عبادة الأنثى
تحرك المجتمع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من التجمع والاستعداد لوثبةٍ عالمية، إلى الحديث عن أن الإلحاد والملحدين قد جاسوا خلال الديار.
من أعوام ثار الناس حول رواية "شفرة دافينشي"، يقولون: كشفت من زيف النصرانية؛ ذلك أن الرواية تحدثت عن "وثائق سرية" فيها أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام كان إنسانًا عاديًا كغيره من الأُناس، وتزوج بواحدةٍ ممن آمنوا به واتبعوه (مريم المجدلية)، وأنجب منها نسلًا يتكاثر إلى اليوم. ولكن هدفًا آخر غير "شفرة دافنشي" هذه ظهر بوضوح في جُل مشاهد الرواية، وهو "عبادة الأنثى"، أو عبادة الطبيعة بتجلياتها الكثيرة، حتى كأنه موضوع الرواية الرئيسي.
أكثرت الرواية من الحديث بالتفصيل عن "عبادة الطبيعة"، أو "عبادة الأنثى" وأنها ديانةٌ "معتبرة" لها روادها. تتعدى على النصرانية وتحاول أن تنزع عنها ما تدعيه من الوقار والتعبد، تقول للذين كفروا من أهل الكتاب: دينكم الأصلي هو ذا: "عبادة أنثى"، أن "ربكم" كان "يستريح" بين يدي أنثى، وضع سره عند أنثى (مريم المجدلية) وهي التي حملت الدين (وهذا واضحٌ حال تفسير علماء الشفرة في الرواية لوضع الحواريين في لوحة العشاء الأخير لدافنشي، أن للأنثى وما اتصل بها شأن آخر، وضمنًا يستأنس باستحضار انحرافات المتبتلين للعبادة (الرهبان) نحو الأنوثة.
وقبل نشر هذه الرواية بعقدين كتب أحد الشواذ جنسيًا، ممن قتلهم "الإيدز" لاعتياده جريمة الشذوذ، كتب كتابًا يؤرخ للجنسانية، يقول: العالم يتحول من العفة والطهارة للجنس والدعارة، يقول: العالم يدير ظهره للأديان ويعبد الجسد والماديات؛ ويرصد هذه التحولات. وقف – كما هي عادة هذا المفكر- أمام المصطلح العلمي (وهو الجنسانية هنا) وراح يحفر حوله ويجليه، يقول: العالم يتحول، ينزع ثياب الإيمان والفضيلة ويتجمع في ساحة الإلحاد والرذيلة.
وفي مطلع التسعينات اجتمع علماء السعودية وعامة مثقفيهم عن بكرة أبيهم في مؤتمرٍ شهير يعلنون استعدادهم لوثبة عالمية على النصرانية. عزموا على معاجلة النصرانية في ديارها، اشتدوا لدعوة الذين كفروا من أهل الكتاب إلى الإيمان بالله وما أنزل على رسوله محمدٍ، صلى الله عليه وسلم. وكانت البداية من ترجمة كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "الجواب الصحيح على من بدل دين المسيح". وبعد أقل من ثلاثة عقود فقط تجمع ثلة من لهازمها في صالة أفراح يشتكون تفشي الإلحاد في ذات المجتمع!!
تحرك المجتمع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من التجمع والاستعداد لوثبةٍ عالمية، إلى الحديث عن أن الإلحاد والملحدين قد جاسوا خلال الديار.
شاهدوا بعد عقود تيك الحقيقة التي تحدث عنها "فوكو" وهو يحفر حول "الجنسانية" والتي تحدثت عنها رواية "شفرة دافنشي" في جل صفحاتها. رأى بعضهم بوضوح أن المجتمعات تتحول من الفضيلة للرذيلة، من الإيمان لنوعٍ جديد من الكفر (الإلحاد).
التحول الجديد عنوانه "عبادة الذات"، أو "عبادة الأنثى"، وهو قطب رحى الإلحاد (عبادة الذات)، (اتباع الهوى)، ومن الشواهد الجلية على أن هذا الفكر قد استوطن في حِس كثيرٍ من أبناء المسلمين خياراتُ الشباب حال الزواج، هي تبحث عمن يعاملها كأميرة، عمن ينقطع لإرضائها، وهو يبحث عن أنوثة طاغية وحسناء تسارع في هواه قبل أن يتكلم، وانحسرت القيم، قل من يتحدث عن بناء أسرة تكون لبنة في أمة، عن أثرٍ صالحٍ يرجوه بالزواج الإنجاب، وبين المتزوجين شاهد آخر يصرخ بأعلى صوته بأن "عبادة الأنثى" دبت واشتدت بين المتزوجين، تشتكي من أنه لا يتقطع شوقًا لرؤيتها ولا يغازلها حين يراها، ويشتكي من أنها لا تبالي بغيابه ولا تهيم به حين تراه؛ وكأن البيوت لا تبنى إلا على الحب، وكأن الحب هو فقط حالة المراهقة التي تنتهي –عند البار والفاجر- بعد أن يلتقيا ويرتويا، وكأن البيوت لا تثقل بعد الزواج بهموم المعيشة وتتوزع العواطف بين الزوج والأبناء. تفشى بيننا -بفعل رسل الديانة الجديدة وأدواتهم الإعلامية والسلطوية- "عبادة الأنثى"، البحث عن أنثى عن اللذة المحرمة (من التحدث إلى أقصى ما يطلب)، أصبح كثيرٌ من أوقاتنا وجهدنا يفرغ حول أنثى، هي تبحث عن من يعاملها كملكة، وهو يبحث عن جسدٍ يُفرغ حوله وفيه نزواته. ومقل ومكثر، والله يسمع ويرى، ويتوب على من تاب.
والإطار الأوسع الذي يحتوي "عبادة الأنثى" كأحد المفردات هو أن الحضارة السائدة اليوم تفرض دينها (الإلحاد) علينا بأدواتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، يخربون بيوتنا بجنودهم وحلفائهم وأوليائهم من بني جلدتنا، المشهد الآن: رَكب الشيطان يستبيح أهل الإيمان، والمادة الأولى في شريعة إبليس هي "التعري"، "عبادة الجسد"، "عبادة الأنثى" قال الله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا} [الأعراف جزء من الآية: 20].
27 اكتوبر 2016
- التصنيف: