العلاج النبوي للهموم

منذ 2016-10-27

أما الداء الذي نحن بصدده فهو عام وشائع ولا يكاد يخلو منه مسلم في هذا العالم فضلًا عن غير المسلمين، وأما الدواء والعلاج فقد تخبط الكثير من مفكري وفلاسفة الغرب والشرق من غير المسلمين في البحث عنه، دون أن يصلوا بعد طول جهد وعناء إلى نتيجة إيجابية تخفف عنهم الهموم وحالات الاكتئاب والقلق الذي يجتاح الكثير من النفوس والأفئدة فيها.

أما الداء الذي نحن بصدده فهو عام وشائع ولا يكاد يخلو منه مسلم في هذا العالم فضلًا عن غير المسلمين، وأما الدواء والعلاج فقد تخبط الكثير من مفكري وفلاسفة الغرب والشرق من غير المسلمين في البحث عنه، دون أن يصلوا بعد طول جهد وعناء إلى نتيجة إيجابية تخفف عنهم الهموم وحالات الاكتئاب والقلق الذي يجتاح الكثير من النفوس والأفئدة فيها.

وعلى الرغم من أن دين الله الخاتم قد وفَّر على أتباعه مشقة البحث وعناء التيه في تفاصيل نظريات غير المسلمين التي ما زالت حتى الآن - ورغم كل التطور التقني والعلمي الذي وصلت إليه - تتعثر في بحثها عن العلاج الناجع لإزالة الهموم .. إلا أن الكثير من المسلمين ما زالوا - وللأسف الشديد - إما جاهلين بأبجديات العلاج النبوي للهموم رغم حاجتهم الماسة إليه في زمن تزاحمت فيه أنواع الهموم على القلوب، وإما متكاسلين عن العمل بهذا العلاج رغم علمهم به ويقينهم بجدواه.

ولعل سلوك بعض المسلمين حين تتكاثر عليهم الهموم والأكدار هو ما يشير إلى إعراضهم وعدم التزامهم بالعلاج النبوي لما هم فيه، فترى أحدهم يخرج إلى المنتزهات والمطاعم في أوقات تزاحم هموم الحياة عليه، ظنًا منه أن ذلك يزيل عنه ثقلها ويبعد عنه كدرها، بينما قد يسافر البعض الآخر للسياحة في مكان قد لا تكون فيه أي مراعاة لحرمات الله، فيعود من سفره بأضعاف ما حمل من هموم وأحزان.

إنها النظرة المادية التي يتبعها الغرب في حل وعلاج كل أمراضه وأزماته، والتي لم تزده في مجال الأمراض النفسية التي يعاني منها أفراده عمومًا إلا خسارًا وانتكاسًا، ليأتي المسلم الذي أكرمه الله تعالى بأفضل وأنجع علاج لهذا الداء العضال، ليجرب تخرصات ونظريات الغرب في هذا المجال، في ظاهرة تبدو من أكثر الظواهر غرابة وعجبًا.

لا شك أن القرآن الكريم قد تضمن علاجًا ناجعًا للهموم وتزايد الأحزان، ولعل ذكر الله تعالى هو العلاج القرآني الأبرز لهذا الداء، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد:28]، إلا أني أريد التركيز هنا على العلاج النبوي للهموم، والذي لا يخرج بطبيعة الحال عن منهج القرآن.

لقد بحثت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علاج الهموم التي لا يكاد يخلو منها إنسان في هذه الحياة، فوجدت أن أكثر من حديث نبوي تناول هذه المسألة، وأنها بمجموعها تشكل منظومة للعلاج متكاملة.

أول هذه الأحاديث هو حديث عبد الله بن مسعود قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من جعل الهموم همًا واحدًا هم آخرته كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك»" (صحيح ابن ماجة للألباني برقم [253]).

وفي رواية المستدرك للحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «من جعل الهموم همًا واحدًا كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك»" (رقم [3658]، وقال الذهبي في التلخيص: "صحيح").

وتكمن أهمية هذا الحديث في علاج الهموم في أنه يركز على توصيف المرض وأبرز أسبابه، ألا وهو نسيان الدار الآخرة والإسراف في الانغماس بشؤون الدنيا الزائلة، الأمر الذي يتسبب في تضخيم أمور الأخيرة وإخراجها عن إطارها الحقيقي المرحلي، وهو ما يؤدي إلى تزايد الهموم تبعًا لإعطاء الدنيا أكبر من حجمها الطبيعي.

ويأتي العلاج النبوي في الحديث منسجمًا مع سبب الداء، وذلك من خلال التأكيد على حقيقة الحقائق وأم البدهيات في هذه الحياة، ألا وهي أن الدنيا ليست آخر المطاف، بل هي مجرد مرحلة للوصول إلى الدار الآخرة، فمن ركز اهتمامه بأمر آخرته وجعلها مهيمنة على جميع شؤون حياته، هانت عليه هموم الدنيا وأحزانها وأكدارها، بل إن الله سيكفيه هذه الهموم ويزيل عنه تلك الكروب، ومن غفل عن الآخرة بزخرف الدنيا ومتاعها انتهشته همومها واستهلكته أعباؤها وتكاليفها.

لا يعني هذا الكلام أن يهمل المسلم الدنيا أو لا يعمل فيها بما يصلح شأنه، فكتاب الله واضح بهذا الخصوص: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص من الآية:77]، وغاية ما في يرشد إليه الحديث أن لا ينهمك المسلم بدنياه إلى درجة تنسيه آخرته، الأمر الذي لا تقتصر عواقبه على خسارة حياته الحقيقة الأخرى، بل وتنغيص حياته الدنيا بكثرة همومها وأحزانها.

أما الحديث الثاني فهو عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك منها؟"، قال: «ما شئت»، قال: "الربع؟"، قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خير لك»، قال: "النصف؟"، قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خير لك»، قال: "الثلثين؟"، قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خير»، قال: "يا رسول الله اجعلها كلها لك"، قال: «إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك»" ( المستدرك لحاكم برقم [3578]، وقال الذهبي في التلخيص: "صحيح").

والعلاج النبوي في الحديث واضح كل الوضوح، فقد جعل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا من أسباب زوال الهم ومغفرة الذنب، وهو في الحقيقة علاج في غاية السهولة وفي متناول كل مسلم للتخلص من الهموم والأحزان، ولا يحتاج منه إلا إلى التزام ومواظبة.

وفيما يتعلق بالحديث الثالث الذي يرويه أَبِو سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: «يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِى أَرَاكَ جَالِسًا فِى الْمَسْجِدِ فِى غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ»، قَالَ: "هُمُومٌ لَزِمَتْنِى وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ"، قَالَ: «أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ»، قَالَ: "قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ"، قَالَ: «قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ»، قَالَ: "فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّى وَقَضَى عَنِّى دَيْنِى" (سنن أبي داود برقم [1557]، وقال الألباني: "ضعيف").

فهو وإن كان ضعيفًا كما ذكر الإمام الألباني، إلا أنه يمكن الاستئناس به في هذا السياق، خصوصًا إذا لاحظنا أن الذكر الوارد فيه والذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة صحيح، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّه كان يسمع النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» (صحيح البخاري برقم [2893]).

ولعل أهم ما يرشدنا إليه الحديث كعلاج للهم أمران:

أولهما: التوجه الصحيح نحو من بيده إزالة الهموم عند تكاثرها وتفريج الكروب عند نزولها على المسلم، ألا وهو الله وحده سبحانه، وهو ما فعله الصحابي الجليل أبو أمامة رضي الله عنه.

وثانيها: الالتزام بالأدعية والأذكار الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع، ومنها هذا الذكر: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» (صحيح البخاري برقم [2893]).

إن من أمنِّ نعم الله على عباده التي تستحق منهم شكرًا موصولًا غير منقطع هي نعمة هذا الدين الحنيف، فبينما يتخبط الشرق والغرب من غير المسلمين منذ عقود في محاولة إزالة هموم أبنائهم التي تتسبب سنويًا في انتحار الكثير منهم، يقدم الإسلام لأتباعه علاج الهموم والأحزان على طبق من ذهب كلام النبوة.

د. عامر الهوشان

  • 7
  • -1
  • 18,778

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً