهر .
خامساً : إذا كان ارتفع حيضها وهي تعلم ما رفعه فإنها تنتظر حتى يزول هذا الرافع ويعود الحيض فتعتد به .
سادساً: إذا ارتفع حيضها ولا تعلم ما الذي رفعه، فإن العلماء يقولون تعتد بسنة كاملة تسعة أشهر للحمل وثلاثة أشهر للعدة .
فهذه أقسام عدة المرأة المطلقة.
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى ، (مجموعة أسئلة تهم الأسرة المسلمة: ص 61-63 ).
الفرق بين الخلع والطلاق والفسخ
الحمد لله
الفُرقة بين الزوجين لا تتم إلا بطريقين: الطلاق أو الفسخ .
والفرق بينهما أن الطلاق: إنهاء للعلاقة الزوجية من قِبَل الزوج، وله ألفاظ مخصوصة معروفة .
وأما الفسخ : فهو نقض للعقد وحل لارتباط الزوجية من أصله وكأنه لم يكن، ويكون بحكم القاضي أو بحكم الشرع .
ومن الفروق بينهما:
1- الطلاق لا يكون إلا بلفظ الزوج واختياره ورضاه، وأما الفسخ فيقع بغير لفظ الزوج، ولا يشترط رضاه واختياره .
قال الإمام الشافعي: "كل ما حُكِمَ فيه بالفرقة ، ولم ينطق بها الزوج ، ولم يردها ... فهذه فرقة لا تُسمَى طلاقاً" انتهى ، (الأم:5/ 128) .
2- الطلاق أسبابه كثيرة، وقد يكون بلا سبب، وإنما لرغبة الزوج بفراق زوجته.
وأما الفسخ فلا يكون إلا لوجود سبب يُوجب ذلك أو يبيحه.
ومن أمثلة ما يثبت به فسخ العقد:
– عدم الكفاءة بين الزوجين ـ عند من اشترطها للزوم العقد ـ .
- إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام ولم يعد إليه.
- إذا أسلم الزوج وأبت زوجته أن تسلم ، وكانت مشركة غير كتابية.
- وقوع اللعان بين الزوجين.
- إعسار الزوج وعجزه عن النفقة، إذا طلبت الزوجة فسخ العقد.
- وجود عيب في أحد الزوجين يمنع من الاستمتاع، أو يوجب النفرة بينهما.
3- لا رجعة للزوج على زوجته بعد الفسخ ، فلا يملك إرجاعها إلا بعقد جديد وبرضاها.
وأما الطلاق فهي زوجته ما دامت في العدة من طلاق رجعي، وله الحق في إرجاعها بعد الطلقة الأولى والثانية دون عقد ، سواء رضيت أم لم ترض.
4- الفسخ لا يُحسب من عدد الطلقات التي يملكها الرجل .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "وكل فسخٍ كان بين الزوجين فلا يقع به طلاق ، لا واحدة ولا ما بعدها" انتهى من (الأم:5 /199) .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: "والفرق بين الفسخ والطلاق وإن كان كل واحد منهما فراقاً بين الزوجين: أنَّ الفسخ إذا عاد الزوجان بعده إلى النكاح فهما على العصمة الأولى، وتكون المرأة عند زوجها ذلك على ثلاث تطليقات، ولو كان طلاقاً ثم راجعها كانت عنده على طلقتين". انتهى (الاستذكار:6 /181) .
5- الطلاق من حق الزوج، ولا يشترط له قضاء القاضي، وقد يكون بالتراضي بين الزوجين.
وأما الفسخ فيكون بحكم الشرع أو حكم القاضي، ولا يثبت الفسخ لمجرد تراضي الزوجين به ، إلا في الخلع .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ليس لهما أن يتراضيا بفسخ النكاح بلا عوض [أي : الخلع] بالاتفاق" انتهى (زاد المعاد:5/598) .
6- الفسخ قبل الدخول لا يوجب للمرأة شيئاً من المهر، وأما الطلاق قبل الدخول فيوجب لها نصف المهر المسمَّى .
وأما الخلع: فهو أن تطلب المرأة من زوجها أن يفارقها مقابل عوض مالي أو التنازل عن مهرها أو جزء منه.
واختلف العلماء فيه هل هو فسخ أم طلاق، والأقرب أنه فسخ.
تم الاستفادة في بيان الفروق من : (المنثور في القواعد:3/24) ، (الفقه الإسلامي وأدلته:4 /595) ، (الموسوعة الفقهية الكويتية:32/107- 113) (32/137) ، (فقه السنة:2/314) .
تعريف الخلع وطريقته
الحمد لله
الخلع فراق الزوجة بعوض، فيأخذ الزوج عوضاً ويفارق زوجته، سواء كان هذا العوض هو المهر الذي كان دفعه لها أو أكثر أو أقل .
والأصل فيه قول الله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229].
ودليل ذلك من السنة أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «أتردين عليه حديقته؟. وكان قد أصدقها حديقة . قالت : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة، وفارقها» " أخرجه البخاري (5273).
فأخذ العلماء من هذه القضية أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع زوجها، فإن لولي الأمر أن يطلب منه المخالعة، بل يأمره بذلك.
وأما صورته: فيأخذ الزوج العوض أو يتفقان عليه ثم يقول لها ك فارقتك أو خالعتك ونحو ذلك من الألفاظ.
والطلاق من حق الزوج، فلا يقع الطلاق إلا إذا أوقعه هو، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» يعني الزوج، رواه ابن ماجه ( 2081 ) وحسنه الألباني في (إرواء العليل:2041 )
ولذلك قال العلماء من أكره على طلاق امرأته ظلماً، فطلق دفعاً للإكراه فإنه لا يقع طلاقه، انظر المغني ( 10 / 352).
أما تطليق المرأة عن طريق القوانين الوضعية، فإن كان ذلك لسبب يبيح لها طلب الطلاق كما لو كرهت الزوج، ولم تستطع البقاء معه، أو كرهته في دينه لفسقه وجرأته على ارتكاب المحرمات ونحو ذلك، فلا بأس بطلبها الطلاق ولكن في هذه الحالة تخالعه فترد عليه المهر الذي أعطاها إياه .
أما إن كان طلبها للطلاق من غير سبب فإن ذلك لا يجوز وحكم المحكمة بالطلاق في هذه الحال لا يعتد شرعاً بل تبقى المرأة زوجة للرجل، وهنا تحصل مشكلة وهي أن هذه المرأة تعتبر مطلقة أمام القانون فقد تتزوج إذا انقضت عدتها ، وهي في حقيقة الأمر زوجة ليست مطلقة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى عن مثل هذه المسألة فقال:
" نحن الآن أمام مشكلة؛ فبقاؤها على عصمته يمنعها من أن تتزوج بزوج آخر، وظاهرا حسب حكم المحكمة أنها طلقت منه، وأنها إذا انتهت عدتها تجوز للأزواج، فأرى الخروج من هذه المشكلة أنه لا بد من أن يتدخل أهل الخير والصلاح في هذه المسألة، من أجل أن يصلحوا بين الزوج وزوجته، وإلا فعليها أن تعطيه عوضا، حتى يكون خلعا شرعيا ".
(لقاء الباب المفتوح للشيخ محمد بن عثيمين رقم (54) ( 3/174) من طبعة دار البصيرة بمصر.
حضانة الطفل
الحمد لله
أولا :
المرأة أحق بحضانة طفلها ما لم تتزوج؛ حتى يبلغ سن التمييز؛ والطفل في هذه المرحلة من العمر أحوج ما يكون إلى حنان أمه ورعايتها، وهي أشفق وأقدر من غيرها على ذلك.
وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم لها ، كما في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله تعالى عنهما : " أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ ابْنِي هَذَا: كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي».
رواه أحمد (6707) ، وأبو داود (2276) ، وحسنه الألباني في (صحيح أبي داود)، وصححه ابن كثير في (إرشاد الفقيه:2/250) .
وعلى ذلك ؛ فالأصل في حضانة الطفل أن تكون لأمه ما لم تتزوج، ما دامت تراعي مصلحة الطفل، وتعليمه دينه ، وتربيته ، وليست تهمله أو تشجعه على الفساد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" فكلّ من قدّمناه من الأبوين إنّما نقدّمه إذا حصل به مصلحتها – أي البنت - أو اندفعت به مفسدتها .
فأمّا مع وجود فساد أمرها مع أحدهما : فالآخر أولى بها بلا ريب " .
انتهى من (مجموع الفتاوى:34/131) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:
"أحق الناس بحضانة الطفل أمه إذا افترق الزوجان، وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان عند من اختار منهما، وإذا بلغت البنت سبعا فأبوها أحق بها؛ لأنها تحتاج إلى الحفظ والصيانة، والأم تحتاج إلى من يصونها، ولا يقر المحضون ذكرا كان أو أنثى بيد من لا يصونه ولا يصلحه هذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى" انتهى مختصراً .
(فتاوى اللجنة:21/194-195).
وقال الشيخ صالح الفوزان:
"الأنثى إذا بلغت سبع سنين؛ فإنها تكون عند أبيها إلى أن يتسلمها زوجها؛ لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره، ولا تمنع الأم من زيارتها مع عدم المحذور، فإن كان الأب عاجزا عن حفظ البنت أو لا يبالي بها لشغله أو قلة دينه ، والأم تصلح لحفظها؛ فإنها تكون عند أمها" انتهى .
انتهى من (موقع الشيخ الفوزان).
فالمقصود من الحضانة هو مصلحة الطفل، فإذا كانت الأم لا تقوم بذلك انتقل الحق إلى الأب، وإذا كان الأب لا يقوم بذلك انتقل الحق إلى الأم ...... وهكذا .
وقد اختلف الفقهاء في تحديد من ينتقل إليه حق الحضانة بعد الأم، فذهب جمهورهم إلى أنها تنتقل إلى أم الأم، وخالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى، فقالا بانتقالها إلى الأب، ثم إذا استويا اثنان في القرب من الولد فجهة الأب هي المقدمة، فأم الأب تقدم على أم الأم، والعمة تقدم على الخالة .. وهكذا .
ولكن ينبغي على الوالدين أن يتعاونا فيما بينهما لمصلحة الولد، حتى لا يكون نزاعهما سبباً لانحراف الولد أو ضياعه.
وعند التنازع لابد من رفع الأمر إلى الحاكم ليفصل بينهما، أو يتفق الوالدان على تحكيم رجل ذي عقل ودين، فيحكم بينهما حسب ما يرى من مصلحة الطفل.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
وسمعت شيخنا رحمه الله تعالى– أي : ابن تيمية - يقول:
تنازع أبوان صبيّاً عند بعض الحكام، فخيَّره بينهما فاختار أباه، فقالت له أمه: سله لأي شيء يختار أباه فسأله، فقال: أمي تبعثني كل يوم للكتَّاب والفقيه يضربني، وأبي يتركني للعب مع الصبيان، فقضى به للأم قال: أنت أحق به.
قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله تعالى عليه: فهو عاص، فلا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته: فلا ولاية له عليه، بل إما أن تُرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب، وإما أن يُضم إليه من يقوم معه بالواجب ، إذ المقصود : طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بحسب [الإمكان] .
قال : فلو قُدِّر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها، وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرَّة: فالحضانة هنا للأم قطعاً.
قال: ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس عنه نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً، ولا تخيير الولد بين الأبوين مطلقاً، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقاً بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البَرِّ العادل المحسن، والله تعالى أعلى وأعلم.
(زاد المعاد: 5 / 475، 476).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى:
البنت الصغرى حضانتها لأمها ما لم تتزوج، أو يكمل لها سبع سنين فتكون حضانتها لأبيها بشرط أن لا يلحقها ضرر ببقائها عند أبيها.
وأما الكبرى فحضانتها لأبيها ما لم يلحقها ضرر من بقائها عند ضرَّة أمها.
(فتاوى المرأة المسلمة:2 / 874) .
والله تعالى أعلى وأعلم.
ثانيا:
لكل من أبوي المحضون إذا افترقا حق رؤية ابنه وزيارته، وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء، وتحديد مقدار ذلك على ما يجري به العرف.
والله تعالى أعلى وأعلم.