دليل المسلم الجديد - [49] التوبة
التوبة النصوح ليست كلمة تقال باللسان .. بل يشترط في قبول التوبة أن يقلع صاحبها عن الذنب فوراً .. ويندم على ما فات .. ويعزم على أن لا يعود إلى ما تاب منه.
أهمية التوبة
الحمد لله
يضعف إيمان المسلم ويغلبه الهوى .. ويزين له الشيطان المعصية .. فيظلم نفسه .. ويقع فيما حرم الله تعالى .. والله الكريم لطيف بالعباد .. ورحمته سبحانه وسعت كل شيء .. فمن تاب بعد ظلمه فإن الله العظيم يتوب عليه إن الله غفور رحيم .. {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم} [المائدة:39].
والله تعالى هو العفو الكريم .. أمر جميع المؤمنين بالتوبة النصوح ليفوزوا برحمة الله تعالى وجنته فقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} [التحريم:8].
وباب التوبة مفتوح للعباد، حتى تطلع الشمس من مغربها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها»(مسلم:2759).
والتوبة النصوح ليست كلمة تقال باللسان .. بل يشترط في قبول التوبة أن يقلع صاحبها عن الذنب فوراً .. ويندم على ما فات .. ويعزم على أن لا يعود إلى ما تاب منه .. وأن يرد المظالم أو الحقوق إن كانت لأهلها .. وأن تكون التوبة قبل معاينة الموت ..قال الله تعالى : {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً - وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً} [النساء:17-18].
والله تعالى هو التواب الرحيم يدعو أصحاب الذنوب إلى التوبة، ليغفر لهم {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بِجَهَالَةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم } [الأنعام:54].
والله تعالى رؤوف بالعباد يحب التائبين .. ويقبل توبتهم كما قال الله سبحانه {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} [الشورى:25].
وقال الله سبحانه: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة:222].
والكافر إذا أسلم .. يبدل الله سيئاته حسنات .. ويغفر له ما سلف من ذنوب كما قال الله سبحانه {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال:38].
والله تعالى غفور رحيم يحب التوبة من عباده، ويأمرهم بها ليغفر لهم .. وشياطين الإنس والجن يريدون أن يميلوا بالناس من الحق إلى الباطل كما قال الله سبحانه : {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً} [النساء:27].
ورحمة الله تعالى وسعت كل شيء .. فإذا عظمت ذنوب العبد .. وأسرف على نفسه في المعاصي، والآثام، ثم تاب .. فإن الله تعالى يتوب عليه .. ويغفر ذنوبه مهما بلغت كما قال الله سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} [الزمر:53].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه البخاري (1077) ومسلم(758).
والنفس ضعيفة .. فإذا أذنب الإنسان فعليه بالتوبة والاستغفار كل حين فإن الله تعالى هو الغفور الرحيم وهو القائل سبحانه: {ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً} [النساء:110].
والمسلم عُرضة للأخطاء والمعاصي .. فينبغي له الإكثار من التوبة والاستغفار .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله إني لأستغفر الله، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» رواه البخاري برقم 6307.
والله يحب من عبده التوبة، ويقبلها، بل يفرح بها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لَلَّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم، سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة» (متفق عليه)، أخرجه البخاري برقم 6309.(من كتاب أصول الدين الإسلامي تأليف الشيخ: محمد بن ابراهيم التويجري).
شروط التوبة
قال الشيخ محمد صالح المنجد:
كلمة التوبة كلمة عظيمة، لها مدلولات عميقة، لا كما يظنها الكثيرون، ألفاظ باللسان ثم الاستمرار على الذنب، وتأمل قول الله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود:3] تجد أن التوبة هي أمر زائد على الاستغفار.
ولأن الأمر العظيم لابد له من شروط، فقد ذكر العلماء شروطاً للتوبة مأخوذة من الآيات والأحاديث، وهذا ذكر بعضها:
الأول: الإقلاع عن الذنب فوراً.
الثاني: الندم على ما فات.
الثالث: العزم على عدم العودة.
الرابع: إرجاع حقوق من ظلمهم ، أو طلب البراءة منهم.
ولا تنسى أموراً أخرى مهمة في التوبة النصوح ومنها :
الأول: أن يكون ترك الذنب لله تعالى لا لشيء آخر، كعدم القدرة عليه أو على معاودته، أو خوف كلام الناس مثلاً.
فلا يسمى تائباً من ترك الذنوب لأنها تؤثر على جاهه وسمعته بين الناس، أو ربما طرد من وظيفته.
ولا يسمى تائباً من ترك الذنوب لحفظ صحته وقوته، كمن ترك الزنا أو الفاحشة خشية الأمراض الفتاكة المعدية، أو أنها تضعف جسمه وذاكرت .
ولا يسمى تائباً من ترك أخذ الرشوة لأنه خشي أن يكون معطيها من هيئة مكافحة الرشوة مثلاً.
ولا يسمى تائباً من ترك شرب الخمر وتعاطي المخدرات لإفلاسه.
وكذلك لا يسمى تائباً من عجز عن فعل معصية لأمر خارج عن إرادته، كالكاذب إذا أصيب بشلل أفقده النطق، أو الزاني إذا فقد القدرة على الوقاع، أو السارق إذا أصيب بحادث أفقده أطرافه، بل لابد لمثل هذا من الندم والإقلاع عن تمني المعصية أو التأسف على فواتها ولمثل هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الندم توبة» رواه أحمد وابن ماجه ، (صحيح الجامع:6802).
الثاني: أن تستشعر قبح الذنب وضرره.
وهذا يعني أن التوبة الصحيحة لا يمكن معها الشعور باللذة والسرور حين يتذكر الذنوب الماضية، أو أن يتمنى العودة لذلك في المستقبل.
وقد ساق ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (الداء والدواء) و(الفوائد) أضراراً كثيرة للذنوب منها:
حرمان العلم - والوحشة في القلب - وتعسير الأمور - ووهن البدن - وحرمان الطاعة - ومحق البركة - وقلة التوفيق - وضيق الصدر - وتولد السيئات - واعتياد الذنوب - وهوان المذنب على الله - وهوانه على الناس - ولعنة البهائم له - ولباس الذل - والطبع على القلب والدخول تحت اللعنة - ومنع إجابة الدعاء - والفساد في البر والبحر- وانعدام الغيرة - وذهاب الحياء - وزوال النعم - ونزول النقم - والرعب في قلب العاصي - والوقوع في أسر الشيطان - وسوء الخاتمة - وعذاب الآخرة.
وهذه المعرفة لأضرار الذنوب تجعلك تبتعد عن الذنوب بالكلية، فإن بعض الناس قد يعدل عن معصية إلى معصية أخرى لأسباب منها:
أن يعتقد أن وزنها أخف.
لأن النفس تميل إليها أكثر، والشهوة فيها أقوى .
لأن ظروف هذه المعصية متيسرة أكثر من غيرها، بخلاف المعصية التي تحتاج إلى إعداد وتجهيز، وأسبابها حاضرة متوافرة .
لأن قرناءه وخلطاؤه مقيمون على هذه المعصية ويصعب عليه أن يفارقهم.
لأن الشخص قد تجعل له المعصية المعينة جاهاً ومكانة بين أصحابه فيعز عليه أن يفقد هذه المكانة فيستمر في المعصية .
الثالث: أن تبادر إلى التوبة، ولذلك فإن تأخير التوبة هو في حد ذاته ذنب يحتاج إلى توبة.
الرابع: استدرك ما فاتك من حق الله إن كان ممكناً ، كإخراج الزكاة التي منعتها في الماضي ولما فيها من حق الفقير كذلك .
الخامس: أن تفارق موضع المعصية إذا كان وجودك فيها قد يوقعك في المعصية مرة أخرى.
السادس : أن تفارق من أعانك على المعصية.
والله تعالى يقول: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [الزخرف:67]. وقرناء السوء سيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة، ولذلك عليك أيها التائب بمفارقتهم ونبذهم ومقاطعتهم والتحذير منهم إن عجزت عن دعوتهم ولا يستجرينك الشيطان فيزين لك العودة إليهم من باب دعوتهم وأنت تعلم أنك ضعيف لا تقاوم.
وهناك حالات كثيرة رجع فيها أشخاص إلى المعصية بإعادة العلاقات مع قرناء الماضي .
السابع: إتلاف المحرمات الموجودة عندك مثل المسكرات وآلات اللهو كالعود والمزمار، أو الصور والأفلام المحرمة والقصص الماجنة والتماثيل، وهكذا فينبغي تكسيرها وإتلافها أو إحراقها.
ومسألة خلع التائب على عتبة الاستقامة جميع ملابس الجاهلية لابد من حصولها، وكم من قصة كان فيها إبقاء هذه المحرمات عند التائبين سبباً في نكوصهم ورجوعهم عن التوبة وضلالهم بعد الهدى، نسأل الله تعالى الثبات.
الثامن: أن تختار من الرفقاء الصالحين من يعينك على نفسك ويكون بديلاً عن رفقاء السوء وأن تحرص على حلق الذكر ومجالس العلم وتملأ وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغاً ليذكرك بالماضي .
التاسع: أن تعمد إلى البدن الذي ربيت بالسحت فتصرف طاقته في طاعة الله سبحانه وتتحرى الحلال حتى ينبت لك لحم طيب .
العاشر: الاستكثار من الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات.
وإذا صدقت مع الله تعالى في التوبة فأبشر بانقلاب جميع سيئاتك السابقة إلى حسنات، قال الله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً. إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً} [الفرقان:68- 70].
والله تعالى أعلى وأعلم.
- التصنيف:
- المصدر: