على هامش آلام المسلمين وإخفاقاتهم

منذ 2016-10-19

إن إقدام الناس وفدائيتهم ليس هو نهاية المطاف، فلا بد أن يكون هناك رؤية شاملة قابلة للحياة

كم يهفو القلب إلى ذلك المشهد الجليل؛ مجاهد نال الشهادة مضيء الوجه مبتسم الثغر، بُشّر بالخير فقبل البشارة.
لم يفتقد المسلمون أبدًا شبابًا مجاهدًا تواقًا للشهادة ومحروقًا بألم المسلمين ومِقدامًا لنصرتهم؛ فقد حدث إحياءٌ جزئي للأمة.
لكن الشخص الصادق المندفع، والمهاجر، والتارك لكل ما خلفه؛ تاركًا لأهله وولده وماله ووطنه، راغبًا في نصرة دينه- هذا الشخص وحده، وإن نجا هو شخصيًا، لكنه لا يكفي في التغيير إذا لم يبنِ أحد على جهده أو لم يكن جهده في طريق قابل للحياة من الناحية الإستراتيجية.
يحتاج هؤلاء المخلصون إلى قيادات أمينة وواعية وقادرة على حماية جهد وتضحيات هؤلاء، وتهيئ لهم البيئة الإستراتيجية الخادمة، وتنقل تضحيات الناس وجهدهم إلى الأفضل، وتتقدم بهم خطوة بعد أخرى.
ظفر الشيعة بالخميني ومن معه فصار جهد الأفراد خادمًا لمشروع ومنتِجًا حتى أصبحت دولة إقليمية قوية ولها مشروعها الذي يتقدم كل يوم، رغم باطلهم وخرافاتهم.
ظفر المسيحيون في مصر بشنودة فانتقل المسيحيون إلى وضع جديد، بكل ما فيه من مخاطر!
قدّم المسلمون الكثير وراء قيادات غريبة التفكير! فرجل متهور يقدم بلاده للمقصلة (كصدّام حسين) حتى ورّط الأمة إلى هذا اليوم وجاء جيوش الغرب واستوطن بقواعده، وآخر يقيم مشروعه على أن يستقدم العدو حتى يستنزفه! (بزعمه)، وفي أثناء ذلك يحرق العدو بلاد المسلمين ويمحو أهلها ويستولي على مقدراتها ويقيم قواعده ويمكّن للأقليات الحاقدة ويقلب الطاولة، ويصبح المسلمون بعد كل حراك ما بين محروق ومقتول ومنتهك عرضه ويرتفع صراخ لا ينتهي. ويكتشف المسلمون في النهاية أن العدو كان ينتظر هذه الفرصة ليتقدم بمشروعاته ومخططاته الحاقدة، أو أنه يحسن استغلال تحركات المسلمين إلى حد أن يعتقد الناس بالتآمر، أو أنه مرّر تحركاتهم تحت مبدأ (دعه يعمل فهو في مصلحتنا)!
أو قيادات خُدعت ببقايا الدنيا فتراجعوا وتآمروا، وخنعوا لعدوهم، خوفًا على المكاتب المكيفة والمساكن المريحة، حتى خرجوا من عالم الرجال والمبادئ.
فأصبح المسلمون ما بين قيادات أمينة مخلصة لكنها بين قاصرة أو متهورة أو متمنّية وقيادات لا تؤتَمن.
إن دور القيادة هي أن تفتح دروبًا، وتحل مغاليق، وتهيئ البيئة، وتحفظ الجهد، وتطور الأداء، وتحشد الطاقات، وتكسب الأنصار، وتفتت الأعداء، وتجزّئ العداء، وترحل الصراعات بحسب طاقة المسلمين، وتخفف سوْرة الأعداء، وتقلق معسكرهم وتفلّه، كما فعل صلاح الدين الأيوبي وغيره؛ لا أن يقدّم الناس جهدهم في فراغ، أو يكون دور القيادات هو عمل الفقاعات ونفخ الشعارات وبث الوعود والأماني الكاذبة أو تقديم المسلمين على طبق من فضة للعدو ليستأصلهم، أو تنشغل بصراعات مع أمتهم أو مع إخوانهم، أو توهم المسلمين بأوهام يكذبها الواقع.
إن إقدام الناس وفدائيتهم ليس هو نهاية المطاف، فلا بد أن يكون هناك رؤية شاملة قابلة للحياة.
المطلوب هو أن يمتلك المسلمون مشروعًا يحمي الأمة ويتقدم بها ويعيش بها وتعيش به؛ لا أن يورط ثم يتراجع. كما حالنا اليوم في السياسة وفي الجهاد والمقاومة على السواء.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 1,192

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً