ضمير الثورة السورية فوق السلطة السياسية
مسؤولية كبيرة على النخب السورية، ومن خلفها النخب العربية والإسلامية وما لها من خيار إلا الدفاع عن الثورة وجوهرها بإسقاط العصابة الطائفية، وتجريد الأقلام وشحذ الألسن وتحييد كل أشكال الصراع الإيديولوجي والحزبي والفصائلي والكيدي فيما بينها من أجل مصلحة الشعب والثورة، فمن صمت وسكت على إجرام العصابة الطائفية لنصف قرن لم يعد له مبرراً ألا يدافع عن الشعب وثورته وتضحياته.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
المقصود بضمير الثورة السورية هنا هو النخب المشيخية والثقافية والعلمية الناظرة بعين المستقبل بعيداً عن عين الراهن المؤلم، والناظرة لمصلحة الشعب والأمة أكثر مما هي منشغلة بمصلحة آنية زائلة، ورهان لم ولن يكون قدراً، والرافضة أيضاً للضغوط السياسية المدفوعة بمصالح ونزوات بعيدة كل البعد عن مصلحة الأمة ومصلحة الثورة، ولذا فقد كانت ضمائر الثورات الناجحة على مدى التاريخ هم المثقفون والعلماء والمشايخ الذين قاوموا مطارق الإجرام والتحدي الزائلة بسندان الصبر والمقاومة والتحدي إلى أن نقلوا شعوبهم وأمتهم إلى شواطئ النصر والتمكين والحرية بعيداً عن أعماق محيطات العبودية والذل والتبعية.
ما يفاجئني دائماً صمت كثير من النخب السورية إزاء قضايا خطيرة تمس الثورة السورية حالياً وستشكل مستقبل الثورة لاحقاً وربما مستقبل المنطقة، إذ تُؤثر هذه النخب إما اللجوء إلى مواقف أقرب ما تكون إلى الحزبية والفصائلية، أو لمواقف إيديولوجية كبلتها منذ عقود، وهي التي أو غيرها انحازت لجانب الجلاد المجرم الظالم أباً أو ابناً لعقود مبررة ظلمه وإجرامه أو ساكتة عنه في أحسن الأحوال بحجة وذريعة مقاومة وهمية لم تجرّ علينا إلاّ عشرات الآلاف من الشهداء منذ طرابلس وصبرا وشاتيلا والبداوي والكرنتينا وتل الزعتر وغيرها، بالإضافة إلى سجن الآلاف في صروح إجرامية لم يجدوا لها اسماً إلا فرع فلسطين.
النخب أعلى من السلطات السياسية، والنخب تنظر بعين المستقبل، وقد يجرّ عليها الويل والثبور وعظائم الأمور اليوم ولكن الأحرار سينصفونها تماماً كما أنصفوا من سبقها من أبطال الثمانينيات، والتحدي الحقيقي الآن هو بصدع هذه النخب بالحق بعيداً عن التنميط للقضايا، وبعيداً عن المصالح الفئوية والحزبية، رغبة أو رهبة.
ثمة تحديات خطيرة خلال الأسابيع الماضية لم تتطرق إليها كثير من النخب معالجة وطرحاً ومناقشة جدية وجديدة وجريئة، فلا تزال بعض النخب تجتر رأي الغرب والشرق إزاء جبهة النصرة وجبهة الفتح على الرغم من انشقاقها عن القاعدة، بينما تستعد بعض هذه النخب لتقبل مجرد تلميحات ولو كانت وهمية من أعداء الثورة الظاهريين روس وإيرانيين وباطنيين، فقد كان المؤمل من هذه النخب أن ترحب ببيان علني بهذا الانشقاق وتدعو جبهة فتح الشام إلى خطوات إيجابية أخرى ومزيدة ، مقابل دعوة الفصائل الأخرى أيضا التي طالبت لسنوات الجبهة بفك الارتباط بخطوات مماثلة ومحددة، في الاقتراب من فتح الشام، وتشكيل جسم عسكري حقيقي لكل الجماعات الجهادية والثورية الجادة، لا أن تجترّ النخب مواقف سياسية دولية معادية للشعب السوري وهو ما يكلفه دماً ومعاناة تحت ذريعة فتح الشام وغيرها من القضايا، وذريعة فتح الشام قد تستنسل بذرائع جديدة بالغد القريب.
التحدي الأهم الذي برز أخيراً هو تحدي اتفاق كيري ـ لافروف والذي صمتت النخب إزاءه ولم تتحدث عن مخاطره الحقيقية في نقل جوهر الثورة السورية من ثورة ضد استبداد إجرامي إلى قضية نقل مساعدات إنسانية، مع تجريم فصيل فتح الشام الذي انشق عن القاعدة ولم يهدد الغرب ولا الشرق بكلمة، بينما الغرب والشرق يستهدفه بطائراته وميليشياته ودباباته، ومع هذا صمتت هذه النخب إزاء هذه القضية الجوهرية ولم تعد قضية العالم العصابة الطائفية المجرمة بحق الشعب لعقود، والأنكى من ذلك شرعنة الاتفاق لوجود كل المليشيات الطائفية الأجنبية المجرمة القاتلة، وشرعنة الاحتلال الإيراني والروسي في سوريا.
وإذا قمنا بتوسيع الدائرة نرى مقال وزير خارجية إيران جواد ظريف وهو يدعو العالم للتخلص من الوهابية والمقصود به بالطبع التخلص من كل من يهدد الصفويين من السعودية والخليج إلى أفغانستان وغيرها، ومع هذا صمتت النخب صمت القبور على هذه التهديدات، بينما هي تضرب في عظم الثورة السورية، كونها ستفقد داعمها وتعريها تماماً أمام الجبروت الروسي والإيراني ومن خلفه الأميركي.
مسؤولية كبيرة على النخب السورية، ومن خلفها النخب العربية والإسلامية وما لها من خيار إلا الدفاع عن الثورة وجوهرها بإسقاط العصابة الطائفية، وتجريد الأقلام وشحذ الألسن وتحييد كل أشكال الصراع الإيديولوجي والحزبي والفصائلي والكيدي فيما بينها من أجل مصلحة الشعب والثورة، فمن صمت وسكت على إجرام العصابة الطائفية لنصف قرن لم يعد له مبرراً ألا يدافع عن الشعب وثورته وتضحياته.
أحمد موفق زيدان